واعلم أنه تعالى ، لمَّا أمر بأن لا يذكر ، ولا ينادى ، إلا بأسمائه الحسنى ، علَّم كيفيَّة التمجيد ؛ فقال :
{ وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الملك وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مَّنَ الذل } .
فذكر ثلاثة أنواع من صفات التنزيه والجلال :
الأول : أنه لم يتخذ ولداً ، والسَّببُ فيه وجوهٌ :
أولها : أنَّ الولد هو الشيء المتولِّد من أجزاء ذلك الشيء ، فكلُّ من له ولدٌ ، فهو مركبٌ من الأجزاء ، والمركَّب محدثٌ ، والمحدث محتاجٌ ؛ لا يقدر على كمال الإنعامِ ؛ فلا يستحقُّ كمال الحمدِ .
وثانيها : أنَّ كل من له ولدٌ ، فهو يمسك جميع النِّعم لولده ، فإذا يكن له ولدٌ ، أفاض كلَّ النِّعم على عبيده .
وثالثها : أن الولد هو الذي يقوم مقام الوالد بعد انقضائه ، فلو كان له ولد ، لكان منقضياً فانياً ، ومن كان كذلك ، لم يقدر على كمال الإنعام في جميع الأوقات ؛ فوجب ألاَّ يستحقَّ الحمد على الإطلاق .
وهذه الآية ردٌّ على اليهود في قولهم { عُزَيْرٌ ابن الله } [ التوبة : 30 ] ، وردٌّ على النصارى في قولهم { المسيح ابن الله } [ التوبة : 30 ] وعلى مشركي العرب في قولهم : " المَلائِكةُ بنَاتُ الله " .
والنوع الثاني من الصفات السلبية قوله : { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الملك } .
والسَّببُ في اعتبار هذه الصفة : أنَّه لو كان له شريكٌ ، فلا يعرف كونه مستحقًّا للحمد والشُّكر .
والنوع الثالث : قوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مَّنَ الذل } .
والسببُ في اعتباره : أنه لو جاز عليه وليٌّ من الذلِّ ، لم يجب شكره ؛ لتجويز أن يكون غيره حمله على ذلك الإنعام .
أما إذا كان منزَّهاً عن الولد ، وعن الشَّريك ، وعن أن يكون له وليٌّ يلي أمرهُ ، كان مستوجباً لأعظم أنواع الحمد والشُّكر .
قوله : { مِّنَ الذل } : فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها صفة ل " وليّ " ، والتقدير : وليٌّ من أهل الذلِّ ، و المراد بهم : اليهود والنصارى ؛ لأنهم أذلُّ الناس .
الثالث : أنها للتعليل ، أي : من أجل الذلِّ ، وإلى هذين المعنيين نحا الزمخشريُّ فإنه قال : " وليٌّ من الذلِّ : ناصر من الذلِّ ، ومانع له منه ؛ لاعتزازه به ، أو لم يوالِ أحداً لأجل مذلَّة به ؛ ليدفعها بموالاته " .
وقد تقدَّم الفرق بين الذُّلِّ والذِّلّ في أول هذه السورة [ الآية : 24 ] .
فصل في معنى قوله : { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً }
معنى قوله : { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } ، أي : أنَّ التمجيد يكون مقروناً بالتكبير ، والمعنى : عظِّمه عن أن يكون له شريكٌ ، أو وليٌّ ؛ قال - عليه الصلاة والسلام - " أحَبُّ الكلام إلى الله تعالى أربع : لا إله إلا الله ، و الله أكبر ، وسبحان الله ، والحمدُ لله لا يضرك بأيِّهنَّ بدأت " {[20775]} .
روى أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورة بني إسرائيل ، فَرَقَّ قَلبهُ عِندَ ذِكْر الوالدين أعْطِيَ في الجنَّة قِنْطَاريْنِ مِنَ الأجْرِ ، والقِنطَارُ ألْفُ أوقيَّةٍ ، ومِائتَا أوقيَّةٍ ، كلُّ أوقيَّةٍ خيرٌ من الدُّنْيَا وما فِيهَا " {[1]} .
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- : قول العبد : " الله أكبرُ خيرٌ من الدنيا وما فِيهَا " وهذه الآية خاتمة التَّوراة{[2]} .
وروى مطرفٌ ، عن عبد الله بْنِ كعبٍ ، قال : " افتُتِحَتِ التَّوراةُ بفَاتحةِ سُورةِ الأنعامِ ، وخُتمَتْ بِخاتمَةِ هذه السُّورةِ " {[3]} .
وروى عمرُو بنُ شعيب ، عن أبيه ، عن جدِّه ، قال : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أفْصَحَ الغلام من بني عَبْدِ المطَّلبِ ، عَلَّمهُ : الحَمدُ للهِ الَّذي لَمْ يتَّخذْ ولداً الآية{[4]} .
وقال عبدُ الحميدِ بنُ واصلٍ : سَمعْتُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال : مَنْ قَرَأ : { وَقُلِ الحمد لِلَّهِ } الآية ، كَتبَ الله لهُ من الأجْرِ مِثلَ الأرْض والجِبالِ ؛ لأنَّ الله تعالى يَقُولُ فيمَنْ زَعمَ أنَّ لهُ ولداً : { تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً }{[5]} [ مريم : 90 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.