المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا} (111)

111- وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا لعدم حاجته إليه ، ولم يكن له شريك في الملك ، لأنه - وحده - منشئه ، ولم يكن له ناصر يعطيه عزة من ذُلٍّ لحقه ، وعظِّم ربك تعظيماً يليق به .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا} (111)

{ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ } له الكمال والثناء والحمد والمجد من جميع الوجوه ، المنزه عن كل آفة ونقص .

{ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ } بل الملك كله لله الواحد القهار ، فالعالم العلوي والسفلي ، كلهم مملوكون لله ، ليس لأحد من الملك شيء .

{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ } أي : لا يتولى أحدًا من خلقه ليتعزز به ويعاونه ، فإنه الغني الحميد ، الذي لا يحتاج إلى أحد من المخلوقات ، في الأرض ولا في السماوات ، ولكنه يتخذ أولياء إحسانًا منه إليهم ورحمة بهم { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور }

{ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } أي : عظمه وأجله بالإخبار بأوصافه العظيمة ، وبالثناء عليه ، بأسمائه الحسنى ، وبتجميده بأفعاله المقدسة ، وبتعظيمه وإجلاله بعبادته وحده لا شريك له ، وإخلاص الدين كله له .

تم تفسير سورة الإسراء ولله الحمد والمنة والثناء الحسن على يد جامعه عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن سعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين أمين وصلى الله على محمد وسلم تسليمًا وذلك في 7 جمادى الأولى سنة 1344 .

المجلد الخامس من تيسير الكريم الرحمن من تفسير كلام المنان لجامعه الفقير إلى الله عبد الرحمن بن ناصر السعدي{[480]} .


[480]:كان الشيخ -رحمه الله- قد طلب في 30/2/1374 من الشيخ محمد نصيف -رحمه الله- أن يختار من يتولى طباعة خمسة آلاف نسخة من المجلد الخامس من التفسير، وذكر محب الدين الخطيب والشيخ حامد الفقي -رحمهما الله- فبعث الشيخ محمد نصيف -رحمه الله- بالكتاب إلى الأستاذ: محب الدين الخطيب لطباعته، وطبع بالفعل عام 1375هـ، وقد جعل الشيخ -رحمه الله- لهذا الجزء مقدمة، وأتبعه بخاتمة فيها أصول وكليات من أصول وكليات التفسير، وهذه هي مقدمة الشيخ لهذا الجزء، وأما الخاتمة فقد جعلتها في آخر التفسير، قال -رحمه الله-:(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وأصلي وأسلم على محمد وآله وصحبه، أما بعد فلما كان علم التفسير للقرآن أشرف العلوم على الإطلاق وأهمها وأحقها بتحقيق معانيه وفهم مبانيه، لكونه تنزيلا من حكيم حميد أنزله هدى ورحمة للعباد وتبيانا لكل شيء وتفصيلا لكل ما يحتاجونه في دينهم ودنياهم وأخراهم، وكان من خاصة علم القرآن أن فهم بعضه وطائفة منه يعين على فهم جميعه، لأن القرآن من أوله إلى آخره يدور على تقرير الأصول النافعة والحقائق والشرائع الكبار والأحكام الحسنة والعقائد الصحيحة، ويوجه العباد إلى كل خير ويحذرهم من كل شر، ويعيد تقرير هذه الأمور ويبديها بأساليب متنوعة وتصاريف مناسبة في غاية اليسر والسهولة والإحكام والحسن الذي لا مزيد عليه. وقد تكرر عليّ السؤال من كثير من الأصحاب في نشر تفسيرنا هذا جميعه وألحوا لما يرونه من الفائدة الكبيرة، فاعتذرت بأن ذلك يصعب جدا لأنه مبسوط، وأيضا في هذه الأوقات قلت رغبات الناس في الكتب المطولة، لذلك أحببت إجابتهم لنشر بعض ما طلبوا وهو الاقتصار على جزء واحد من أجزاء هذا التفسير، ووقع الاختيار على الجزء الأوسط من سورة الكهف إلى آخر النمل، فما لا يحصل جميعه لا يترك جميعه. وأرجو الله وأسأله أن يجعل ذلك خالصا لوجهه، نافعا لنا ولإخواننا، وأن يمدنا بعونه وعنايته وتوفيقه إنه جواد كريم رءوف رحيم، وأتبعته بكليات وأصول من كليات التفسير لاستدراك ما لعله يفوت القارئ في غير هذا الجزء، فإن الأصول والكليات تبنى عليها الفروع والجزئيات، ويحصل بها من النفع والفائدة على اختصارها ما لا يحصل في الكلام الطويل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا} (111)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية : { وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً . . . } .

