{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }
{ شجر } اشتبك واختلف واختلط . { حرجا } شكا أو ضيقا .
{ ويسلموا تسليما } وينقادوا لأمرك انقيادا ، ويذعنوا له برضًا .
روى الشيخان ، وغيرهما ، من طريق الزهري أن عروة بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام أنه خاصم رجلا من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج- مسيل ماء – من الحرة كانا يسقيان به كلاهما النخل ، فقال الأنصاري : سرح الماء يمر ، فأبى عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك " فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك " - والجدر : المسقاة حول الزرع- ، واستوعى رسول الله للزبير حقه ، فقال الزبير : ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك : { فلا وربك } الآية ؛ قال ابن جرير قوله : { فلا } رد على ما تقدم ذكره ، تقديره : فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ، ثم استأنف القسم بقوله : { وربك لا يؤمنون } { ويسلموا تسليما } قال الزجاج : { تسليما } مصدر مؤكد ، أي : ويسلمون لحكمك تسليما ، لا يدخلون على أنفسهم شكا ولا شبهة فيه ؛ - وهذا في حياته صلى الله عليه و آله وسلم ، وأما بعد موته فتحكيم الكتاب والسنة ، وتحكيم الحاكم بما فيهما من الأئمة والقضاة إذا كان لا يحكم بالرأي المجرد مع وجود الدليل في الكتاب والسنة أو في أحدهما ، وكان يعقل ما يرد عليه من حجج الكتاب والسنة ، بأن يكون عالما باللغة العربية وما يتعلق بها من نحو وتصريف ومعاني وبيان ، عارفا بما يحتاج إليه من علم الأصول ، بصيرا بالسنة المطهرة ، مميزا بين الصحيح وما يلحق به ، والضعيف وما يلحق به ، منصفا غير متعصب لمذهب من المذاهب ولا لنحلة من النحل ، ورعا لا يحيف ولا يميل في حكمه ، فمن كان هكذا فهو قائم في مقام النبوة ، مترجم عنها ، حاكم بأحكامها ؛ وفي هذا من الوعيد الشديد ما تقشعر له الجلود ، وترجف له الأفئدة ؛ فإنه أولا أقسم سبحانه بنفسه مؤكدا لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون ، فنفى عنهم الإيمان الذي هو رأس مال صالحي عباد الله حتى تحصل لهم غاية هي تحكيم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال : { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت } فضم إلى التحكيم أمرا آخر ، هو عدم وجود حرج ، أي حرج في صدورهم ، فلا يكون مجرد التحكيم والإذعان كافيا حتى يكون من صميم القلب عن رضا واطمئنان ، واعتلاج قلب وطيب نفس ، ثم لم يكتف بهذا كله ، بل ضم إليه قوله : { ويسلموا } أي : يذعنوا وينقادوا ظاهرا وباطنا ، ثم لم يكتف بذلك ، بل ضم إليه المصدر المؤكد فقال : { تسليما } فلا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم ولا يجد الحرج في صدره بما قضى عليه ، ويسلم لحكم الله وشرعه ، تسليما لا يخالطه رد ولا تشوبه مخالفة-( {[1458]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.