جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

{ فلا{[1050]} وربك لا يؤمنون } لا مزيدة لتأكيد القسم ، أو معناه : فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك { حتى يُحكّموك فيما شجر } اختلف واختلط { بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا } ضيقا أو شكا { مما{[1051]} قضيت ويسلّموا{[1052]} } انقادوا لأمر رسوله { تسليما } نزلت حين خاصم الزبير رجلا فقضى رسول صلى الله عليه وسلم للزبير{[1053]} فقال الرجل : قضى له لأنه ابن عمته{[1054]} ، أو اختصم رجلان فقضى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الذي قضى عليه : ردنا إلى عمر بن الخطاب فلما أتيا إليه قالا : قضى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئنا إليك لتقضي بيننا ، فقال عمر : مكانكما فخرج بالسيف وقتل من لم يرض بحكم رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن{[1055]} {[1056]} .


[1050]:اعلم أن قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون) قسم من الله على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط، أولها: قوله تعالى: (حتى يحكّموك فيما شجر بينهم) وهذا يدل على أن من لم يرض بحكم الرسول لا يكون مؤمنا. الشرط الثاني: قوله: (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) قال الزجاج: لا تضيق صدروهم من أقضيتك، واعلم أن الراضي بحكم الرسول عليه الصلاة والسلام قد يكون راضيا به في الظاهر دون القلب، فبين في هذه الآية أنه لا بد من حصول الرضاء به في القلب. الشرط الثالث: قوله: (ويسلّموا تسليما) واعلم أن من عرف بقلبه كون ذلك الحكم حقا وصدقا قد يتمرد عن قبوله على سبيل العناد، أو يتوقف في ذلك القبول، فبين تعالى أنه كما لا بد في الإيمان من حصول ذلك اليقين في القلب فلا بد أيضا من التسليم معه في الظاهر، فقوله: (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) المراد به: الانقياد في الباطن، وقوله: (يسلموا تسليما) المراد منه الانقياد في الظاهر والله أعلم/12 كبير.
[1051]:جاز أن يكون ما مصدرية، أو موصولة/12 منه.
[1052]:ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص، النص بالقياس؛ لأنه يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه على الإطلاق، وأنه لا يجوز العدول منه إلى غيره، ومثل هذه المبالغة المذكورة في هذه الآية قلما يوجد في شيء من التكاليف، وذلك يوجب تقديم عموم القرآن، والخبر على حكم القياس، وقوله: (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) مشعر بذلك لأنه متى خطر بباله قياس يفضي إلى نقيض مدلول النص فهناك يحصل الحرج في النفس فبين تعالى أن لا يكمل إيمانه إلا بعد أن يلتفت إلى ذلك الحرج ويسلم النص تسليما كليًّا، وهذا الكلام قوي حسن لمن أنصف/12 كبير.
[1053]:رواه البخاري عن عروة/12 وجيز.
[1054]:أخرجه البخاري في (التفسير)/باب: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكّموك فيما شجر بينهم} (4585).
[1055]:أخرجه ابن أبي حاتم في (تفسير) (5560) قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، أنبأ ابن وهب، أخبرني عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود..... فذكره. وذكره ابن كثير في (تفسيره) (1/522) وقال: وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود به. وهو أثر غريب مرسل، وابن لهيعة ضعيف والله أعلم.
[1056]:فأنزل الله تلك الآية فبرأ عمر على قتله ظلما رواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه والحافظ المقدسي/12 وجيز.