108- لا تصل - أيها الرسول - في هذا المسجد أبدا ، وإن مسجداً أقيم ابتغاء وجه اللَّه وطلبا لمرضاته من أول أمره كمسجد قُباء لجدير بأن تؤدى فيه شعائر اللَّه ، وفي هذا المسجد رجال يحبون أن يُطهروا أجسادهم وقلوبهم بأداء العبادة الصحيحة فيه ، واللَّه يحب ويثيب الذين يتقربون إليه بالطهارة الجسمية والمعنوية .
{ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ْ } أي : لا تصل في ذلك المسجد الذي بني ضرارا أبدا . فاللّه يغنيك عنه ، ولست بمضطر إليه .
{ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ْ } ظهر فيه الإسلام في " قباء " وهو مسجد " قباء " أسس على إخلاص الدين للّه ، وإقامة ذكره وشعائر دينه ، وكان قديما في هذا عريقا فيه ، فهذا المسجد الفاضل { أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ْ } وتتعبد ، وتذكر اللّه تعالى فهو فاضل ، وأهله فضلاء ، ولهذا مدحهم اللّه بقوله : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ْ } من الذنوب ، ويتطهروا من الأوساخ ، والنجاسات والأحداث .
ومن المعلوم أن من أحب شيئا لا بد أن يسعى له ويجتهد فيما يحب ، فلا بد أنهم كانوا حريصين على التطهر من الذنوب والأوساخ والأحداث ، ولهذا كانوا ممن سبق إسلامه ، وكانوا مقيمين للصلاة ، محافظين على الجهاد ، مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وإقامة شرائع الدين ، وممن كانوا يتحرزون من مخالفة اللّه ورسوله .
وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية في مدحهم عن طهارتهم ، فأخبروه أنهم يتبعون الحجارة الماء ، فحمدهم على صنيعهم .
{ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ْ } الطهارة المعنوية ، كالتنزه من الشرك والأخلاق الرذيلة ، والطهارة الحسية كإزالة الأنجاس ورفع الأحداث .
( لا تقم فيه أبداً . لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يتطهروا ، واللّه يحب المطهرين . أفمن أسس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان خير ? أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ? واللّه لا يهدي القوم الظالمين . لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ، إلا أن تقطع قلوبهم ، واللّه عليم حكيم ) . .
والتعبير القرآني الفريد يرسم هنا صورة حافلة بالحركة ، تنبئ عن مصير كل مسجد ضرار يقام إلى جوار مسجد التقوى ، ويراد به ما أريد بمسجد الضرار ؛ وتكشف عن نهاية كل محاولة خادعة تخفي وراءها نية خبيثة ؛ وتطمئن العاملين المتطهرين من كل كيد يراد بهم ، مهما لبس أصحابه مسوح المصلحين :
{ لا تقم فيه أبدا } للصلاة . { لمسجد أُسّس على التقوى } يعني مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء من الاثنين إلى الجمعة لأنه أوفق للقصة ، أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أبي سعيد رضي الله عنه : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال هو مسجدكم هذا مسجد المدينة " . { من أول يوم } من أيام وجوده ومن يعم الزمان والمكان كقوله :
لمن الديار بقُنة الحجر *** أقوين من حجَجِ ومن دهرِ
{ أحق أن تقوم فيه } أولى بأن تصلي فيه . { فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا } من المعاصي والخصال المذمومة طلبا لمرضاة الله سبحانه وتعالى ، وقيل من الجنابة فلا ينامون عليها . { والله يحب المطّهّرين } يرضى عنهم ويدنيهم من جنابه تعالى إدناء المحب حبيبه . قيل لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال عليه الصلاة والسلام : " أمؤمنون أنتم " فسكتوا . . فأعادها فقال عمر : إنهم مؤمنون وأنا معهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : " أترضون بالقضاء ؟ قالوا : نعم . قال عليه الصلاة والسلام : " أتصبرون على البلاء " قالوا : نعم ، قال : " أتشكرون في الرخاء " ؟ قالوا : نعم . فقال صلى الله عليه وسلم : " أنتم مؤمنون ورب الكعبة " . فجلس ثم قال : " يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط " ؟ فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا النبي : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } .
