المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا} (18)

18 - لقد رضي الله عن المؤمنين حين يعاهدونك مختارين تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم من الإخلاص والوفاء لرسالتك ، فأنزل الطمأنينة عليهم وأعطاهم بصدقهم في البيعة وإتمام الصلح عِزا عاجلا . ومغانم كثيرة وعدهم الله بها يأخذونها ، وكان الله غالبا على كل شيء ، ذا حكمة بالغة في كل ما قضاه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا} (18)

{ 18-21 } { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا }

يخبر تعالى بفضله ورحمته ، برضاه عن المؤمنين إذ يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المبايعة التي بيضت وجوههم ، واكتسبوا بها سعادة الدنيا والآخرة ، وكان سبب هذه البيعة -التي يقال لها " بيعة الرضوان " لرضا الله عن المؤمنين فيها ، ويقال لها " بيعة أهل الشجرة " - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دار الكلام بينه وبين المشركين يوم الحديبية في شأن مجيئه ، وأنه لم يجئ لقتال أحد ، وإنما جاء زائرا هذا البيت ، معظما له ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان لمكة في ذلك ، فجاء خبر غير صادق ، أن عثمان قتله المشركون ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من معه من المؤمنين ، وكانوا نحوا من ألف وخمسمائة ، فبايعوه تحت شجرة على قتال المشركين ، وأن لا يفروا حتى يموتوا ، فأخبر تعالى أنه رضي عن المؤمنين في تلك الحال ، التي هي من أكبر الطاعات وأجل القربات ، { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الإيمان ، { فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } شكرا لهم على ما في قلوبهم ، زادهم هدى ، وعلم ما في قلوبهم من الجزع من تلك الشروط التي شرطها المشركون على رسوله ، فأنزل عليهم السكينة تثبتهم ، وتطمئن بها قلوبهم ، { وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } وهو : فتح خيبر ، لم يحضره سوى أهل الحديبية ، فاختصوا بخيبر وغنائمها ، جزاءا لهم ، وشكرا على ما فعلوه من طاعة الله تعالى والقيام بمرضاته .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا} (18)

يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، وقد تقدم ذكر عدتهم ، وأنهم كانوا ألفا وأربعمائة ، وأن الشجرة كانت سمرة بأرض الحديبية .

قال البخاري : حدثنا محمود ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن طارق بن عبد الرحمن قال : انطلقت حاجًا فمررت بقوم يصلون ، فقلت{[26852]} ما هذا المسجد ؟ قالوا : هذه الشجرة ، حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان ، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته ، فقال سعيد : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة . قال : فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها ، فقال سعيد : إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم ، فأنتم أعلم{[26853]} .

وقوله : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } أي : من الصدق والوفاء ، والسمع والطاعة ، { فَأَنزلَ السَّكِينَةَ } : وهي الطمأنينة ، { عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } : وهو ما أجرى الله على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم ، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة ،

ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم ، وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة ؛ ولهذا قال : { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا{[26854]} وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }


[26852]:- (1) في م: "وقلت".
[26853]:- (2) صحيح البخاري برقم (4163).
[26854]:- (3) في ت: "تأخذونها".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا} (18)

عود إلى تفصيل ما جازى الله به أصحاب بيعة الرضوان المتقدم إجماله في قوله : { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله } [ الفتح : 10 ] ، فإن كون بيعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم تعتبر بيعة لله تعالى أوْمأ إلى أن لهم بتلك المبايعة مكانة رفيعة من خير الدنيا والآخرة ، فلما قطع الاسترسال في ذلك بما كان تحذيراً من النكث وترغيباً في الوفاء ، بمناسبة التضاد وذكر ما هو وسط بين الحالين وهو حال المخلَّفين ، وإبطال اعتذارهم وكشف طويتهم ، وإقصائهم عن الخير الذي أعده الله للمبايعين وأرجائهم إلى خير يسنح من بعدُ إن هم صدقوا التوبة وأخلصوا النية .

فقد أنال الله المبايعين رضوانَه وهو أعظم خير في الدنيا والآخرة قال تعالى : { ورضوان من الله أكبر } [ التوبة : 72 ] والشهادة لهم بإخلاص النية ، وإنزاله السكينة قلوبهم ووعدهم بثواب فتح قريب ومغانم كثيرة .

وفي قوله : { عن المؤمنين إذ يبايعونك } إيذان بأن من لم يبايع ممن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس حينئذٍ بمؤمن وهو تعريض بالجدّ بن قيس إذ كان يومئذٍ منافقاً ثم حَسن إسلامه .

وقد دعيت هذه البيعة بيعةَ الرضوان من قوله تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } . و { إذ يبايعونك } ظرف متعلّق ب { رضي } ، وفي تعليق هذا الظرف بفعل الرضى ما يفهم أن الرضى مسبب عن مفاد ذلك الظرف الخاص بما أضيف هو إليه ، مع ما يعطيه توقيت الرضى بالظرف المذكور من تعجيل حصول الرضى بحدثان ذلك الوقت ، ومع ما في جعل الجملة المضاف إليها الظرفُ فِعليةً مضارعيّةً من حصول الرضى قبل انقضاء الفعل بل في حال تجدده . فالمضارع في قوله { يبايعونك } مستعمل في الزمان الماضي لاستحضار حالة المبايعة الجليلة ، وكون الرضى حصل عند تجديد المبايعة ولم ينتظر به تمامها ، فقد علمت أن السورة نزلت بعد الانصراف من الحديبية .

