مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه ، ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله : { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ } . أي ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ومخلصاً من غموم الدنيا والآخرة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها فقال : « مخرجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة » .

وقال صلى الله عليه وسلم : « إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق الله » فما زال يقرؤها ويعيدها ، ورُوي أن عوف بن مالك أسر المشركون ابناً له فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أسر ابني وشكا إليه الفاقة فقال : « ما أمسى عند آل محمد إلا مدّ فاتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فعاد إلى بيته وقال لامرأته : إن رسول الله أمرني وإياك أن نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » فقالت : نعم ما أمرنا به فجعلا يقولان ذلك ، فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل تغفل عنها العدو فاستاقها فنزلت هذه الآية { وَمَن يَتَوَكَّلْ على الله } يكل أمره إليه عن طمع غيره وتدبير نفسه { فَهُوَ حَسْبُهُ } كافيه في الدارين { إِنَّ الله بالغ أَمْرِهِ } حفص أي منفذ أمره ، غيره { بالغٌ أمرَه } أي يبلغ ما يريد لا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب { قَدْ جَعَلَ الله لِكُلّ شَىْء قَدْراً } تقديراً وتوقيتاً ، وهذا بيان لوجوب التوكل على الله وتفويض الأمر إليه ، لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق ونحوه لا يكون إلا بتقديره وتوقيته لم يبق إلا التسليم للقدر والتوكل .