الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

وقوله سبحانه : { وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } قال بعض رواة الآثار : " نزلتْ هذه الآيةُ في عَوْفِ بن مالك الأشجعي ؛ أُسِرَ ولدُه وقُدِرَ عليه رزقُه ، فَشَكَا ذلكَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فَأَمَرَه بالتَّقْوَى ، فلم يلبثْ أن تَفَلَّتَ ولدُه وأخَذَ قطيعَ غَنَمٍ للقومِ الذين أسَرُوه ، فَسَأَلَ ( عَوْف ) النبيَّ صلى الله عليه وسلم : أتَطِيبُ لَهُ تِلْكَ الغَنَمُ ؟ فقال : نَعَمْ ، قال أبو عمر بن عبد البر : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «أبى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أنْ يَجْعَلَ أرْزَاقَ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ إلاَّ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُونَ » وقال عليه السلام لابن مسعود : " لاَ يَكْثَرْ هَمُّكَ ، يَا عَبْدَ اللَّهِ ؛ مَا يُقَدَّرْ يَكُنْ وَمَا تُرْزَقْ يأتِيكَ " ، وعنه صلى الله عليه وسلم : " اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بالصَّدَقَة " ، انتهى من كتابه المسمى ب«بهجة المجالس وأنس المجالس » .

وقوله تعالى : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ } هذهِ الآياتُ كلُّها عِظةٌ لجميعِ الناسِ ، ومعنى حَسْبُهُ : كَافِيهِ . وقال ابن مسعود : هذه أكْثَرَ الآيات حَضًّا على التفويضِ للَّه .

وقوله تعالى : { إِنَّ الله بالغ أَمْرِهِ } بَيَانٌ ، وَحَضٌّ عَلى التوكلِ ، أي : لا بُدَّ مِنْ نفوذِ أمرِ اللَّهِ ؛ توكلتَ أيُّهَا المرءُ أوْ لَمْ تَتَوَكَّلْ ؛ قاله مسروق ؛ فإنْ توكلتَ على اللَّهِ كَفَاكَ وَتَعَجَّلَتِ الراحةُ والبَرَكةُ ، وإن لم تتوكَّلْ وَكَلَكَ إلى عَجْزِكَ وَتَسَخَّطَكَ ، وأمرُه سبحانَه في الوجهين نَافِذٌ .