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت { لا تقم فيه أبداً } كان لا يمر بالطريق التي فيها المسجد ، وهذا النهي إنما هو لأن البانين لمسجد الضرار قد كانوا خادعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : بنينا مسجداً للضرورات والسيل الحائل بيننا وبين قومنا فنريد أن تصلي لنا فهو وتدعو بالبركة ، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشي معهم إلى ذلك ، واستدعى قميصه لينهض فنزلت الآية { لا تقم فيه أبداً } وقوله : { لمسجد } قيل إن اللام لام قسم ، وقيل هي لام الابتداء كما تقول : لزيد أحسن الناس فعلاً ، وهي مقتضية تأكيداً ، وقال ابن عباس وفرقة من الصحابة والتابعين : المراد «بالمسجد الذي أسس على التقوى » هو مسجد قباء .
وروي عن عمر وأبي سعيد وزيد بن ثابت أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، ويليق القول الأول بالقصة ، إلا أن القول الثاني روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نظر مع الحديث ، وأسند الطبري في ذلك عن أبي سعيد الخدري أنه قال : اختلف رجل من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف فقال الخدري : هو مسجد الرسول وقال الآخر : هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال : هو مسجدي هذا ، وفي الآخر خير كثير{[5898]} إلى كثير من الآثار في هذا عن أبي بن كعب وسهل بن سعد .
قال القاضي أبو محمد : ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان في بقعته نخل وقبور مشركين ومربد{[5899]} ليتيمين كانا في حجر أسعد بن زرارة ، وبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، الأولى بالسميط{[5900]} وهي لبنة أمام لبنة ، والثانية بالصعيدة{[5901]} ، وهي لبنة ونصف في عرض الحائط ، والثالثة بالأنثى والذكر ، وهي لبنتان تعرض عليهما لبنتان ، وكان في طوله سبعون ذراعاً وكان عمده النخل ، وكان عريشاً يكف المطر ، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيانه ورفعه فقال : لا بل يكون عريشاً كعريش أخي موسى كان إذا قام ضرب رأسه في سقفه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل فيه اللبن على صدره ، ويقال إن أول من وضع في أساسه حجراً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم وضع أبو بكر حجراً ، ثم وضع عمر حجراً ، ثم وضع عثمان حجراً ، ثم رمى الناس بالحجارة فتفاءل بذلك بعض الصحابة في أنها الخلافة فصدق فأله ، قوله : { من أول يوم } قيل معناه منذ أول يوم ، وقيل معناه من تأسيس أول يوم ، وإنما دعا إلى هذا الاختلاف أن من أصول النحويين أن «من » لا ُتَجُّر بها الأزمان ، وإنما ُتَجُّر الأزمان بمنذ ، تقول ما رأيته منذ يومين أو سنة أو يوم ، ولا تقول من شهر ولا من سنة ولا من يوم ، فإذا وقعت «من » من الكلام وهي تلي زمناً{[5902]} فيقدر مضمر يليق أن تجره «من » كقول الشاعر : [ زهير بن أبي سلمى ]
لمن الديار كقنة الحجر*** أقوين من حجج ومن دهر{[5903]}
ومن شهر رواية ، فقدروه من مر حجج ومن مر دهر ، ولما كان «أول يوم » يوماً وهو اسم زمان احتاجوا فيه إلى تقدير من تأسيس{[5904]} ، ويحسن عندي أن يستغنى في هذه الآية عن تقدير وأن تكون «من » تجر لفظة «أول » لأنها بمعنى البدأة كأنه قال من مبتدأ الأيام ، وهي هاهنا تقوم المر في البيت المتقدم ، وهي كما تقول جئت من قبلك ومن بعدك وأنت لا تدل بهاتين اللفظتين إلا على الزمن ، وقد حكي لي هذا الذي اخترته عن بعض أئمة النحو ، ومعنى { أن تقوم فيه } أي بصلاتك وعبادتك ، وقرأ جمهور الناس «أن تقوم فيهِ فيهِ رجال » بكسر الهاء ، وقرأ عبد الله بن زيد «أن تقوم فيه فيهُ » بضم الهاء الثانية على الأصل ويحسنه تجنب تكرار لفظ واحد ، وقال قتادة وغيره : الضمير عائد على مسجد الرسول ، و «الرجال » جماعة الأنصار .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : «يا معشر الأنصار إني رأيت الله أثنى عليكم بالطهور فماذا تفعلون ؟ » فقالوا : يا رسول الله إنا رأينا جيراننا من اليهود يتطهرون بالماء .
