10- وفي سبيل أن تؤدى دعوتك ألْق عصاك . فلما ألقاها ورآها تهتز كأنها حية خفيفة سريعة أعرض عنها راجعا إلى الوراء ، ولم يعد إليها بعد أن أدبر عنها ، فطمْأنه الله تعالى بقوله : لا تخف إني لا يخاف عندي المرسلون حين أخاطبهم{[163]} .
{ وَأَلْقِ عَصَاكَ } فألقاها { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ } وهو ذكر الحيات سريع الحركة ، { وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } ذعرا من الحية التي رأى على مقتضى الطبائع البشرية ، فقال الله له : { يَا مُوسَى لا تَخَفْ } وقال في الآية الأخرى : { أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ } { إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } لأن جميع المخاوف مندرجة في قضائه وقدره وتصريفه وأمره ، فالذين اختصهم الله برسالته واصطفاهم لوحيه لا ينبغي لهم أن يخافوا غير الله خصوصا عند زيادة القرب منه والحظوة بتكليمه .
ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك بعض ما أمر به موسى - عليه السلام - فقال : { وَأَلْقِ عَصَاكَ } .
والجملة الكريمة معطوفة على ما تضمنه النداء .
أى : نودى أن بورك من فى النار ومن حولها . . . ونودى أن ألق عصاك التى بيدك .
وقوله : { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ . . . } معطوف على كلام مقدر ، أى : فاستجاب موسى - عليه السلام - لأمر ربه فألقى عصاه فصارت حية ، فلما رآها تهتز . أى : تضطرب وتتحرك بسرعة شديدة حتى لكأنها { جَآنٌّ } فى شدة حركتها وسرعة تقلبها { ولى مُدْبِراً } عنها من الخوف { وَلَمْ يُعَقِّبْ } أى : ولم يرجع على عقبه . بل استمر فى إدباره عنها دون أن يفكر فى الرجوع إليها . يقال : عقب المقاتل . إذا كر على عدوه بعد الفرار منه .
والجان : الحية الصغيرة السريعة الحركة . أو الحية الكبيرة ، والمراد هنا : التشبيه بها فى شدة الحركة وسرعتها مع عظم حجمها .
وإنما ولى موسى مدبراً عنها ، لأنه لم يخطر بباله أن عصاه التى بيده ، يحصل منها ما رآه بعينه ، من تحولها إلى حية تسعى وتضطرب وتتحرك بسرعة كأنها جان ، ومن طبيعة الإنسان أنه إذا رأى أمرا غريباً اعتراه الخوف منه ، فما بالك بعصا تتحول إلى حية تسعى .
ثم بين - سبحانه - ما نادى به موسى على سبيل التثبيت وإدخال الطمأنينة على قلبه ، فقال : { ياموسى لاَ تَخَفْ } .
أى : فلما ولى موسى ولم يعقب عندما ألقى عصاه فانقلبت حية ، ناداه ربه - تعالى - بقوله : { ياموسى لاَ تَخَفْ } مما رأيت ؛ أو من شىء غيرى ما دمت فى حضرتى .
وجملة { إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون } تعليل للنهى عن الخوف ، أى إنى لا يخاف عندى من اخترته لحمل رسالتى ، وتبليغ دعوتى .
ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ؛ ليظهر له دليلا واضحا على أنه الفاعل المختار ، القادر على كل شيء . فلما ألقى موسى تلك العصا{[21970]} من يده انقلبت في الحال حَيَّةً عظيمة هائلة في غاية الكبر ، وسرعة الحركة مع ذلك ؛ ولهذا قال : { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ } والجان : ضرب من الحيات ، أسرعه حركة ، وأكثره اضطرابا - وفي الحديث نَهْيٌ عن قتل جِنَّان{[21971]} البيوت{[21972]} - فلما عاين موسى ذلك { وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي : لم يلتفت من شدة فرقه { يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } أي : لا تخف مما ترى ، فإني أريد أن أصطَفيك رسولا وأجعلك نبيًا وجيهًا .
{ وألق عصاك } عطف على { بورك } أي نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك ، ويدل عليه قوله { وأن ألق عصاك } بعد قوله { أن يا موسى إني أنا الله } بتكرير أن . { فلما رآها تهتز } تتحرك باضطراب . { كأنها جان } حية خفيفة سريعة ، وقرىء " جأن " على لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين . { ولى مدبرا ولم يعقب } ولم يرجع من عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار ، وإنما رعب لظنه أن ذلك الأمر أريد به ويدل عليه قوله : { يا موسى لا تخف } أي من غيري ثقة بي أو مطلقا لقوله : { إني لا يخاف لدي المرسلون } أي حين يوحى إليهم من فرط الاستغراق فإنهم أخوف الناس أي من الله تعالى ، أو لا يكون لهم عندي سوء عاقبة فيخافون منه .
أمره الله عز وجل بهذين الأمرين تدريباً له في استعمالهما ، وفي الكلام حذف تقديره فألقى العصا { فلما رآها تهتز } ، وأمال «رآها » بعضُ القراء ، و «الجانّ » الحيات لأنها تجن أنفسها أي تسترها ، وقالت فرقة : الجان صغار الحيات وعصا موسى صارت حية ثعباناً وهو العظيم فإنها شبهت ب «الجانّ » في سرعة الاضطراب ، لأن الصغار أكثر حركة من الكبار ، وعلى كل قول فإن الله خلق في العصا حياة وغير أوصافها وأعراضها فصارت حية ، وقرأ الحسن والزهري وعمرو بن عبيد «جأن » بالهمز فلما أبصر موسى عليه السلام هول ذلك المنظر { ولى } فاراً ، قال مجاهد ولم يرجع وقال قتادة : ولم يلتفت .
قال القاضي أبو أحمد : و «عقب » الرجل إذا ولى عن أمر صرف بدنه أو وجهه إليه كأنه انصرف على عقبيه وناداه الله مؤنساً ومقوياً على الأمر : { يا موسى لا تخف } فإن رسلي الذين اصطفيتهم للنبوّة لا يخافون عندي ، ومعي ، فأخذ موسى الحية فرجعت عصا ثم صارت له عادة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.