أى : وقل - أيها الرسول الكريم - : الحمد الكامل ، والثناء الجميل ، لله - تعالى - وحده ، الذى لم يتخذ ولدًا ؛ لأنه هو الغنى ، كما قال - تعالى - : { قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض . . } ولم يكن له ، - سبحانه - { شَرِيكٌ فِي الملك } بل هو المالك لكل شىء ليس له فى هذا الكون من يزاحمه أو يشاركه فى ملكه أو فى عبادته . كما قال - تعالى - : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } وكما قال - عز وجل - : { مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ } { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل } أى : ولم يكن له - سبحانه - ناصر ينصره من ذل أصابه أو نزل به ، لأنه - عز وجل - هو أقوى الأقوياء ، وقاهر الجبابرة ، ومذل الطغاة ، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } { وكبره تكبيرا } أى : وعظمه تعظيمًا تامًا كاملاً ، يليق بجلاله عز وجل .

قال الإِمام ابن كثير : عن قتادة أنه قال : ذكر لنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله كبيرهم وصغيرهم هذه الآية . { الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً . . . }

ثم قال ابن كثير : وقد جاء فى حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها آية العز .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا} (111)

وقوله : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } لما أثبت تعالى لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى ، نزه نفسه عن النقائص فقال : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ } بل هو الله الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد .

{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ } أي : ليس بذليل فيحتاج{[17912]} أن يكون له ولي أو وزير أو مشير ، بل هو تعالى [ شأنه ]{[17913]} خالق الأشياء وحده لا شريك له ، ومقدرها ومدبرها{[17914]} بمشيئته وحده لا شريك له .

قال مجاهد في قوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ } لم يحالف أحدًا ولا يبتغي{[17915]} نصر أحد .

{ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } أي : عظِّمه وأَجِلَّه عما يقول الظالمون المعتدون علوًا كبيرًا .

قال ابن جرير : حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني أبو صخر ، عن القرظي أنه كان يقول في هذه الآية : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } الآية ، قال : إن اليهود والنصارى قالوا : اتخذ الله ولدًا ، وقال{[17916]} العرب : [ لبيك ]{[17917]} لبيك ، لا شريك لك ؛ إلا شريكًا هو لك ، تملكه وما ملك . وقال الصابئون والمجوس : لولا أولياء الله لذل . فأنزل الله هذه الآية : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }

وقال أيضا : حدثنا بشر ، [ حدثنا يزيد ]{[17918]} حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله هذه الآية { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } الصغير من أهله{[17919]} والكبير .

قلت : وقد جاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها آية العز{[17920]} وفي بعض الآثار : أنها ما قرئت في بيت في ليلة فيصيبه سرق أو آفة . والله أعلم .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا بشر بن سيحان البصري ، حدثنا حرب بن ميمون ، حدثنا موسى ابن عبيدة الرَّبَذي ، عن محمد بن كعب القُرَظي ، عن أبي هريرة قال : خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويدي في يده ، فأتى على رجل رث الهيئة ، فقال : " أي فلان ، {[17921]} ما بلغ بك ما أرى ؟ " . قال : السقم والضرّ يا رسول الله . قال : " ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر ؟ " . قال : لا قال : ما يسرني بها{[17922]} أن شهدت معك بدرًا أو أحدًا . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " وهل يدرك أهل بدر وأهل أحد ما يدرك الفقير القانع ؟ " . قال : فقال{[17923]} أبو هريرة : يا رسول الله ، إياي فعلمني قال : فقل يا أبا هريرة : " توكلت على{[17924]} الحي الذي لا يموت ، الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل ، وكبره تكبيرًا " . قال : فأتى عليّ رسول الله وقد حَسُنَت حالي ، قال : فقال لي : " مَهْيم " . قال : قلت : يا رسول الله ، لم أزل{[17925]} أقول الكلمات التي علمتني{[17926]} .

