الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي من طريق الزهري . أن عروة بن الزبير حدث عن الزبير بن العوام : أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما النخل . فقال الأنصاري : سرح الماء يمر . فأبى عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك . فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله ، إن كان ابن عمتك ؟ ! فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : اسق يا زبير ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم أرسل الماء إلى جارك . واسترعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري استرعى للزبير حقه في صريح الحكم " فقال الزبير : ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم . . . } الآية .

وأخرج الحميدي في مسنده وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الكبير عن أم سلمة قالت : " خاصم الزبير رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقضى للزبير . فقال الرجل : إنما قضى له لأنه ابن عمته . " فأنزل الله { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك . . . } الآية .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله { فلا وربك لا يؤمنون . . . } الآية . قال : " أنزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلعتة اختصما في ماء ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الأعلى ثم الأسفل " .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { فلا وربك لا يؤمنون } قال : نزلت في اليهود .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { فلا وربك . . . } الآية . قال : هذا في الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف .

وأخرج ابن جرير عن الشعبي . مثله إلا أنه قال : إلى الكاهن .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود قال : " اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقضى بينهما فقال الذي قضي عليه : ردنا إلى عمر بن الخطاب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، انطلقا إلى عمر . فلما أتيا عمر قال الرجل : يا ابن الخطاب قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا ، فقال : ردنا إلى عمر ، فردنا إليك . فقال :أكذلك ؟ ! قال : نعم . فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما ، فخرج إليهما مشتملا على سيفه ، فضرب الذي قال : ردنا إلى عمر فقتله ، وأدبر الآخر فارا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله قتل عمر - والله - صاحبي ، ولولا أني أعجزته لقتلني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمنين ؟ ! فأنزل الله { فلا وربك لا يؤمنون . . . } الآية . فهدر دم ذلك الرجل ، وبرأ عمر من قتله ، فكره الله أن يسن ذلك بعد فقال ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ) ( النساء الآية 66 ) إلى قوله ( وأشد تثبيتا ) " .

وأخرج الحافظ دحيم في تفسيره عن عتبة بن ضمرة عن أبيه " أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقضى للمحق على المبطل . فقال المقضي عليه : لا أرضى . فقال صاحبه : فما تريد ؟ قال : أن تذهب إلى أبي بكر الصديق . فذهبا إليه فقال : أنتما على ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم ، فأبى أن يرضى قال : نأتي عمر . فأتياه فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده ، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله ، وأنزل الله { فلا وربك . . . } الآية " .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن مكحول قال : " كان بين رجل من المنافقين ورجل من المسلمين منازعة في شيء ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقضى على المنافق ، فانطلقا إلى أبي بكر فقال : ما كنت لأقضي بين من يرغب عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فانطلقا إلى عمر ، فقصا عليه فقال عمر : لا تعجلا حتى أخرج إليكما ، فدخل فاشتمل على السيف وخرج ، فقتل المنافق ثم قال : هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء رسول الله . فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن عمر قد قتل الرجل وفرق الله بين الحق والباطل على لسان عمر . فسمي : الفاروق " .

وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { فيما شجر بينهم } قال : فيما أشكل عليهم . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت زهيرا وهو يقول :

متى تشتجر قوم تقل سراتهم *** هم بيننا فهم رضا وهم عدل

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { حرجا } قال : شكا .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر في قوله { حرجا } قال : إثما .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : لما نزلت هذه الآية قال الرجل الذي خاصم الزبير وكان من الأنصار : سلمت .

وأخرج ابن المنذر عن أبي سعيد الخدري : أنه نازع الأنصار في الماء من الماء فقال لهم : أرأيت لو أني علمت أن ما تقولون كما تقولون وأغتسل أنا ؟ فقالوا له : لا والله حتى لا يكون في صدرك حرج مما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .