بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } يعني : في شأن المراجعة . ويقال : { يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } يعني : ينجو من ظلمات يوم القيامة ويرزقه الجنة . ووجه آخر : أن من اتقى الله عند الشدة وصبر ، يجعل له مخرجاً من الشدة { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } يعني : يوسع عليه من الرزق . وقال مسروق : { يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } قال : مخرجه أن يعلم أن الله هو يرزقه ، وهو يمنحه ويعطيه ، لأنه هو الرازق وهو المعطي وهو المانع . كما قال الله تعالى : { يا أيها الناس اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السماء والأرض لاَ إله إِلاَّ هُوَ فأنى تُؤْفَكُونَ } [ فاطر : 3 ] الآية .

ثم قال عز وجل : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ } يعني : من يثق بالله في الرزق { فَهُوَ حَسْبُهُ } يعني : الله كافيه . وروى سالم بن أبي الجعد : أن رجلاً من أشجع أسره العدو ، فجاء أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فشكا إليه ، فقال : " اصبر " . فأصاب ابنه غنيمة ، فجاء بهما جبريل عليه السلام { وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } الآية .

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إن ابني أسره العدو وجزعت الأم ، فما تأمرني ؟ فقال : " آمرك وإياها أن تستكثرا من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " .

فرجع إلى منزله ، فقالت له : بماذا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : بكذا . فقالت : نعم ما أمرك به . فجعلا يقولان ذلك ، فخرج ابنه بغنيمة كثيرة ، فنزل قوله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ } يعني : من يثق بالله في الشدة ، يجعل له مخرجاً من الشدة . ويقال : المخرج على وجهين : أحدهما أن يخرجه من تلك الشدة ، والثاني أن يكرمه فيها بالرضا والصبر . ثم قال : { إِنَّ الله بالغ أَمْرِهِ } يعني : قاضياً أمره . قرأ عاصم في رواية حفص { بالغ أَمْرِهِ } بغير تنوين ، بكسر الراء على الإضافة ، والباقون بالتنوين { أَمَرَهُ } بالنصب ، نصبه بالفعل بمعنى يمضي أمره في الشدة والرخاء أجلاً ووقتاً . ثم قال : { قَدْ جَعَلَ الله لِكُلّ شَيء قَدْراً } يعني : جعل لكل شيء من الشدة والرخاء أجلاً ووقتاً ، لا يتقدم ولا يتأخر .