قال القاضي أبو محمد : يريد الاستنجاء بالماء ، ففعلنا نحن ذلك فلما جاء الإسلام لم ندعه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فلا تدعوه أبداً »{[5905]} ، وقال عبد الله بن سلا م{[5906]} وغيره ما معناه : إن الضمير عائد على مسجد قباء والمراد بنو عمرو بن عوف .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما قال المقالة المتقدمة لبني عمرو بن عوف والأول أكثر واختلف أهل العلم في الأفضل بين الاستنجاء بالماء أو بالحجارة فقيل هذا وقيل هذا ، ورأت فرقة من أهل العلم الجمع بينهما فينقي بالحجارة ثم يتبع بالماء ، وحدثني أبي رضي الله عنه أنه بلغه أن بعض علماء القيروان كانوا يتخذون في متوضياتهم أحجاراً في تراب ينقون بها ، ثم يستنجون بالماء أخذاً بهذا القول .
قال القاضي أبو محمد : وإنما يتصور الخلاف في البلاد التي يمكن فيها أن تنقي الحجارة ، وابن حبيب لا يجيز الاستنجاء بالحجارة حيث يوجد الماء ، وهو قول شذ فيه ، وقرأ جمهور الناس «يتطهروا » وقرأ طلحة بن مصرف والأعمش «يطهروا » بالإدغام ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «المتطهرين » بالتاء ، وأسند الطبري عن عطاء أنه قال : أحدث قوم من أهل قباء الاستنجاء بالماء فنزلت الآية فيهم .
جملة : { لا تقم فيه أبداً } هي الخبر عن اسم الموصول كما قدمْنا . والمراد بالقيام الصلاة لأن أولها قيام .
ووجه النهي عن الصلاة فيه أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيه تكسبه يُمْناً وبَركة فلا يرى المسلمون لمسجد قباء مزية عليه فيقتصر بنو غُنم وبنو سالم على الصلاة فيه لقربه من منازلهم ، وبذلك يحصل غرض المنافقين من وضعه للتفريق بين جماعة المسلمين . فلما كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيه مفضية إلى ترويج مقصدهم الفاسد صار ذلك وسيلة إلى مفسدة فتوجه النهي إليه . وهذا لا يطلع على مثله إلا الله تعالى . وهذا النهي يعم جميع المسلمين لأنه لما نهي النبي عن الصلاة فيه علم أن الله سلب عنه وصف المسجدية فصارت الصلاة فيه باطلة لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه ، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بنَ ياسر ووحشياً مولى المُطعم بن عدي ومالكَ بن الدخشم ومعنَ بن عدي فقال : « انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وحرقوه » ، ففعلوا . وتحريقه تحريق الأعواد التي يتخذ منها السَّقف ، والجذوعِ التي تجعل له أعمدة .
