المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

65- فوربك لا يُعَدُّونَ مؤمنين بالحق مذعنين له ، حتى يجعلوك حكماً فيما يكون بينهم من نزاع ، ثم لا تضيق نفوسهم أي ضيق بما قضيت ، ويذعنوا لك إذعان المؤمنين المصدِّقين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

ثم أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم ، أي : في كل شيء يحصل فيه اختلاف ، بخلاف مسائل الإجماع ، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة ، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق ، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض ، ثم لا يكفي ذلك{[213]}  حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر ، وطمأنينة نفس ، وانقياد بالظاهر والباطن .

فالتحكيم في مقام الإسلام ، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان ، والتسليم في مقام الإحسان . فمَن استكمل هذه المراتب وكملها ، فقد استكمل مراتب الدين كلها . فمَن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر ، ومَن تركه ، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين .


[213]:- في ب: هذا التحكيم.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

58

وأخيرا يجيء ذلك الإيقاع الحاسم الجازم . إذ يقسم الله - سبحانه - بذاته العلية ، أنه لا يؤمن مؤمن ، حتى يحكم رسول الله [ ص ] في أمره كله . ثم يمضي راضيا بحكمه ، مسلما بقضائه . ليس في صدره حرج منه ، ولا في نفسه تلجلج في قبوله :

( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم . ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ، ويسلموا تسليمًا ) . .

ومرة أخرى نجدنا أمام شرط الإيمان وحد الإسلام . يقرره الله سبحانه بنفسه . ويقسم عليه بذاته . فلا يبقى بعد ذلك قول لقائل في تحديد شرط الإيمان وحد الإسلام ، ولا تأويل لمؤول .

اللهم إلا مماحكة لا تستحق الاحترام . . وهي أن هذا القول مرهون بزمان ، وموقوف على طائفة من الناس ! وهذا قول من لا يدرك من الإسلام شيئا ؛ ولا يفقه من التعبير القرآني قليلا ولا كثيرا . فهذه حقيقة كلية من حقائق الإسلام ؛ جاءت في صورة قسم مؤكد ؛ مطلقة من كل قيد . . وليس هناك مجال للوهم أو الإيهام بأن تحكيم رسول الله [ ص ] هو تحكيم شخصه . إنما هو تحكيم شريعته ومنهجه . وإلا لم يبق لشريعة الله وسنة رسوله مكان بعد وفاته [ ص ] وذلك قول أشد المرتدين ارتدادا على عهد أبى بكر - رضي الله عنه - وهو الذي قاتلهم عليه قتال المرتدين . بل قاتلهم على ما هو دونه بكثير . وهو مجرد عدم الطاعة لله ورسوله ، في حكم الزكاة ؛ وعدم قبول حكم رسول الله فيها ، بعد الوفاة !

وإذا كان يكفي لإثبات " الإسلام " أن يتحاكم الناس إلى شريعة الله وحكم رسوله . . فانه لا يكفي في " الإيمان " هذا ، ما لم يصحبه الرضى النفسي ، والقبول القلبي ، وإسلام القلب والجنان ، في اطمئنان !

هذا هو الإسلام . . وهذا هو الإيمان . . فلتنظر نفس أين هي من الإسلام ؛ وأين هي من الإيمان ! قبل ادعاء الإسلام وادعاء الإيمان !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُواْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مّمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { فلا } فليس الأمر كما يزعمون أنهم يؤمنون بما أنزل إليك ، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت ، ويصدّون عنك إذا دعو إليك يا محمد . واستأنف القسَمَ جلّ ذكره ، فقال : { وَربّكَ } يا محمد { لا يُؤْمِنُونَ } أي لا يصدّقون بي وبك ، وبما أنزل إليك ، { حَتّى يُحَكّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ } يقول : حتى يجعلوك حكما بينهم فيما اختلط بينهم من أمورهم ، فالتبس عليهم حكمه ، يقال : شَجَرَ يشجُر شُجُورا وشَجْرا ، وتشاجر القوم إذا اختلفوا في الكلام والأمر مشاجرة وشِجَارا { ثُم لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجا مما قَضَيْتَ } يقول : لا يجدوا في أنفسهم ضيقا مما قضيت ، وإنما معناه : ثم لا تحرج أنفسهم مما قضيت : أي لا تأثم بإنكارها ما قضيت وشكها في طاعتك وأن الذي قضيت به بينهم حق لا يجوز لهم خلافه . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { حَرَجا مما قَضَيْتَ } قال : شكّا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : { حَرَجا مما قَضَيْتَ } يقول : شَكّا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

حدثنا يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { ثُمّ لا يَجِدُوا فِي أنْفُسهِمْ حَرَجا مِمّا قَضَيْتَ } قال : إثما { وَيُسَلّمُوا تَسْلِيما } يقول : ويسلموا لقضائك وحكمك ، إذعانا منهم بالطاعة ، وإقرارا لك بالنبوّة تسليما .

واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الاَية وفيمن نزلت ، فقال بعضهم : نزلت في الزبير بن العوّام وخصم له من الأنصار ، اختصما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور . ذكر الرواية بذلك :

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس والليث بن سعد ، عن ابن شهاب ، أن عروة بن الزبير حدثه ، أن عبد الله بن الزبير حدثه ، عن الزبير بن العوّام : أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما النخل ، فقال الأنصاريّ : سرّح الماء يمرّ ! فأبي عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسْق يا زُبَيْرُ ثُمّ أرْسِل المَاءَ إلى جاركَ ! » فغضب الأنصاريّ وقال : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ؟ فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : «اسْق يا زُبَيْرُ ثُمّ احْبِسِ المَاءَ حتى يَرْجِعَ إلى الجَدْرِ ثُمّ أرْسِلِ المَاءَ إلى جارِكَ ! » واستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه قال أبو جعفر : والصواب : «استوعب » . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه الشفقة له وللأنصاريّ ، فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري استوعب للزبير حقه في صريح الحكم . قال : فقال الزبير : ما أحسب هذه الاَية نزلت إلا في ذلك : { فَلا وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ } . . . الاَية .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، قال : خاصم الزبير رجل من الأنصار في شرج من شراج الحرّة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا زُبَيْرُ ، اشْرَبْ ثُمّ خَلّ سَبِيلَ المَاءِ ! » فقال الذي من الأنصار : اعدل يا نبيّ الله وإن كان ابن عمتك ! قال : فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف أن قد ساءه ما قال ، ثم قال : «يا زُبَيْرُ احْبِس المَاءَ إلى الجُدُر أوْ إلى الكَعْبَيْن ، ثُمّ خَلّ سَبِيلَ المَاء ! » ، قال : ونزلت : { فَلا وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ } .

حدثني عبد الله بن عمير الرازي ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن سلمة رجل من ولد أمّ سلمة ، عن أمّ سلمة : أن الزبير خاصم رجلاً إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير ، فقال الرجل لما قضى للزبير : أن كان ابن عمتك ؟ فأنزل الله : { فَلا وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لا يَجِدُوا فِي أنْفُسهِمْ حَرَجا ممّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيما } .

وقال آخرون : بل نزلت هذه الاَية في المنافق واليهودي اللذين وصف الله صفتهما في قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكع يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ } . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { فَلا وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لا يَجِدُوا فِي أنْفُسِهِمْ حَرَجا مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيما } قال : هذا الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذان تحاكما إلى كعب بن الأشرف .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي بنحوه ، إلا أنه قال : إلى الكاهن .

قال أبو جعفر : وهذا القول أعني قول من قال : عني به المحتكمان إلى الطاغوت اللذان وصف الله شأنهما في قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } أولى بالصواب ، لأن قوله¹ { فَلا وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ } في سياق قصة الذين ابتدأ اللّه الخبر عنهم بقوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ } ، ولا دلالة تدلّ على انقطاع قصتهم ، فإلحاق بعض ذلك ببعض ما لم تأت دلالة على انقطاعه أَوْلَى .

فإن ظنّ ظانّ أن في الذي رُوي عن الزبير وابن الزبير من قصته وقصة الأنصاري في شراج الحرّة ، وقول من قال في خبرهما ، فنزلت : { فَلا ورَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ } ما ينبيء عن انقطاع حكم هذه الاَية وقصتها من قصة الاَيات قبلها ، فإنه غير مستحيل أن تكون الاَية نزلت في حصة المحتكمين إلى الطاغوت ، ويكون فيها بيان ما احتكم فيه الزبير وصاحبه الأنصاريّ ، إذ كانت الاَية دالة على ذك . وإذ كان ذلك غير مستحيل ، كان إلحاق معنى بعض ذلك ببعض أولى ما دام الكلام متسقة معانيه على سياق واحد ، إلا أن تأتي دلالة على انقطاع بعض ذلك من بعض ، فيعدل به عن معنى ما قبله . وأما قوله : { وَيُسَلّمُوا } فإنه منصوب عطفا على قوله : { ثُمّ لا يَجِدُوا فِي أنْفُسِهِمْ } . قوله : { ثُمّ لا يَجِدُوا فِي أنْفُسِهِمْ } نصب عطفا على قوله : { حتى يُحكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهمْ } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

{ فلا وربك } أي فوربك ، ولا مزيدة لتأكيد القسم لا لتظاهر لا في قوله : { لا يؤمنون } لأنها تزاد أيضا في الإثبات كقوله تعالى : { لا أقسم بهذا البلد } .

{ حتى يحكموك فيما شجر بينهم } فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه . { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت } ضيقا مما حكمت به ، أو من حكمك أو شكا من أجله ، فإن الشاك في ضيق من أمره . { ويسلموا تسليما } وينقادوا لك انقيادا بظاهرهم وباطنهم .