إسناده ضعيف وفي متنه نكارة . [ والله أعلم ]{[17927]} .

ووقع في ت : " آخر تفسير سورة الإسراء ، ولله الحمد والمنة ، وبه التوفيق والعصمة ، غفر الله لكاتبه ولمن قرأ فيه ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين أجمعين آمين " .


[17912]:في أ: "فلا يحتاج".
[17913]:زيادة من أ.
[17914]:في ت، ف: "ومدبرها ومقدرها".
[17915]:في ف: "ولم يبتغ".
[17916]:في ت، ف، أ: "وقالت".
[17917]:زيادة من ف.
[17918]:زيادة من ت، ف، أ.
[17919]:في ف "منهم".
[17920]:رواه أحمد في مسنده (3/440) من حديث معاذ بن أنس مرفوعا: "آية العز: (الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا). الآية كلها".
[17921]:في ت: "أني تلك".
[17922]:في ت: "لا يرى بها".
[17923]:في ت: "فقال قال".
[17924]:في ت: "صلى".
[17925]:في ت: "لم أنزل".
[17926]:مسند أبى يعلى (12/23) وقال الهيثمي في المجمع (7/52): "وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف".
[17927]:زيادة من ف، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا} (111)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَمْ يَتّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لّهُ وَلِيّ مّنَ الذّلّ وَكَبّرْهُ تَكْبِيراً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وَقُلْ يا محمد الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَمْ يَتّخذْ وَلَدا فيكون مربوبا لاربا ، لأن ربّ الأرباب لا ينبغي أن يكون له ولد ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ فيكون عاجزا ذا حاجة إلى معونة غيره ضعيفا ، ولا يكون إلها من يكون محتاجا إلى معين على ما حاول ، ولم يكن منفردا بالمُلك والسلطان وَلمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنَ الذُلّ يقول : ولم يكن له حليف حالفه من الذلّ الذي به ، لأن من كان ذا حاجة إلى نصرة غيره ، فذليل مهين ، ولا يكون من كان ذليلاً مهينا يحتاج إلى ناصر إلها يطاع وكّبرْهُ تَكْبيرا يقول : وعظم ربك يا محمد بما أمرناك أن تعظمه به من قول وفعل ، وأطعه فيما أمرك ونهاك .

وبنحو الذي قلنا في قوله : وَلمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنَ الذّلّ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ولَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنَ الذّلَ قال : لم يحالف أحدا ، ولا يبتغي نصر أحد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يعلّم أهله هذه الاَية الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَمْ يَتّخِذْ وَلَدا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنَ الذّلّ وكّبرْهُ تَكْبِيرا الصغير من أهله والكبير .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا أبو الجنيد ، عن جعفر ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، قال : إن التوراة كلها في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ، ثم تلا لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إلها آخَرَ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن القُرَظي ، أنه كان يقول في هذه الاَية : الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَمْ يَتّخِذْ وَلَدا . . . الاَية . قال : إن اليهود والنصارى قالوا : اتخذ الله ولدا . وقالت العرب : لبيك ، لبيك ، لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك . وقال الصابئون والمجوس : لولا أولياء الله لذلّ الله ، فأنزل الله : وَقُلِ الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَمْ يَتّخِذْ وَلَدا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنَ الذّلّ وكبّرْهُ أنت يا محمد على ما يقولون تَكْبِيرا .

آخر تفسير سورة بني إسرائيل ، والحمد لله ربّ العالمين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا} (111)

لما كان النهي عن الجهر بالدعاء أو قراءة الصلاة سداً لذريعة زيادة تصميمهم على الكفر أعقب ذلك بأمره بإعلان التوحيد لقطع دابر توهم من توهموا أن الرحمان اسم لمسمى غير مسمى اسم الله ، فبعضهم توهمه إلهاً شريكاً ، وبعضهم توهمه مُعيناً وناصراً ، أمر النبي بأن يقول ما يقلع ذلك كله وأن يعظمه بأنواع من التعظيم .