وقوله : { لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه } احتراس مما يستلزمه النهي عن الصلاة فيه من إضاعة عبادةٍ في الوقت الذي رغبوه للصلاة فيه فأمره الله بأن يصلي في ذلك الوقت الذي دعَوه فيه للصلاة في مسجد الضرار أن يصلي في مسجده أو في مسجد قُباء ، لئلا يكون لامتناعه من الصلاة من حظوظ الشيطان أن يكون صرفه عن صلاة في وقت دعي للصلاة فيه ، وهذا أدب نفساني عظيم .
وفيه أيضاً دفع مكيدةِ المنافقين أن يطعنوا في الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه دعي إلى الصلاة في مسجدهم فامتنع ، فقوله : { أحقُّ } وإن كان اسم تفضيل فهو مسلوب المفاضلة لأن النهي عن صلاته في مسجد الضرار أزال كونه حقيقاً بصلاته فيه أصلاً .
ولعل نكتة الإتيان باسم التفضيل أنه تهكم على المنافقين بمُجازاتهم ظاهراً في دعوتهم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه بأنه وإن كان حقيقاً بصلاته بمسجد أسس على التقوى أحق منه ، فيعرف من وصفه بأنه { أسس على التقوى } أن هذا أسس على ضدها .
وثبت في « صحيح مسلم » وغيره عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن المراد من المسجد الذي أسس على التقوى في هذه الآية فقال : « هو مسجدكم هذا » . يعني المسجد النبوي بالمدينة . وثبت في الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن الرجال الذين يحبون أن يتطهروا بأنهم بنو عمرو بن عوف أصحاب مسجد قباء . وذلك يقتضي أن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم هو مسجدهم ، لقوله : { فيه رجالٌ } .
ووجه الجمع بين هذين عندي أن يكون المراد بقوله تعالى : { لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يوم } المسجد الذي هذه صفته لا مسجداً واحداً معيناً ، فيكون هذا الوصف كلياً انحصر في فَردين المسجدِ النبوي ومسجدِ قُباء ، فأيهما صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي دعوه فيه للصلاة في مسجدِ الضرار كانَ ذلك أحق وأجدر ، فيحصل النجاء من حظ الشيطان في الامتناع من الصلاة في مَسجدهم ، ومن مطاعنهم أيضاً ، ويحصل الجمع بين الحديثين الصحيحين . وقد كان قيام الرسول في المسجد النبوي هو دأبَه .
ومن جليل المنازع من هذه الآية ما فيها من حجة لصحة آراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعلوا العام الذي كان فيه يوم الهجرة مبدأ التاريخ في الإسلام . وذلك ما انتزعه السهيلي في « الروض الأنف » في فصل تأسيس مسجدِ قباء إذ قال : « وفي قوله سبحانه : { من أول يوم } ( وقد علم أنه ليس أولَ الأيام كلها ولا أضافَه إلى شيء في اللفظ الظاهر فيه ) من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم مع عمر حين شاورهم في التاريخ ، فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عَام الهجرة لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام وأمِن فيه النبي صلى الله عليه وسلم فوافق هذا ظاهر التنزيل » .
وجملة : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } ثناء على مؤمني الأنصار الذين يصلون بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمسجد قباء . وجاء الضمير مفرداً مراعاة للفظ ( مَسجد ) الذي هو جنس ، كالإفراد في قوله تعالى : { وتؤمنون بالكتاب كله } [ آل عمران : 119 ] . وفيه تعريض بأن أهل مسجد الضرار ليسوا كذلك .
وقد كان المؤمنون من الأنصار يجمعون بين الاستجمار بالأحجار والغسل بالماء كما دل عليه حديث رواه الدارقطني عن أبي أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } فقال : " يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيراً في الطُهور فما طُهوركم ؟ قالوا : إنَّ أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء . قال : هو ذلك فعليكموه " ، فهذا يعم الأنصار كلهم . ولا يعارضه حديث أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أهل قباء عن طهارتهم لأن أهل قباء هم أيضاً من الأنصار ، فسؤاله إياهم لتحقق اطراد هذا التطهر في قبائل الأنصار .
