المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

4- وإذا أبصرتهم تُعجبك أجسامهم لوجاهتهم ، وإن يتحدثوا تسمع لقولهم لحلاوته ، وهم مع ذلك فارغة قلوبهم من الإيمان كأنهم خُشب مسندة لا حياة فيها . يحسبون كل نازلة عليهم - لشعورهم بحقيقة حالهم - هم العدو فاحذرهم - طردهم الله من رحمته - كيف يُصرفون عن الحق إلى ما هم عليه من النفاق .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } من روائها ونضارتها ، { وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } أي : من حسن منطقهم تستلذ لاستماعه ، فأجسامهم وأقوالهم معجبة ، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدى الصالح شيء ، ولهذا قال : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ } لا منفعة فيها ، ولا ينال منها إلا الضرر المحض ، { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } وذلك لجبنهم وفزعهم وضعف قلوبهم ، والريب الذي في قلوبهم  يخافون{[1104]} أن يطلع عليهم .

فهؤلاء { هُمُ الْعَدُوُّ } على الحقيقة ، لأن العدو البارز المتميز ، أهون من العدو الذي لا يشعر به ، وهو مخادع ماكر ، يزعم أنه ولي ، وهو العدو المبين ، { فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } أي : كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته ، واتضحت معالمه ، إلى الكفر الذي لا يفيدهم إلا الخسار والشقاء .


[1104]:- وفي ب: وضعف قلوبهم وريبها.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

ثم رسم - سبحانه - لهم بعد ذلك صورة تجعل كل عاقل يستهزىء بهم ، ويحتقرهم ، ويسمو بنفسه عن الاقتراب منهم . فقال - تعالى - : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } .

قال القرطبى : قال ابن عباس : كان عبد الله بن أبى ، وسيما جسيما صحيحا صبيحا ، ذلق اللسان ، فإذا قال : سمع النبى - صلى الله عليه وسلم - مقالته .

وقال الكلبى : المراد انب أبى ، وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير ، كانت لهم أجسام ومنظر ، وفصاحة . . .

و { خُشُبٌ } - بضم الخاء والشين - جمع خَشَبة - بفتحهما - كثَمرة وثُمر .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائى : كأنهم خُشْب - بضم الخاء وسكون الشين - كبَدَنة وبُدْن .

أى : وإذا رأيت - أيها الرسول الكريم - هؤلاء المنافقين ، أعجبتك أجسامهم ، لكمالها وحسن تناسقها ، وإن يقولوا قولا حسبت أنه صدق ، لفصاحته ، وأحببت الاستماع إليه لحلاوته .

وعدى الفعل " تسمع " باللام ، لتضمنه معنى تصغ لقولهم .

وجملة : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } مستأنفة ، أو خبر لمبتدأ محذوف .

أى : كأنهم وهم جالسون فى مجلسك ، مستندين على الجدران ، وقد خلت قلوبهم من الخير والإيمان ، كأنهم بهذه الحالة ، مجموعة من الأخشاب الطويلة العريضة ، التى استندت إلى الحوائط ، دون أن يكون فيها حسن ، أو نفع ، أو عقل .

فهم أجسام تعجب ، وأقوال تغرى بالسماع إليها ، ولكنهم قد خلت قلوبهم من كل خير ، وامتلأت نفوسهم بكل الصفات الذميمة . فهم كما قال القائل :

لا بأس بالقوم من طول ومن غلظ . . . جسم البغال وأحلام العصافير

وشبههم - سبحانه - بالخشب المسندة على سبيل الذم لهم ، أى : كأنهم فى عدم الانتفاع بهم ، وخلوهم من الفائدة كالأخشاب المسندة إلى الحوائط الخالية من أية فائدة .

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال : فإن قلت : ما معنى { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } ؟

قلت : شبهوا فى استنادهم - وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير بالخشب المسندة إلى الحوائط لأن الخشب إذا انتفع به ، كان فى سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع ، وما دام متروكا فارغا غير منتفع به ، وأسند إلى الحائط ، فشبهوا به فى عدم الانتفاع .

ويجوز أن يراد بالخشب المسندة الأصنام المنحوتة من الخشب ، المسندة إلى الحيطان ، وشبهوا بها فى حسن صورهم ، وقلة جدواهم ، والخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يخاطب . .

فأنت ترى القرآن الكريم وصفهم بتلك الصفة البديعة فى التنفير منهم وعدم الاغترار بمظهرهم لأنهم كما قال القائل :

لا تخدعنك اللحى ولا الصور . . . تسعة أعشار من ترى بقر

تراهم كالسحاب منتشرا . . . وليس فيه لطالب مطر

فى شجر السرو منهم شبه . . . له رواء وماله ثمر

ثم وصفهم - سبحانه - بعد ذلك بالجبن والخور فقال : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ . . } .

والصيحة : المرة من الصياح ، والمراد بها ما ينذر ويخيف أى : يظنون لجبن قلوبهم ولسوء نواياهم ، وخبث نفوسهم - أن كل صوت ينادى به المنادى ، لنشدان ضالة ، أو انفلات دابة . . . إنما هو واقع عليهم ضار بهم مهلك لهم . . .

قال الآلوسى : قوله : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } أى : واقعة عليهم ، ضارة لهم ، لجبنهم وهلعهم .

وقيل : كانوا على وجل من أن ينزل الله - تعالى - فيهم ما يهتك أستارهم ، ويبيح دماءهم وأموالهم .

والوقف على " عليهم " الواقع مفعولا ثانيا ل " يحسبون " وهو وقف تام .

وقوله - تعالى - : { هُمُ العدو } استئناف . أى : هم الكاملون فى العداوة ، والراسخون فيها ، فإن أعدى الأعداء ، العدو المداجى .

{ فاحذرهم } لكونهم أعدى الأعداء ، ولا تغترن بظواهرهم .

وقوله - سبحانه - : { قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ } دعاء عليهم بالطرد من رحمة الله - تعالى - ، وتعجيب لكل مخاطب من أحوالهم التى بلغت النهاية فى السوء والقبح .

عن ابن عباس أن معنى { قَاتَلَهُمُ الله } طردهم من رحمته ولعنهم ، وكل شىء فى القرآن قتل فهو لعن .

و { أَنَّى } بمعنى كيف ، و { يُؤْفَكُونَ } بمعنى يصرفون ، من الأفك - بفتح الهمزة والفاء - بمعنى الانصراف عن الشىء .

أى : لعن الله - تعالى - هؤلاء المنافقين ، وطردهم من رحمته ، لأنهم بسبب مساكلهم الخبيثة ، وأفعالهم القبيحة ، وصفاتهم السيئة . . صاروا محل مقت العقلاء ، وعجبهم ، إذ كيف ينصرفون عن الحق الواضح إلى الباطل الفاضح ، وكيف يتركون النور الساطع ، ويدخلون فى الظلام الدامس ؟ !

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة : قد فضحت المنافقين ، وحذرت من شرورهم ، ووصفتهم بالصفات التى تخزيهم ، وتكشف عن دخائلهم المريضة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

ثم يرسم لهم السياق صورة فريدة مبدعة ؛ تثير السخرية والهزء والزراية بهذا الصنف الممسوخ المطموس من الناس ، وتسمهم بالفراغ والخواء والانطماس والجبن والفزع والحقد والكنود . بل تنصبهم تمثالا وهدفا للسخرية في معرض الوجود :

( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم . وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة . يحسبون كل صيحة عليهم . هم العدو فاحذرهم . قاتلهم الله ! أنى يؤفكون ? ) . .

فهم أجسام تعجب . لا أناسي تتجاوب ! وما داموا صامتين فهم أجسام معجبة للعيون . . فأما حين ينطقون فهم خواء من كل معنى ومن كل حس ومن كل خالجة . . ( تسمع لقولهم كأنهم خشب ) . . ولكنها ليست خشبا فحسب . إنما هي ( خشب مسندة ) . . لا حركة لها ، ملطوعة بجانب الجدار !

هذا الجمود الراكد البارد يصورهم من ناحية فقه أرواحهم إن كانت لهم أرواح ! ويقابله من ناحية أخرى حالة من التوجس الدائم والفزع الدائم والاهتزاز الدائم :

( يحسبون كل صيحة عليهم ) . .

فهم يعرفون أنهم منافقون مستورون بستار رقيق من التظاهر والحلف والملق والالتواء . وهم يخشون في كل لحظة أن يكون أمرهم قد افتضح وسترهم قد انكشف . والتعبير يرسمهم أبدا متلفتين حواليهم ؛ يتوجسون من كل حركة ومن كل صوت ومن كل هاتف ، يحسبونه يطلبهم ، وقد عرف حقيقة أمرهم ! !

وبينما هم خشب مسندة ملطوعة إذا كان الأمر أمر فقه وروح وشعور بإيقاعات الإيمان . . إذا هم كالقصبة المرتجفة في مهب الريح إذا كان الأمر أمر خوف على الأنفس والأموال !

وهم بهذا وذاك يمثلون العدو الأول للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وللمسلمين :

( هم العدو فاحذرهم ) . .

هم العدو الحقيقي . العدو الكامن داخل المعسكر ، المختبئ في الصف . وهو أخطر من العدو الخارجي الصريح . ( فاحذرهم ) . . ولكن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لم يؤمر هنا بقتلهم ، فأخذهم بخطة أخرى فيها حكمة وسعة وثقة بالنجاة من كيدهم - كما سيجيء نموذج من هذه المعاملة بعد قليل - . .

( قاتلهم الله أنى يؤفكون ) . .

فالله مقاتلهم حيثما صرفوا وأنى توجهوا . والدعاء من الله حكم بمدلول هذا الدعاء ، وقضاء نافذ لا راد له ولا معقب عليه . . وهذا هو الذي كان في نهاية المطاف .