تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا} (111)

105

111- { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا } .

وقل : الحمد والشكر لله الذي لم يتخذ ولدا ؛ لعدم حاجته إليه ، ولم يكن له شريك في الملك ؛ لأنه وحده منشئه ، ولم يكن له ناصر يعطيه عزة من ذل لحقه ، وعظم ربك تعظيما يليق به .

وقد وصف سبحانه نفسه بثلاث صفات :

1- أنه لم يتخذ لدا ، فإن من يتخذ الولد يمسك جميع النعم لولده ، ولأن الولد يقوم مقام الوالد بعد انقضاء أجله وفنائه- تنزل ربنا عن ذلك- ومن كان كذلك لم يستطع الإنعام في كل الحالات فلا يستحق الحمد على الإطلاق .

وفي هذا رد على اليهود الذين قالوا : عزير ابن الله ، والنصارى الذين قالوا : المسيح ابن الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .

2- أنه ليس له شريك في الملك ، إذ لو كان له ذلك لم يعرف أيهما المستحق للحمد والشكر ، ولكان عاجزا ذا حاجة إلى معونة غيره ، ولم يكن منفردا بالملك والسلطان .

3- أنه لم يكن له ولي من الذل أي : لم يوال أحدا من أجل مذلة به يدفعها بموالاته .

والخلاصة : أنه ليس له ولد يحبس نعمه عليه ، وليس له شريك يوقف أعماله في الملك ، ولا ناصر يدفع العدو المذل له ، وإذا تنزه ربنا عن ذلك ؛ فقد أمن الناس نضوب موارده ، وأصبحت أبوابه مفتحة لكل قاصد ، فلتغترف أيها العبد من مناهله ، ولتعلم أنه لا يحابيك لأجل أهلك ولا نسلك ولا دينك ، ولو كنت ابن نبي من الأنبياء أو عظيم من العظماء{[531]} .

{ وكبره تكبيرا } أي : وعظم ربك أيها الرسول بما أمرناك أن تعظمه به من قول وفعل ، وأطعه فيما أمرك به ونهاك عنه .

قال الإمام فخر الدين الرازي : تكبير الله تعالى وتنزيهه يكون :

1- بتكبيره في ذاته ؛ باعتقاد أنه واجب الوجود لذاته ، وأنه غني عن كل موجود .

2- بتكبيره في صفاته ؛ باعتقاد أنه مستحق لكل صفات الكمال متنزه عن صفات النقص .

3- بتكبيره في أفعاله ؛ فتعتقد أنه لا يجري شيء في ملكه إلا وفق حكمته وإرادته .

4- بتكبيره في أحكامه ؛ بأن تعتقد أنه ملك مطاع ، له الأمر والنهي ، والرفع والخفض ، وأنه لا اعتراض لأحد عليه في شيء من أحكامه ، يعز من يشاء ويذل من يشاء .

5- تكبيره في أسمائه ، فلا يذكر إلا بأسمائه الحسنى ولا يوصف إلا بصفات الجلال والإكرام .

أخرج عبد الرازق عن عبد الكريم بن أبي أمية قال : كان رسول لله صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب ؛ علمه هذه الآية{[532]} .

وروى الطبري بإسناده عن القرظي : أنه كان يقول في هذه الآية { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا . . . } قال : إن اليهود والنصارى قالوا : اتخذ الله ولدا ، وقالت العرب : لبيك لبيك ، لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، وقال الصابئون المجوس : لولا أولياء الله ؛ لذل الله ، فأنزل الله : { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبّره-أنت يا محمد على ما يقولون- تكبيرا }{[533]} .

وروى الإمام أحمد في مسنده عن ماذ الجهني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( آية العز : { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا } ) .

وقال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية :

قل يا محمد : الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا فيكون مربوبا لا ربا ؛ لأن رب الأرباب لا ينبغي أن يكون له ولد ، ولم يكن له شريك في الملك ؛ فيكون عاجزا ذا حاجة إلى معونة غيره ضعيفا ، ولا يكون إلها من يكون محتاجا إلى معين ، ولم يكن له ولي من الذل ، يقول : ولم يكن له حليف حالفه من الذل الذي به ؛ لأن من كان ذا حاجة إلى نصرة غيره فذليل مهين ، ولا يكون من كان ذليلا مهينا يحتاج إلى ناصر ؛ إلها يطاع ، وكبره تكبيرا وعظمه تعظيما يليق به سبحانه{[534]} .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والشكر لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

اللهم ، أنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه . اللهم ، اجعل عملا خالصا لوجهك وتقبله منا إنك أنت السميع البصير ، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


[531]:- تفسير المراغي 15/111.
[532]:- تفسير النيسابوري 15/104، بتصرف وقارن بتفسير المراغي 15/111.
[533]:- تفسير الطبري 15/126.
[534]:- تفسير الطبري 15/126 بتصرف.