وأطلقت المحبة في قوله : { يحبون } كناية عن عمل الشيء المحبوب لأن الذي يحب شيئاً ممكناً يعمله لا محالة . فقصد التنويه بهم بأنهم يتطهرون تقرباً إلى الله بالطهارة وإرضاء لمحبة نفوسهم إياها ، بحيث صارت الطهارة خُلقاً لهم فلو لم تجب عليهم لفعلوها من تلقاء أنفسهم .
وجملة : { والله يحب المطهرين } تذييل . وفيه إشارة إلى أن نفوسهم وافقت خلقاً يحبه الله تعالى . وكفى بذلك تنويهاً بزكاء أنفسهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لا تقم فيه أبدا} يعني في مسجد المنافقين إلى الصلاة أبدا...
{لمسجد} يعني مسجد قباء، وهو أول مسجد بني بالمدينة، {أسس} يعني بُنِيَ، {على التقوى من أول يوم} يعني أول مرة، {أحق أن تقوم فيه} إلى الصلاة؛ لأنه كان بني من قبل مسجد المنافقين، ثم قال: {فيه رجال}، يعنى في مسجد قباء، {يحبون أن يتطهروا} من الأحداث والجنابة، {والله يحب المطهرين}، نزلت في الأنصار...
قال مالك: المسجد الذي ذكر الله أنه أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان يقوم رسول الله ويأتيه أولئك من هنالك وقال الله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- القرطبي: قال مالك: هو مسجد قباء رواه عنه ابن وهب، وأشهب، وابن القاسم. قوله تعالى: {وفيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}.
- قال مالك: إذا قضيت الحاجة فلا تبرأ بشيء حتى تغسل فرجك بالماء...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تقم يا محمد في المسجد الذي بناه هؤلاء المنافقون ضرارا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله. ثم أقسم جلّ ثناؤه فقال:"لَمَسْجِدٌ أُسّسَ على التّقْوَى مِنْ أوّلِ يَوْمٍ أحَقّ أنْ تَقُومَ" أنت فيه. يعني بقوله: "أُسّسَ على التّقْوَى "ابتدئ أساسه وأصله على تقوى الله وطاعته من أوّل يوم ابتدئ في بنائه "أحَقّ أنْ تَقُومَ فِيهِ" يقول: أولى أن تقوم فيه مصليا. وقيل: معنى قوله: "مِنْ أوّلِ يَوْمٍ" مبدأ أوّل يوم كما تقول العرب: لم أره من يوم كذا، بمعنى مبدؤه، ومن أوّل يوم يراد به من أول الأيام، كقول القائل: لقيت كلّ رجل، بمعنى كلّ الرجال.
واختلف أهل التأويل في المسجد الذي عناه: "لَمَسْجِدٌ أُسّسَ على التّقْوَى مِنْ أوّلِ يَوْمٍ"؛
فقال بعضهم: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه منبره وقبره اليوم...
وقال آخرون: بل عني بذلك مسجد قباء...
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قالّ: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لصحة الخبر بذلك عن رسول الله...
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو نعيم، عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمران بن أبي أنس، عن سهل بن سعد، عن أبيّ بن كعب: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسجد الذي أسس علي التقوى، فقال: «مَسْجِدِي هَذَا»...
"فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا وَاللّهُ يُحِبّ المُطّهّرِينَ":
يقول تعالى ذكره: في حاضري المسجد الذي أسس على التقوى من أوّل يوم رجال يحبون أن ينظفوا مقاعدهم بالماء إذا أتوا الغائط والله يحبّ المتطهرين بالماء...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... قوله تعالى: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) يحتمل أي فيه رجال يؤثرون التطهر بالإيمان والتوحيد و الصلاة فيه، وفي كل مسجد هذا فهو مؤسس على التقوى، أي تقوى الشرك والخلاف لأمر الله ومناهيه، أو يقول: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ) أي يؤثرون التطهر بالتقوى والأعمال الصالحة على غيرها من الأعمال التي تنجسهم. ويحتمل ما ذكر أهل التأويل من التطهير من الأقذار والأنجاس؛ كأنه قال: فيه رجال يؤثرون الإبلاغ في التطهر من الأقدار والأنجاس التي تصيبهم.
