الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

{ وَيَرْزُقْهُ } من وجه لا يخطره بباله ولا يحتسبه إن أوفى المهر وأدى الحقوق والنفقات وقل ماله . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه سئل عمن طلق ثلاثاً أو ألفاً ، هل له من مخرج ؟ فتلاها " وعن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فقال : لم تتق الله فلم يجعل لك مخرجا ، بانت منك بثلاث والزيادة إثم في عنقك . ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله : { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ } يعني : ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ومخلصاً من غموم الدنيا والآخرة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قرأها فقال : " مخرجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة " وقال عليه السلام : " إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم { وَمَن يَتَّقِ الله } فما زال يقرؤها ويعيدها " وروى : أنّ عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابناً له يسمى سالماً . فأتى رسول الله فقال : أسر ابني وشكا إليه الفاقة ؛ فقال : ما أمسى عند آل محمد إلا مدّ فاتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ، ففعل فبينا هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل تغفل عنها العدو فاستاقها ، فنزلت هذه الآية { بالغ أَمْرِهِ } أي يبلغ ما يريد لا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب . وقرىء : «بالغ أمره » بالإضافة «وبالغ أمره » بالرفع ، أيّ : نافذ أمره وقرأ المفضل : «بالغاً أمره » ، على أنّ قوله : { قَدْ جَعَلَ الله } خبر إن ، وبالغاً حال { قَدْراً } تقديراً وتوقيتاً . وهذا بيان لوجوب التوكل على الله ، وتفويض الأمر إليه ؛ لأنه إذا علم أنّ كل شيء من الرزق ونحوه لا يكون إلا بتقديره وتوقيته : لم يبق إلا التسليم للقدر والتوكل .