لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

قوله عز وجل : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } نزلت هذه الآية في الزبير بن العوام ورجل من الأنصار ( ق ) عن عروة بن الزبير عن أبيه " أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري : سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير : " اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك " فغضب الأنصاري ثم قال يا رسول الله إن كان ابن عمتك . فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للزبير اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر " فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } زاد البخاري فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذٍ للزبير حقه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قد أشار على الزبير رأياً أي أراد سعة له وللأنصاري فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم قال الزبير والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك . قوله في شراج الحرة الشراج مسايل الماء التي تكون من الجبل وتنزل إلى السهل الواحدة شرجة بسكون الراء والحرة الأرض الحمراء المتلبسة بالحجارة السود وقوله فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني تغير وقوله فلما أحفظ أي أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله حتى يرجع إلى الجدر هو بفتح الجيم يعني أصل الجدار وقوله فاستدعى له أي استوفى له حقه في صريح الحكم . وهو أن من كان أرضه أقرب إلى فم الوادي فهو أولى بأول الوادي وحقه تمام السقي فرسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للزبير في السقي على وجه المسامحة فلما أبى خصمه ذلك ولم يعترف بما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسامحة لأجله أمر الزبير باستيفاء حقه على التمام وحمل خصمه على مر الحق . فعلى هذا القول تكون الآية مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها قال البغوي : وروي أنهما لما خرجا مرا على المقداد فقال لمن كان القضاء قال الأنصاري لابن عمته ولوى شدقه ففطن له يهودي كان مع المقداد فقال قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم وأيم الله لقد أذنبنا ذنباً مرة في حياة موسى فدعا موسى إلى التوبة منه فقال فاقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفاً في طاعة ربنا حتى رضي عنا . فقال ثابت بن قيس بن شماس : أما والله إن الله ليعلم مني الصدق ولو أمرني محمد أن أقتل نفسي لفعلت . وقال مجاهد والشعبي نزلت هذه الآية في بشر المنافق واليهودي اللذين اختصما إلى الطاغوت . وعلى هذا القول تكون الآية متصلة بما قبلها فلا وربك معناه فوربك فعلى هذا تكون لا مزيدة لتأكيد معنى القسم . وقيل إن لا رد لكلام سبق كأنه قال ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك ثم استأنف القسم فقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم يعني فيما اختلفوا فيه من الأمور وأشكل عليهم حكمه وقيل فيما التبس عليهم يقال شاجره في الأمر إذا نازعه فيه وأصله التداخل والاختلاط وشجر الكلام إذا دخل بعضه في بعض واختلط { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت } يعني ضيقاً مما قضيت وقيل شكاً فيما قضيت بل يرضوا بقضائك { ويسلموا تسليماً } يعني وينقادوا لأمرك انقياداً أو لا يعارضونك في شيء من أمرك وقيل معناه يسلموا ما تنازعوا فيه لحكمك .