وجملة { الحمد لله } تقتضي تخصيصه تعالى بالحمد ، أي قصر جنس الحمد عليه تعالى لأنه أعظم مستحق لأن يحمد . فالتخصيص ادعائي بادعاء أن دواعي حمد غير الله تعالى في جانب دواعي حمد الله بمنزلة العدم ، كما تقدم في سورة الفاتحة .

و ( مِن ) في قوله : { من الذل } بمعنى لام التعليل .

والذل : العجز والافتقار ، وهو ضدّ العز ، أي ليس له ناصر من أجل الذل . والمراد : نفي الناصر له على وجه مؤكد ، فإن الحاجة إلى الناصر لا تكون إلا من العجز عن الانتصار للنفس . ويجوز تضمين ( الولي ) معنى ( المانع ) فتكون ( من ) لتعدية الاسم المضمن معناه .

ومعنى { كبره } اعتقد أنه كبير ، أي عظيم العِظم المعنوي الشامل لوجوب الوجود والغِنى المطلق ، وصفات الكمال كلها الكاملة التعلقات ، لأن الاتصاف بذلك كله كمال ، والاتصاف بأضداد ذلك نقص وصغار معنوي .

وإجراء هذه الصلات الثلاث على اسم الجلالة الذي هو متعلق الحمد لأن في هذه الصلاة إيماء إلى وجه تخصيصه بالحمد . والإتيان بالمفعول المطلق بعد { كَبّره } للتوكيد ، ولما في التنوين من التعظيم ، ولأنّ من هذه صفاته هو الذي يقدر على إعطاء النعم التي يعجز غيره عن إسدائها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا} (111)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"وَقُل" يا محمد: "الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَمْ يَتّخذْ وَلَدا "فيكون مربوبا لا ربا، لأن ربّ الأرباب لا ينبغي أن يكون له ولد، "ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ" فيكون عاجزا ذا حاجة إلى معونة غيره ضعيفا، ولا يكون إلها من يكون محتاجا إلى معين على ما حاول، ولم يكن منفردا بالمُلك والسلطان، "وَلمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنَ الذُلّ" يقول: ولم يكن له حليف حالفه من الذلّ الذي به، لأن من كان ذا حاجة إلى نصرة غيره، فذليل مهين، ولا يكون من كان ذليلاً مهينا يحتاج إلى ناصر إلها يطاع "وكّبرْهُ تَكْبيرا" يقول: وعظم ربك يا محمد بما أمرناك أن تعظمه به من قول وفعل، وأطعه فيما أمرك ونهاك...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ذكر في هذه الآية جميع ما تقع به الحاجة إلى التوحيد، لأن ما نفى التوحيد، وأنكره، إنما نفى لأحد الوجوه التي ذكر. منهم من قال له بالولد، وهم اليهود والنصارى، ومنهم من قال له بالشريك، وهم مشركو العرب، ومنهم من قال له بالولي والعون من الذل، وهم الثَّنَوِيَّةُ وغيرهم حين قالوا: أنشأ هذا النور ليستعين على التخلص من وثاق الظلمة، فنزه نفسه، وبرَّأها عن جميع ما قالوا فيه، ونسبوا إليه... الولد في الشاهد إنما يُطلب إما للتلهِّي وإما للاستئناس، والله يتعالى عن أن تقع له الحاجة إلى ذلك، ويتعالى عن أنه يكون له شريك، لأن الشركاء في الشاهد إنما تُتَّخَذُ للمَعُونة والقوة بهم على بعض ومالهم وما هم فيه... والولي من الذل: إنما يتخذ في الشاهد للاستنصار والاستعانة على أعدائه. والله يتعالى عن أن تقع له الحاجة إلى شيء من ذلك... فنفى عنه جميع المعاني الخلق وجميع ما ينسب إليهم، ويضاف، ويصفون به.

