فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

{ ويرزقه } فرجا وخلفا { من حيث لا يحتسب } قال ابن مسعود : أي من حيث لا يدري ، يعني من وجه لا يخطر بباله ، ولا يكون في حسابه وقال الحسين بن الفضل : ومن يَتّق الله في أداء الفرائض يجعل له مخرجا من العقوبة ، ويرزقه الثواب من حيث لا يحتسب ، أي يبارك له فيما آتاه وقال سهل بن عبد الله : ومن يتق الله في إتباع السنة يجعل له مخرجا من عقوبة أهل البدع ، ويرزقه الجنة من حيث لا يحتسب ، وقيل غير ذلك ، وظاهر الآية العموم ، ولا وجه للتخصيص بنوع خاص . ويدخل في ذلك ، ما فيه السياق دخولا أوليا ، فإن قيل : نرى كثيرا من الأتقياء مضيقا عليه في الرزق ، أجيب بأنه لا يخلو عن رزق ، والآية لم تدل على أن المتقي يوسع له في الرزق ، بل دلت على أنه يرزق من حيث لا يحتسب ، وهذا أمر مطرد في الأتقياء أفاده الكرخي .

{ ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي ومن وثق بالله فيما نابه كفاه ما أهمه ، قال ابن مسعود في الآية : ليس المتوكل الذي يقول تقضي حاجتي ، وليس كل من يتوكل على الله كفاه ما أهمه ، ودفع عنه ما يكره ، وقضى حاجته ، ولكن الله جعل فضل من توكل على من لم يتوكل أن يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا .

{ إن الله بالغ أمره } فلا بد من كونه ينفذه ، سواء حصل توكل أو لا قال ابن مسعود ، قاض أمره على من توكل وعلى من لم يتوكل ، ولكن المتوكل يكفر عن سيئاته ويعظم له أجرا قرأ الجمهور بتنوين بالغ ونصب أمره وقرئ بالإضافة وهي سبعية ، وقرئ بتنوين بالغ ورفع أمره ، لأنه فاعل بالغ ، أو على أن أمره مبتدأ مؤخر وبالغ خبر مقدم ، قال الفراء في توجيه هذه القراءة : أي أمره بالغ ، وقرئ بالغا بالنصب على الحال ، ويكون خبر عن قوله : { قد جعل الله لكل } الخ ، والمعنى على الأولى والثانية أن الله سبحانه بالغ ما يريده من الأمر لا يفوته شيء ولا يعجزه مطلوب ، وعلى الثالثة أن الله نافذ أمره لا يرده شيء .

{ قد جعل الله لكل شيء قدرا } أي تقديرا وتوقيتا أو مقدارا لا يتعداه وإن اجتهد جميع الخلائق في أن يتعداه فقد سجل سبحانه للشدة أجلا تنتهي إليه ، وللرخاء أجلا ينتهي إليه ، وهذا بيان لوجوب التوكل على الله وتفويض الأمر إليه ، لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق ونحوه لا يكون إلا بتقديره وتوقيته لم يبق إلا التسليم للقدر والتوكل ، قال السدي : هو قدر الحيض والعدة ، وقال ابن مسعود : يعني أجلا ومنتهى ينتهي إليه .

" وعن عمر بن الخطاب قال : قال صلى الله عليه وسلم : لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه وغيرهم .