والتعريف في { الشجرة } تعريف العهد وهي : الشجرة التي عهدها أهل البيعة حين كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في ظلها ، وهي شجرة من شجر السَّمُر بفتح السين المهملة وضم الميم وهو شجر الطلح . وقد تقدم أن البيعة كانت لما أُرجف بقتل عثمان بن عفان بمكة فعن سلمة بن الأكوع وعبد الله بن عمر ، يزيدُ أحدهما على الآخر « بينما نحن قائلون يوم الحديبية وقد تفرق الناس في ظلال الشجر إذ نادى عمر بن الخطاب : أيّها الناس البيعةَ البيعةَ ، نَزَل روحُ القدُس فاخرُجوا على اسم الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي دعا الناس إلى البيعة فثار الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة فبايعوه كلهم إلا الجدَّ بن قيس » .

وعن جابر بن عبد الله بعدَ أن عمي لو كنت أبصر لأريتكم مكان الشجرة .

وتواتر بين المسلمين علم مكان الشجرة بصلاة الناس عند مكانها . وعن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال : فلما خرجنا من العام المقبل أي في عمرة القضية نسيناها فلم نقدر عليها وعن طارق بن عبد الرحمان قال : انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون قلت : ما هذا المسجد ؟ قالوا : هذه الشجرة حيث بايع رسولُ الله بيعة الرضوان . فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته فقال سعيد : إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم أفأنتم أعلم » .

والمراد بقول طارق : ما هذا المسجد : مكانُ السجود ، أي الصلاة ، وليس المراد البيت الذي يبني للصلاة لأن البناء على موضع الشجرة وقع بعد ذلك الزمن فهذه الشجرة كانت معروفة للمسلمين وكانوا إذا مروا بها يصلون عندها تيمنا بها إلى أن كانت خلافة عمر فأمر بقطعها خشية أن تكون كذاتتِ أنواط التي كانت في الجاهلية ، ولا معارضة بين ما فعله المسلمون وبين ما رواه سعيد بن المسيب عن أبيه أنه وبعض أصحابه نسوا مكانها لأن الناس متفاوتون في توسُّم الأمكنة واقتفاء الآثار .

والمروي أن الذي بنى مسجداً على مكان الشجرة أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي ولكن في المسجد المذكور حجر مكتوب فيه « أمر عبد الله أمير المؤمنين أكرمه الله ببناء هذا المسجد مسجد البيعة وأنه بني سنة أربع وأربعين ومائتين ، وهي توافق مدة المتوكّل جعفر بن المعتصم وقد تخرب فجدده المستنصر العباسي سنة 629 ثم جدده السلطان محمود خان العثماني سنة 1254 وهو قائم إلى اليوم .

وذكر { تحت الشجرة } لاستحضار تلك الصورة تنويهاً بالمكان فإن لذكر مواضع الحوادث وأزمانها معاني تزيد السامع تصوراً ولما في تلك الحوادث من ذكرى مثل مواقع الحروب والحوادث كقول عبد الله بن عباس « ويوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه » الحديث . ومواقع المصائب وأيامها .

و { إذ } ظرف يتعلق بفعل { رضي } ، أي رضي الله عنهم في ذلك الحين . وهذا رضى خاص ، أي تعلّق رضى الله تعالى عنهم بتلك الحالة .

والفاء في قوله : { فعلم ما في قلوبهم } ليست للتعقيب لأن علم الله بما في قلوبهم ليس عقب رضاه عنهم ولا عقب وقوع بيعتهم فتعين أن تكون فاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر بعدها . والتقدير : فلما بايعوك علم ما في قلوبهم من الكآبة ، ويجوز أن تكون الفاء لتفريع الأخبار بأن الله علم ما في قلوبهم بعد الإخبار برضى الله عنهم لما في الإخبار بعلمه ما في قلوبهم من إظهار عنايته بهم . ويجوز أن يكون المقصود من التفريع قوله : { فأنزل السكينة عليهم } ويكون قوله : { فعلم ما في قلوبهم } توطئة له على وجه الاعتراض .

والمعنى : لقد رضي الله عن المؤمنين من أجل مبايعتهم على نصرك فلما بايعوا وتحفزوا لقتال المشركين ووقع الصلح حصلت لهم كآبة في نفوسهم فأعلمهم الله أنه اطلع على ما في قلوبهم من تلك الكآبة ، وهذا من علمه الأشياء بعد وقوعها وهو من تعلق علم الله بالحوادث بعد حدوثها ، أي علمه بأنها وقعت وهو تعلق حادث مثل التعلقات التنجيزية . والمقصود بإخبارهم بأن الله علم ما حصل في قلوبهم الكآبة عن أنه قَدَر ذلك لهم وشكرهم على حبهم نصر النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل ولذلك رتب عليه قوله : { فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً } .

والسكينة هنا هي : الطمأنينة والثقة بتحقيق ما وعدهم الله من الفتح والارتياض على ترقبه دون حسرة فترتب على علمه ما في قلوبهم إنزاله السكينة عليهم ، أي على قلوبهم فعبر بضميرهم عوضاً عن ضمير { قلوبهم } لأن قلوبهم هي نفوسهم .

وعطف { أثابهم } على فعل { رضي اللَّه } . ومعنى أثابهم : أعطاهم ثواباً ، أي عوضاً ، كما يقال في هبة الثواب ، أي عوضهم عن المبايعة بفتح قريب . والمراد : أنه وعدهم بثواب هو فتح قريب ومغانم كثيرة ، ففعل { أثابهم } مستعمل في المستقبل . وهذا الفتح هو فتح خيبر فإنه كان خاصاً بأهل الحديبية وكان قريباً من يوم البيعة بنحو شهر ونصف .