طلبت هذه السورة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يلجأ إلى ربه ، ويعتصم به من شر كل ذي شر من مخلوقاته ، ومن شر الليل إذا دخل ظلامه . لما يصيب النفوس فيه من الوحشة ، ولما يتعذر من دفع ضرره ، ومن شر المفسدات الساعيات في حل ما بين الناس من روابط وصلات ، ومن شر حاسد يتمنى زوال ما يسبغ الله على عباده من نعمه .
{ 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }
أي : { قل } متعوذًا { أَعُوذُ } أي : ألجأ وألوذ ، وأعتصم { بِرَبِّ الْفَلَقِ } أي : فالق الحب والنوى ، وفالق الإصباح .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ * مِن شَرّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرّ النّفّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد : أستجير بربّ الفلق من شرّ ما خلق من الخلق .
واختلف أهل التأويل في معنى الفلق ، فقال بعضهم : هو سجن في جهنم يسمى هذا الاسم . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحسين بن يزيد الطحان ، قال : حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن إسحاق بن عبد الله ، عمن حدثه عن ابن عباس قال : الفلق : سجن في جهنم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيريّ ، قال : حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن رجل ، عن ابن عباس ، في قوله : الفَلَقِ : سجن في جهنم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام بن عبد الجبار الجَوْلانيّ ، قال : قَدِم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشأم ، قال : فنظر إلى دُور أهل الذمة ، وما هم فيه من العيش والنضارة ، وما وُسّعَ عليهم في دنياهم ، قال : فقال : لا أبالك ، أليس من ورائهم الفلق ؟ قال : قيل : وما الفلق ؟ قال : بيت في جهنم ، إذ فُتح هَرّ أهل النار .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت السّدّيّ يقول : الفَلَق : جُبّ في جهنم .
حدثني عليّ بن حسن الأزدي ، قال : حدثنا الأشجعيّ ، عن سفيان ، عن السديّ ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن السديّ ، مثله .
حدثني إسحاق بن وهب الواسطيّ ، قال : حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطيّ ، قال : حدثنا نصر بن خْزَيمة الخراسانيّ ، عن شعيب بن صفوان ، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ ، عن أبي هُريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «الفَلَق : جبّ في جهنم مغطّى » .
حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا نافع بن يزيد ، قال : حدثنا يحيى بن أبي أسيد ، عن ابن عجلان ، عن أبي عبيد ، عن كعب ، أنه دخل كنيسة فأعجبه حُسنها ، فقال : أحسن عمل وأضلّ قوم ، رضيت لكم الفلق ، قيل : وما الفلق ؟ قال : بيت في جهنم ، إذا فُتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه .
وقال آخرون : هو اسم من أسماء جهنم . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت خيثم بن عبد الله يقول : سألت أبا عبد الرحمن الحبلي ، عن الفلق ، قال : هي جهنم .
وقال آخرون : الفلق : الصبح . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه . عن ابن عباس : أعُوذُ برَبّ الْفَلَقِ قال : الفلق : الصّبْح .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، قال : أنبأنا عوف ، عن الحسن ، في هذه الآية : قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ . قال : الفلق : الصبح .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبير ، قال : الفلق الصبح .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران جميعا ، عن سفيان ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبير ، مثله .
حدثني عليّ بن الحسن الأزدي ، قال : حدثنا الأشجعيّ ، عن سفيان ، عن سالم ، عن سعيد بن جُبير ، مثله .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن الحسن بن صالح ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر ، قال : الفَلَق : الصبح .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا الحسن بن صالح ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا أبو صخر ، عن القُرَظِيّ ، أنه كان يقول في هذه الآية : { قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ } يقول : فالق الحبّ والنوى ، قال : فالق الإصباح .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ } قال : الصبح .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ } قال : الفَلَق : فَلقَ النهار .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : الفلق : فلق الصبح .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ } قيل له : فَلَق الصبح ، قال : نعم ، وقرأ : { فالِقُ الإصْباحِ وَجاعِلُ اللّيْلِ سَكَنا } .
وقال آخرون : الفَلَق : الخلق ، ومعنى الكلام : قل أعوذ برب الخلق . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : الفلق : يعني الخلق .
والصواب من القول في ذلك ، أن يقال : إن الله جلّ ثناؤه أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول : { أعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ } ، والفلق في كلام العرب : فَلق الصبح ، تقول العرب : هو أبينُ من فَلَق الصّبح ، ومن فَرَق الصّبح . وجائز أن يكون في جهنم سجن اسمه فَلَق . وإذا كان ذلك كذلك ، ولم يكن جلّ ثناؤه وضعَ دلالة على أنه عُنِي بقوله بِرَبّ الْفَلَقِ بعض ما يُدْعَى الفلق دون بعض ، وكان الله تعالى ذكره ربّ كل ما خلق من شيء ، وجب أن يكون معنيا به كل ما اسمه الفَلَق ، إذ كان ربّ جميع ذلك .
بسم الله الرحمن الرحيم { قل أعوذ برب الفلق } ما يفلق عنه ، أي يفرق كالفرق ، فعل بمعنى مفعول ، وهو يعم جميع الممكنات ، فإنه تعالى فلق ظلمة العدم بنور الإيجاد عنها ، سيما ما يخرج من أصل كالعيون والأمطار والنبات والأولاد ، ويختص عرفا بالصبح ، ولذلك فسر به ، وتخصيصه لما فيه من تغير الحال ، وتبدل وحشة الليل بسرور النور ، ومحاكاة فاتحة يوم القيامة ، والإشعار بأن من قدر أن يزيل به ظلمة الليل عن هذا العالم قدر أن يزيل عن العائذ به ما يخافه ، ولفظ الرب هنا أوقع من سائر أسمائه تعالى ؛ لأن الإعاذة من المضار قريبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.