{وكبره تكبيرا} أي صفة بما وصفه نفسه، وانْفِ عنه معاني الخلق، فيكون في ذلك تعظيمه وتكبيره. أو اعرفه بما ذكر؛ فإذا عرفته هكذا فقد عظمته و كبرته...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وليس لاحد أن يقول: كيف يحمد الله على أن لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، والحمد إنما يستحق على فعل ماله صفة التفضل، وذلك أن الحمد في الآية ليس هو على أن لم يفعل ذلك، وإنما هو حمد على أفعاله المحمودة، ووجه إلى من هذه صفته، لا من أجل أن ذلك صفته... ومعنى "وكبره تكبيرا ": صفه بصفاته التي لا يشركه فيها أحد. وقيل: كبره عن كل ما لا يليق وصفه به...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

احْمَدْه بذكر تقدسه عن الولد، وأنه لا شريك له؛ ولا ولي له من الذل؛ إما على أنه لم يَذلَّ فيحتاج إلى ولي، أو على أنه لم يوالِ أحداً من أجل مذلة به فيدفعها بموالاته. ويقال اشكره على نعمته العظيمة حيث عرَّفك بذلك. ويقال له الأولياءُ ولكن لا يعتريهم بِذُلِّهم، إذ يصيرون بعبادته أَعِزَّةً. {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} بأَنْ تَعْلَمَ أَنَّك تصل إليه به لا بتكبيرك.

...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: كيف لاق وصفه بنفي الولد والشريك والذل بكلمة التحميد؟ قلت: لأنّ من هذا وصفه هو الذي يقدر على إيلاء كل نعمة، فهو الذي يستحق جنس الحمد...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

... {وكبره تكبيراً} التكبير أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال، وأكد بالمصدر تحقيقاً له وإبلاغاً في معناه، وابتدئت هذه السورة بتنزيه الله تعالى واختتمت به.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما تقدم إحاطة هذين الاسمين، أما الله فبجميع معاني الأسماء الحسنى، وأما الرحمن فبالرحمانية، المأمور بالدعاء بهما كل مخاطب، خصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالأمر بالتحميد الذي معناه الإحاطة واسمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مشتق منه لاتصافه به حامداً ومحموداً، وبالتكبير عن كل ما يفهمه العباد من أسمائه الحسنى فقال تعالى: {وقل الحمد} أي الإحاطة بالأوصاف الحسنى {لله} أي الملك الأعظم {الذي لم يتخذ} لكونه محيطاً بالصفات الحسنى {ولداً} فإن ذلك لا يكون إلا للحاجة وبالحاجة وهي من أسوأ الأوصاف {ولم يكن} أي يوجد بوجه من الوجوه {له شريك في الملك} ولا ولد ولا غيره فإن ذلك لا يكون إلا للعجز {ولم يكن له ولي} ناصر أعم من أن يكون ذلك الناصر ولداً أو شريكاً أو غيره: ثم قيده واصفاً بقوله تعالى: {من الذل} إفهاماً بأن له أولياء جاد عليهم بالتقريب وجعلهم أنصاراً لدينه رحمة منه لهم لا احتياجاً منه إليهم {وكبره} عن أن يشاركه أحد في شيء من الأشياء وعن كل ما يفهمه فاهم، ويصفه به واصف... {تكبيراً} عن أن يدرك أحد كنه معرفته أو يجهله أحد من كل وجه، بل احتجب سبحانه بكبريائه وجلاله فلا يعرف، وتجلى بإكرامه وكماله فلا ينكر، فكان صريح اتصافه بالحمد أنه تعالى متصف بجميع صفات الكمال، وصريح وصفه بنفي ما ذكر أنه منزه عن شوائب النقص وأنه أكبر من كل ما يخطر للعباد المطبوعين على النقص المجبولين على غرائز العجز، ولذلك وغيره من المعاني العظمى سمى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الآية آية العز كما رواه الإمام أحمد عن سهل عن أبيه رضي الله عنهما، وذلك عين ما افتتحت به السورة من التنزيه وزيادة -والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وتختم السورة كما بدأت بحمد الله وتقرير وحدانيته بلا ولد ولا شريك، وتنزيهه عن الحاجة إلى الولي والنصير. وهو العلي الكبير. فيلخص هذا الختام محور السورة الذي دارت عليه، والذي بدأت ثم ختمت به: (وقل: الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك. ولم يكن له ولي من الذل. وكبره تكبيرا)...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما كان النهي عن الجهر بالدعاء أو قراءة الصلاة سداً لذريعة زيادة تصميمهم على الكفر أعقب ذلك بأمره بإعلان التوحيد لقطع دابر توهم من توهموا أن الرحمان اسم لمسمى غير مسمى اسم الله، فبعضهم توهمه إلهاً شريكاً، وبعضهم توهمه مُعيناً وناصراً، أمر النبي بأن يقول ما يقلع ذلك كله وأن يعظمه بأنواع من التعظيم.