وهذا يدل على أن بعض الأماكن قد يكون أوْلى بفعل الصلاة فيه من بعض وأن الصلاة قد تكون منهية عنها في بعضها، ويدل على فضيلة الصلاة في المسجد بحسب ما بني عليه في الأصل، ويدل على فضيلتها في المسجد السابق لغيره لقوله: {أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} وهو معنى قوله تعالى: {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} لأن معناه أن القيام في هذا المسجد لو كان من الحق الذي يجوز لكان هذا المسجد الذي أُسس على التقوى أحق بالقيام فيه من غيره؛ وذلك أن مسجد الضرار لم يكن مما يجوز القيام فيه لنهي الله تعالى نبيه عن ذلك، فلو لم يكن المعنى ما ذكرنا لكان تقديره: لَمَسْجِدٌ أسس على التقوى أحق أن تقوم فيه من مسجد لا يجوز القيام فيه، ويكون بمنزلة قوله فِعْلُ الفرض أصْلَحُ من تركه، وهذا قد يسوغ، إلاّ أن المعنى الأول هو وجه الكلام.
{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَالله يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ} فيه دلالة على أن فضيلة أهل المسجد فضيلة للمسجد وللصلاة فيه.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
المقام في أماكن العصيان، والتعريج في أوطان أهل الجحود والطغيان -من علامات الممالأة مع أربابها وسُكَّانِها وقُطَّانِها. والتباعدُ عن مَسَاكِنِهم، وهجرانُ مَنْ جَنَحَ إلى مَسالِكهم عَلَمٌ لِمَنْ أشرب قلبه مخالفتهم، وباشرت سِرَّه عداوتُهم. {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا}: يتطهرون عن المعاصي، وهذه سِمَة العابدين، ويتطهرون عن الشهوات والأماني وتلك صفة الزاهدين، ويتطهرون عن محبة المخلوقين...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى} بنيت جدره ورفعت قواعده على طاعة الله تعالى...
{والله يحب المطهرين} من الشرك والنفاق..
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التقوى} قيل: هو مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء، وهي يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وخرج يوم الجمعة... فإن قلت: ما معنى المحبَّتَيْن؟ قلت: محبتهم للتطهر أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه حرص المحبّ للشيء المشتهى له على إيثاره، ومحبة الله تعالى إياهم: أنه يرضى عنهم ويحسن إليهم، كما يفعل المحبّ بمحبوبه...
ثم قال تعالى: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} وفيه مباحث: البحث الأول: أنه تعالى رجح مسجد التقوى بأمرين:
أحدهما: أنه بني على التقوى، وهو الذي تقدم تفسيره.
والثاني: إن فيه رجالا يحبون أن يتطهروا، وفي تفسير هذه الطهارة قولان:
الأول: المراد منه التطهر عن الذنوب والمعاصي، وهذا القول متعين لوجوه:
أولها: أن التطهر عن الذنوب والمعاصي هو المؤثر في القرب من الله تعالى واستحقاق ثوابه ومدحه.
والثاني: أنه تعالى وصف أصحاب مسجد الضرار بمضارة المسلمين والكفر بالله والتفريق بين المسلمين، فوجب كون هؤلاء بالضد من صفاتهم، وما ذاك إلا كونهم مبرئين عن الكفر والمعاصي.
والثالث: أن طهارة الظاهر إنما يحصل لها أثر وقدر عند الله لو حصلت طهارة الباطن من الكفر والمعاصي...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} هذا نهي للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بالتبع له عن الصلاة فيه مؤكد بلفظ الأبد الذي يستغرق الزمن المستقبل، وتفسير القيام بالصلاة هنا مروي عن ابن عباس وهو معهود في التنزيل كقوله: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238] وقوله: {قم الليل إلا قليلا} [المزمل: 2]، والنهي عن القيام المطلق يتضمن النهي عن القيام للصلاة، ولكنها هي المقصودة بالنهي لطلبهم لها به صلى الله عليه وسلم.
{لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَولِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} اللام الداخلة على المسجد للقسم أو للابتداء. والتأسيس وضع الأساس الأول للبناء الذي يقوم عليه ويرفع، والمراد منه هنا القصد والغرض من البناء، والتقوى الاسم الجامع لما يرضي الله ويقي من سخطه، أي أن مسجدا قصد ببنائه منذ وضع أساسه في أول يوم تقوى الله تعالى بإخلاص العبادة له، وجمع المؤمنين فيه على ما يرضيه من التعارف والتعاون على البر والتقوى، هو أحق أن تقوم فيه أيها الرسول مصليا بالمؤمنين من غيره، ولاسيما ذلك المسجد الذي وضع أساسه على المقاصد الأربعة الخبيثة، والسياق يدل على أن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم مسجد قباء، وقد صح في أحاديث رواها الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عنه فأجاب بأنه مسجده الذي في المدينة، ففي رواية مسلم عن أبي سعيد أنه لما سأله أخذ صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فضرب به الأرض ثم قال:"هو مسجدكم هذا"، وفي رواية لأحمد عنه وعن سهل بن سعد "هو مسجدي هذا"، ولفظ الآية لا يمنع من إرادة كل من المسجدين، لأن كلا منهما قد بناه النبي صلى الله عليه وسلم ووضع أساسه على التقوى من أو يوم شرع فيه ببنائه، أو من أول يوم وجد في موضعه (والتحقيق أن "من "تدخل على الزمان والمكان).
{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} هذه جملة وصف بها المسجد الذي أسس على التقوى تؤكد ترجيح القيام مع أهله المطهرين في مقابل أهل مسجد الضرار وهم رجس، والمعنى: فيه رجال يعمرونه بالاعتكاف وإقامة الصلاة، وذكر الله وتسبيحه فيه بالغدو والآصال، يحبون أن يتطهروا بذلك من كل ما يعلق بأنفسهم من درن الآثام، أو التقصير في إقامة دعائم الإسلام، كما تطهر المتخلفون منهم عن غزوة تبوك بالتوبة والصدقات، ومن لوازم عمارته المعنوية والعكوف فيه طهارة الثوب والبدن الحسية، وطهارة الوضوء والغسل الحكمية، فالتطهر صيغة مبالغة تشمل الطهارتين النفسية والبدنية، ووردت الروايات بكل منهما، ولكل من الاستعمالين موضع من التنزيل، والجمع بينهما هو الأولى.
{واللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} أي المبالغين في الطهارة الروحية والجسدية، وإنما يبالغون فيها إذا أحبوها، وحينئذ تكمل إنسانيتهم المؤلفة من الروح والجسد. ولا يطيق نجاسة البدن وقذارته إلا ناقص الفطرة والأدب، وأنقص منه من يطيق خبث النفس بالإصرار على المعاصي والعادات القبيحة، والتخلق بالأخلاق الذميمة. دع رجس المنافقين المرائين في الأعمال، الأشحة الباخلين بالأموال. وأما حب الله المستحقين لحبه، فهو من صفات كماله، لأن العالم بتفاوت الأشياء في الحسن والقبح، والكمال والنقص، يكون من أفضل صفاته حب الجمال والكمال والحق والخير، وبغض أضدادها وكراهتها، وحبه اللائق بربوبيته منزه عن مشابهة حبنا، كتنزه ذاته وسائر صفاته عن مشابهة ذواتنا وصفاتنا، ولكن يظهر أثره في المحبوبين من عباده في أخلاقهم وأعمالهم، ومعارفهم وآدابهم، وأعلاه ما أشار إليه حديث البخاري القدسي: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به" الخ.
