المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

57- قل لهم : إني على شريعة واضحة منزلة من ربي وقد كذبتم القرآن الذي جاء بها ، وليس في قدرتي أن أقدم ما تستعجلونه من العذاب ، بل هو في قدرة الله ، ومرهون بإرادته وحكمته ، وليس الأمر والسلطان إلا لله ، إن شاء عجل لكم العذاب ، وإن شاء أخره ، له سبحانه في ذلك الحكمة ، وهو خير الفاصلين بيني وبينكم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

وأنا { عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي } أي : على يقين مبين ، بصحته ، وبطلان ما عداه ، وهذه شهادة من الرسول جازمة ، لا تقبل التردد ، وهو أعدل الشهود على الإطلاق . فصدق بها المؤمنون ، وتبين لهم من صحتها وصدقها ، بحسب ما مَنَّ الله به عليهم .

{ وَ } لكنكم أيها المشركون – { كذبتم به } وهو لا يستحق هذا منكم ، ولا يليق به إلا التصديق ، وإذا استمررتم{[290]}  على تكذيبكم ، فاعلموا أن العذاب واقع بكم لا محالة ، وهو عند الله ، هو الذي ينزله عليكم ، إذا شاء ، وكيف شاء ، وإن استعجلتم به ، فليس بيدي من الأمر شيء { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } فكما أنه هو الذي حكم بالحكم الشرعي ، فأمر ونهى ، فإنه سيحكم بالحكم الجزائي ، فيثيب ويعاقب ، بحسب ما تقتضيه حكمته . فالاعتراض على حكمه مطلقا مدفوع ، وقد أوضح السبيل ، وقص على عباده الحق قصا ، قطع به معاذيرهم ، وانقطعت له حجتهم ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة { وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } بين عباده ، في الدنيا والآخرة ، فيفصل بينهم فصلا ، يحمده عليه ، حتى من قضى عليه ، ووجه الحق نحوه .


[290]:- كذا في ب، وفي أ: استمريتم.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

{ قل إني على بينة } تنبيه على ما يجب اتباعه بعد ما بين ما لا يجوز اتباعه . والبينة الدلالة الواضحة التي تفصل الحق من الباطل وقيل المراد بها القرآن والوحي ، أو الحجج العقلية أو ما يعمها . { من ربي } من معرفته وأنه لا معبود سواه ، ويجوز أن يكون صفة لبينة . { وكذبتم به } الضمير لربي أي كذبتم به حيث أشركتم به غيره ، أو للبينة باعتبار المعنى . { ما عندي ما تستعجلون به } يعني العذاب الذي استعجلوه بقولهم : { فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } . { إن الحكم إلا لله } في تعجيل العذاب وتأخيره . { يقص الحق } أي القضاء الحق ، أو يصنع الحق ويدبره من قولهم قضى الدرع إذا صنعها ، فيما يقضي من تعجيل وتأخير وأصل القضاء الفصل بتمام الأمر ، وأصل الحكم المنع فكأنه منع الباطل . وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم " يقص " من قص الأثر ، أو من قص الخبر . { وهو خير الفاصلين } القاضين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

وقوله تعالى : { قل إني على بينة من ربي } الآية ، هذه الآية تماد في إيضاح مباينته لهم ، والمعنى قل إني على أمر بين فحذف الموصوف ثم دخلت هاء المبالغة كقوله عز وجل : { بل الإنسان على نفسه بصيرة }{[4936]} ويصح أن تكون الهاء في { بينة } مجردة للتأنيث ، ويكون بمعنى البيان ، كما قال { ويحيى من حيَّ عن بينة }{[4937]} والمراد بالآية إني أيها المكذبون في اعتقادي ويقيني وما حصل في نفسي من العلم على بينة من ربي { وكذبتم به } الضمير في { به } عائد على( بين ) في تقدير هاء المبالغة أو على البيان التي هي { بينة } بمعناه في التأويل الآخر ، أو على الرب ، وقيل على القرآن وهو وإن لم يتقدم له ذكر جلي فإنه بعض البيان الذي منه حصل الاعتقاد واليقين للنبي عليه السلام ، فيصح عود الضمير عليه .

قال القاضي أبو محمد : وللنبي عليه السلام أمور أخر غير القرآن وقع له العلم أيضاً من جهتها كتكليم الحجارة له ورؤيته للملك قبل الوحي وغير ذلك وقال بعض المفسرين في { به } عائد على { ما } والمراد بها الآيات المقترحة على ما قال بعض المفسرين ، وقيل المراد بها العذاب ، وهذا يترجح بوجهين : أحدهما من جهة المعنى وذلك أن قوله { وكذبتم به } يتضمن أنكم واقعتم ما تستوجبون به العذاب إلا أنه ليس عندي ، والآخر من جهة اللفظ وهو الاستعجال الذي لم يأت في القرآن استعجالهم إلا للعذاب ، لأن اقتراحهم بالآيات لم يكن باستعجال ، وقوله { إن الحكم إلا لله } أي القضاء والإنفاذ { يقص الحق } أي يخبر به ، والمعنى يقص القصص الحق ، وهذه قراءة ابن كثير وعاصم ونافع وابن عباس ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر «يقضي الحق »{[4938]} أي ينفذه ، وترجع هذه القراءة بقوله { الفاصلين } لأن الفصل مناسب للقضاء ، وقد جاء أيضاً الفصل والتفصيل مع القصص ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «وهو أسرع الفاصلين » قال أبو عمرو الداني : وقرأ عبد الله وأبيّ ويحيى ابن وثاب وإبراهيم النخعي وطلحة الأعمش «يقضي بالحق » بزيادة باء الجر ، وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير «يقضي الحق وهو خير الفاصلين » .


[4936]:- الآية (14) من سورة (القيامة).
[4937]:- من الآية (42) من سورة (الأنفال).
[4938]:- [يقض] بالضاد المعجمة، قال القرطبي: "وكذلك قرأ علي رضي الله عنه، وأبو عبد الرحمان السلمي، وسعيد بن المسيب، وهو مكتوب في المصحف بغير ياء، ولا ينبغي الوقوف عليه، وهو من القضاء". وقال الفخر الرازي: "[يقض] بغير ياء، لأنها سقطت لالتقاء الساكنين، كما كتبوا [سندع الزبانية] و[فما تغن النذر]. وفي "البحر المحيط": [يقضي الحق] هي قراءة العربيين والأخوين، أي: يقضي القضاء الحق في كل ما يقضي فيه من تأخير أو تعجيل، وضمن بعضهم [يقضي] معنى [ينفذ] فعداه إلى مفعول به، وقيل: يقضي بمعنى يصنع، أي كل ما يصنعه فهو حق، قال الهذلي: وعليها مسدودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبّع أي: صنعهما، وقيل: حذف الباء والأصل: [بالحق] ويؤيده قراءة عبد الله، وأبي، وابن وثاب، والنخعي، وطلحة، والأعمش: [يقضي بالحق] بياء الجر، وسقطت الباء خطأ لسقوطها لفظا لالتقاء الساكنين".