وقوله { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } أي : يسوق الله الرزق للمتقي ، من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به .
{ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } أي : في أمر دينه ودنياه ، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره ، ويثق به في تسهيل ذلك { فَهُوَ حَسْبُهُ } أي : كافيه الأمر الذي توكل عليه به ، وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي [ العزيز ] الرحيم ، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء ، ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له ؛ فلهذا قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ } أي : لا بد من نفوذ قضائه وقدره ، ولكنه { قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } أي : وقتًا ومقدارًا ، لا يتعداه ولا يقصر عنه .
ومن يتق الله يجعل له مخرجا . ويرزقه من حيث لا يحتسب جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على الاتقاء عما نهى عنه صريحا أو ضمنا من الطلاق في الحيض والإضرار بالمعتدة وإخراجها من المسكين وتعدي حدود الله وكتمان الشهادة وتوقع جعل على إقامتها بأن يجعل الله له مخرجا مما في شأن الأزواج من المضايق والغموم ويرزقه فرجا وخلفا من وجه لم يخطر بباله أو بالوعد لعامة المتقين بالخلاص عن مضار الدارين والفوز بخيرهما من حيث لا يحتسبون أو كلام جيء به للاستطراد عند ذكر المؤمنين وعنه صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق الله فما زال يقرؤها ويعيدها وروي أن سالم بن عوف بن مالك الأشجعي أسره العدو أسره العدو فشكا أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له اتق الله وأكثر قول لا حول ولا قوة إلا بالله ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها وفي رواية رجع ومعه غنيمات ومتاع ومن يتوكل على الله فهو حسبه كافية إن الله بالغ أمره يبلغ ما يريده ولا يفوته مراد وقرأ حفص بالإضافة وقرىء بالغ أمره أي نافذ وبالغا على أنه حال والخبر قد جعل الله لكل شيء قدرا تقديرا أو مقدرا أو أجلا لا يتأتى تغييره وهو بيان لوجوب التوكل وتقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق بزمان العدة والأمر بإحصائها وتمهيد لما سيأتي من مقاديرها .
وقوله تعالى : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } ، الآيات كلها عظة لجميع الناس ، والحسب : الكافي المرضي ، وقال ابن مسعود هذه أكثر الآيات حضّاً على التفويض ، وروي أن رجلاً قال لعمر : ولّني مما ولاك الله ، فقال له عمر : أتقرأ القرآن ؟ قال : لا . قال : فأنا لا أولي من لا يقرأ القرآن . فتعلم الرجل رجاء الولاية ، فلما حفظ كثيراً من القرآن تخلف عن عمر فلقيه يوماً فقال له عمر ما أبطا بك ؟ قال له تعلمت القرآن ، فأغناني الله تعالى عن عمر وعن بابه .
ثم قرأ هذه الآيات من هذه السورة . وقوله تعالى : { إن الله بالغ أمره } بيان وحض على التوكل ، أي لا بد من نفوذ أمر الله توكلت أيها المرء أو لم تتوكل قاله مسروق . فإن توكلت كفاك وتعجلت الراحة والبركة ، وإن لم تتوكل وكلك إلى عجزك وتسخطك ، وأمره في الوجهين نافذ ، وقرأ داود بن أبي هند{[11161]} -ورويت عن أبي عمرو «بالغ أمرُه » برفع الأمر{[11162]} وحذف مفعول تقدير : بالغ أمره ما شاء ، وقرأ جمهور السبعة : «بالغ أمرَه » بنصب الأمر{[11163]} وقرأ حفص والمفضل عن عاصم : «بالغُ أمرِه » على الإضافة وترك التنوين في : «بالغُ » ، ورويت عن أبي عمرو ، والأعمش ، وهي قراءة طلحة بن مصرف ، وقرأ جمهور الناس : «قدْراً » بسكون الدال ، وقرأ بعض القراء : «قدَراً » بفتح الدال وهذا كله حض على التوكل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.