وقد قال الله تعالى معللا ما وعظ به نساء نبيه صلى الله عليه وسلم من أمره ونهيه لهن بما يليق بمكانتهن من رسوله {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: 33]...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
... والتعبير القرآني الفريد يرسم هنا صورة حافلة بالحركة، تنبئ عن مصير كل مسجد ضرار يقام إلى جوار مسجد التقوى، ويراد به ما أريد بمسجد الضرار؛ وتكشف عن نهاية كل محاولة خادعة تخفي وراءها نية خبيثة؛ وتطمئن العاملين المتطهرين من كل كيد يراد بهم، مهما لبس أصحابه مسوح المصلحين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{لا تقم فيه أبداً}...وهذا النهي يعم جميع المسلمين لأنه لما نهي النبي عن الصلاة فيه علم أن الله سلب عنه وصف المسجدية فصارت الصلاة فيه باطلة لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بنَ ياسر ووحشياً مولى المُطعم بن عدي ومالكَ بن الدخشم ومعنَ بن عدي فقال: « انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وحرقوه»، ففعلوا...
وقوله: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} احتراس مما يستلزمه النهي عن الصلاة فيه من إضاعة عبادةٍ في الوقت الذي رغبوه للصلاة فيه فأمره الله بأن يصلي في ذلك الوقت الذي دعَوه فيه للصلاة في مسجد الضرار أن يصلي في مسجده أو في مسجد قُباء، لئلا يكون لامتناعه من الصلاة من حظوظ الشيطان أن يكون صرفه عن صلاة في وقت دعي للصلاة فيه، وهذا أدب نفساني عظيم. وفيه أيضاً دفع مكيدةِ المنافقين أن يطعنوا في الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه دعي إلى الصلاة في مسجدهم فامتنع..ولعل نكتة الإتيان باسم التفضيل أنه تهكم على المنافقين بمُجازاتهم ظاهراً في دعوتهم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه بأنه وإن كان حقيقاً بصلاته بمسجد أسس على التقوى أحق منه، فيعرف من وصفه بأنه {أسس على التقوى} أن هذا أسس على ضدها.
{فيه رجال يحبون أن يتطهروا}... فقصد التنويه بهم بأنهم يتطهرون تقرباً إلى الله بالطهارة وإرضاء لمحبة نفوسهم إياها، بحيث صارت الطهارة خُلقاً لهم فلو لم تجب عليهم لفعلوها من تلقاء أنفسهم. وجملة: {والله يحب المطهرين} تذييل، وفيه إشارة إلى أن نفوسهم وافقت خلقاً يحبه الله تعالى، وكفى بذلك تنويهاً بزكاء أنفسهم.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} في صلاةٍ أو في اجتماع، أو في أيّ نشاط آخر يوحي بالرضا والتأييد، لأن القيادة لا يمكن أن تدعم الوجود المنحرف، بل يجب عليها العمل على القضاء عليه، وتوجيه الأمة كلها إلى هذا الاتجاه، في عملية توعيةٍ فكريةٍ من جهة، وقدوةٍ عمليّةٍ من جهةٍ أخرى، ليتحوّل الدعم والإخلاص إلى الوجود المستقيم الخالص لله في كل شيء، وهذا ما يفرض الإصرار على القيام في مسجد قبا وأمثاله من مساجد الله الخالصة. {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} لأنه هو الذي يحقّق للصلاة غاياتها، ويركّز للدين قواعده على أساس الحق، ويبني للمسلمين علاقاتهم على أساس التقوى، ويدفع الحياة إلى أن تتحرر من عبوديّتها للشيطان، ليبقى لها الخط الذي تتحرك فيه من خلال عبوديّتها لله، في حركة الإنسان في حرّيته وعبوديّته.
{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} الذين يعملون للطهارة الروحية على مستوى الفرد والمجتمع والحياة كلها، في الطريق إلى الله في رحابه الفسيحة الشاملة.