فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

{ ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسب- إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ( 3 ) } .

الله هو الرازق ذو القوة المتين ، يعطي من يشاء بسبب وبدون سبب وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، فلا حرج على فضله سبحانه أن يمنح التقى من باب لم يكن في تقدير العبد أو حسبانه ؛ ومن يتخذ المولى القدير وكيلا فإنه تبارك اسمه نعم الوكيل يكفيه ويغنيه عمن سواه ، فما فقد شيئا من وجد الله ، وما وجد شيئا من فقده { . . . وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده . . }{[7145]} إن ربنا تبارك وتعالى يفعل ما يريد ولا يفوته مراد ، وقد جعل سبحانه لكل شيء ميقاتا لا يستقدم عنه ولا يستأخر ، ولا يتعجل- جل ثناؤه- بعجلة أحد .

[ . . من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ) . . وعن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله عز وجل لا يحب الذواقين ولا الذواقات ) . . أسند جميعه الثعلبي رحمه الله في كتابه .

وروى الدارقطني – بسنده- عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معاذ ما خلق الله شيئا على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله شيئا على وجه الأرض أبغض من الطلاق فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء الله فهو حر ولا استثناء له وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فله استثناؤه ولا طلاق عليه ) . . . روى الدراقطني- بسنده- عن ابن عباس يقول : الطلاق على أربعة وجوه : وجهان حالالان ووجهان حرامان ، فأما الحلال فأن يطلقها طاهرا عن غير جماع ، وأن يطلقها حاملا مستبينا حملها ، وأما الحرام فأن يطلقها وهي حائض أو يطلقها حين يجامعها ، لا تدري اشتمل الرحم على ولد أم لا . . { لعدتهن } يقتضي أنهن اللاتي دخلن{[7146]} بهن من الأزواج ؛ لأن غير المدخول بهن خرجن بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها . . }{[7147]} وقوله تعالى : { وأحصوا العدة } يعني في المدخول بها ، لأن غير المدخول بها لا عدة عليها ، وله أن يراجعها فيما دون الثلاث قبل انقضاء العدة ؛ ويكون بعدها كأحد الخطاب ؛ ولا تحل له في الثلاث إلا بعد زوج . . . { لا تخرجوهن من بيوتهن } أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة ولا يجوز لها الخروج أيضا ؛ لحق الزوج ؛ إلا لضرورة ظاهرة ، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة ؛ والرجعية والمبتوتة في هذا سواء . وهذا لصيانة ماء الرجل . . . وهذا معنى إضافة البيوت إليهن ؛ كقوله تعالى : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة . . {[7148]} } فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك . . . فبين أن الآية في تحريم الإخراج والخروج إنما هو في الرجعية . . لأنها بصدد أن يحدث لمطلقها رأي في ارتجاعها مادامت في عدتها ؛ فكأنها تحت تصرف الزوج في كل وقت . . ]{[7149]} .

أخرج أحمد والبيهقي وغيرهما والحاكم وصححه عن أبي ذر قال : جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يتلو هذه الآية : { . . . ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب }{[7150]} فجعل يرددها حتى نعست ثم قال : ( يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم ) .


[7145]:- سورة آل عمران. من الآية 160.
[7146]:- كذا أورده القرطبي لكن لعلها: دخل.
[7147]:- سورة الأحزاب. من الآية 49.
[7148]:سورة الأحزاب. من الآية 34.
[7149]:-ما بين العارضتين مما أورده الجامع لأحكام القرآن جـ 18 ص 149 وما بعدها.
[7150]:- هما جزءان كل جزء منهما من آية؛ فإطلاق الآية عليهما من قبيل المجاز.