وجملة {الحمد لله} تقتضي تخصيصه تعالى بالحمد، أي قصر جنس الحمد عليه تعالى لأنه أعظم مستحق لأن يحمد. فالتخصيص ادعائي بادعاء أن دواعي حمد غير الله تعالى في جانب دواعي حمد الله بمنزلة العدم، كما تقدم في سورة الفاتحة.

و (مِن) في قوله: {من الذل} بمعنى لام التعليل.

والذل: العجز والافتقار، وهو ضدّ العز، أي ليس له ناصر من أجل الذل. والمراد: نفي الناصر له على وجه مؤكد، فإن الحاجة إلى الناصر لا تكون إلا من العجز عن الانتصار للنفس. ويجوز تضمين (الولي) معنى (المانع) فتكون (من) لتعدية الاسم المضمن معناه.

ومعنى {كبره} اعتقد أنه كبير، أي عظيم العِظم المعنوي الشامل لوجوب الوجود والغِنى المطلق، وصفات الكمال كلها الكاملة التعلقات، لأن الاتصاف بذلك كله كمال، والاتصاف بأضداد ذلك نقص وصغار معنوي.

وإجراء هذه الصلات الثلاث على اسم الجلالة الذي هو متعلق الحمد لأن في هذه الصلاة إيماء إلى وجه تخصيصه بالحمد. والإتيان بالمفعول المطلق بعد {كَبّره} للتوكيد، ولما في التنوين من التعظيم، ولأنّ من هذه صفاته هو الذي يقدر على إعطاء النعم التي يعجز غيره عن إسدائها.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

... {وكبره تكبيراً}: لأن عظمة الحق سبحانه في نفس المؤمن اكبر من كل شيء، وأكبر من كل كبير؛ لذلك جعلت (الله أكبر) شعار أذانك وصلاتك، فلابد أن تكبر الله، وتجعله أكبر مما دونه من الأغيار، فإن ناداك وأنت في أي عمل فقل: الله أكبر من عملي، وإن ناداك وأنت في حضرة عظيم، فقل: الله أكبر من أي عظيم، كبره تكبيراً بأن تقدم أوامره ونواهيه على كل أمر، وعلى كل نهي...

وبهذه الآية ختمت سورة الإسراء، فجعلنا الحق سبحانه نختمها بما أنعم علينا من هذه النعم الثلاث، وليست هذه هي كل نعم الله علينا، بل لله تعالى علينا نعم لا تعد ولا تحصى، لكن هذه الثلاث هي قمة النعم التي تستوجب أن نحمده عليها. فالحمد لله الذي لم يتخذ ولداً؛ لأنه لم يلد ولم يولد وهو واحد أحد، والحمد لله الذي لم يتخذ شريكاً لأنه واحد، والحمد لله الذي لم يكن له ولي من الذل لأنه القاهر العزيز المعز، ولهذا يجب أن نكبر هذا الإله تكبيراً في كل نعمة نستقبلها منه سبحانه...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} في الوعي الداخلي الذي يدخل دائماً في مقارنة بين عظمة الله وبين الآخرين، ليشعر بأن الله أكبر من كل شيء، وأقوى من كل وجود، لأنه هو الذي يعطي الأشياء حجمها وقوتها، وهو المهيمن على ذلك كله. وكلما عظم الله في النفس، صغر الآخرون في الذهن، فينعكس ذلك على الفكر والحركة والعمل...