المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ} (255)

255- الله هو الذي يستحق أن يُعبد دون سواه ، وهو الباقي القائم على شئون خلقه دائماً ، الذي لا يغفل أبداً ، فلا يصيبه فتور ولا نوم ولا ما يشبه ذلك لأنه لا يتصف بالنقص في شيء ، وهو المختص بملك السماوات والأرض لا يشاركه في ذلك أحد ، وبهذا لا يستطيع أي مخلوق كان أن يشفع لأحد إلا بإذن الله ، وهو - سبحانه وتعالى - محيط بكل شيء عالم بما كان وما سيكون ، ولا يستطيع أحد أن يدرك شيئاً من علم الله إلا ما أراد أن يعلم به من يرتضيه ، وسلطانه واسع يشمل السماوات والأرض ، ولا يصعب عليه تدبير ذلك لأنه المتعالي عن النقص والعجز ، العظيم بجلاله وسلطانه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ} (255)

وبعد أن أمر الله المؤمنين بالإِنفاق في وجوه الخير ، وذكرهم بأهوال يوم القيامة ، أتبع ذلك بآية كريمة اشتملت على تمجيده - سبحانه - فبينت كمال سلطانه ، وشمول علمه . وسابغ نعمه على خلقه . استمع إلى القرآن وهو يصف لك الخالق - عز وجل - بأكمل الصفات وأعظمها فيقول :

{ الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم . . . }

اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( 255 )

قال بعضهم : هذه آية الكرسي أفضل آية من القرآن . ومعنى الفضل أن الثواب على قراءتها أكثر من على غيرها من الآيات . هذا هو التحقيق في تفضيل بعض آيات القرآن على بعض . وإنما كانت أفضل لأنها جمعت من أحكام الألوهية وصفات الإِله الثبوتية والسلبية ما لم تجمعه آية أخرى . جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لكل شيء سنام وإن سنام القرآن البقرة ، وفيها آية هي سيدة القرآن - أي أفضله - وهي آية الكرسي " .

وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر جمل فيها ما فيها من صفات الله الجليلة - ونعوته السامية . أما الجملة الأولى والثانية فتتمثل في قوله - تعالى - : { الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } .

ولفظ الجلالة { الله } يقول العلماء : إن أصله إله دخلت عليه أداة التعريف " أل " وحذفت الهمزة فصارت الكلمة الله . قال القرطبي : قوله { الله } هذا الاسم أكبر أسمائه - تعالى - وأجمعها ، حتى قال بعضهم إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره ، ولذلك لم يثن ولم يجمع ، فالله اسم الموجود الحق الجامع لصفات الألوهية ، المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد بالوجود الحقيقي ، لا إله إلا هو - سبحانه - " .

ولفظ { إله } قالوا إنه من إله فلان يأله أي عبد . فالإِله على هذا المعنى هو المعبود ، وقيل هو من أله أي تحير . . وذلك أن العبد إذا تفكر في صفاته - سبحانه - تحير فيها ؛ ولذا قيل : " تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله " .

و { الحي } أي الباقي الذي له الحياة الدائمة التي لا فناء لها . لم تحدث له الحياة بعد الموت ، ولا يعتريه الموت بعد الحياة ، وسائر الأحياء سواه يعتريهم الموت والفناء .

و { القيوم } أي : الدائم القيام بتدبير أمر الخلق وحفظهم ، والمعطى لهم ما به قوامهم . وهو مبالغة في القيام . وأصله قيووم - بوزن فيعول - من قام بالأمر إذا حفظه ودبره .

والمعنى : الله - عز وجل - هو الإِله الحق المتفرد بالألوهية التي لا يشاركه فيها سواه ، وهو المعبود بحق وكل معبود سواه فهو باطل ، وهو ذو الحياة الكاملة ، وهو الدائم القيام بتدبير شئون الخلق وحياطتهم ورعايتهم وإحيائهم وإماتتهم .

والجملة الثالثة قوله - تعالى - : { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } وهي جملة سلبية مؤكدة للوصف الإِيجابي السابق ، فإن قيامه على كل نفس ما كسبت ، وعلى تدبير شئون خلقه يقتضي ألا تعرض له غفلة ، ولأن السنة والنوم من صفات الحوادث وهو - سبحانه - مخالف لها .

والسنة : الفتور الذي يكون في أول النوم مع بقاء الشعور والإِدراك .

ويقال له غفورة . يقال : وسن الرجل يوسن وسناً وسنة فهو وسن ووسنان إذا نعس والمراد أنه - سبحانه - لا يغفل عن تدبير أمر خلقه أبداً ، ولا يحجب علمه شيء حجباً قصيراً أو طويلاً ، ولا يدركه ما يدرك الأجسام من الفتور أو النعاس ، أو النوم .

وتقديم السنة على النوم يفيد المبالغة من حيث إن نفي السنة يدل على نفي النوم بالأولى ، فنفيه ثانياً صريحاً يفيد المبالغة لأن عطف الخاص على العام يفيد المبالغة ولأن عطف الخاص على العام يفيد التوكيد أي لا تأخذه سنة فضلا عن أن يأخذه نوم . وفي قوله : { لاَ تَأْخُذُهُ } دلالة على أن للنوم قوة قاهرة تأخذ الحيوان أخذاً وتقهر الكثير من أجناس المخلوقات قهراً ، ولكنه - سبحانه - وهو القاهر فوق عباده - منزه عن ذلك ، ومبرأ من أن يعتريه ما يعتري الحوادث .

وقوله - سبحانه - في الجملة الرابعة : { لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } تقرير لانفراده بالأولوهية إذ جميع الموجودات مخلوقاته ، وتعليل لا تصافه بالقيومية ، لأن من كانت جميع الموجودات ملكا له فهو حقيق بأن يكون قائما بتدبير أمرها .

والمراد بما فيهما ما هو أعم من أجزائهما الداخلة فيهما ومن الأمور الخارجة عنهما المتمكنة فيهما من العقلاء وغيرهم . فالجملة الكريمة تفيد الملكية المطلقة لرب العالمين لكل ما في هذا الوجود من شمس وقمر وحيوان ونبات وجماد وغير ذلك من المخلوقات . وصدرت الجملة بالجار والمجرور " له " لإفادة القصر أي ملك السموات والأرض له وحده ليس لأحد سواه شيء معه .

والاستفهام في قوله في الجملة الخامسة { مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } للنفي والإِنكار أي : لا أحد يستطيع أن يشفع عنده - سبحانه - إلا بإذنه ورضاه قال - تعالى - { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السماوات لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَآءُ ويرضى } والمقصود من هذه الجملة - كما يقول الآلوسي - بيان كبرياء شأنه - تعالى - وأنه لا أحد يساويه أو يدانيه بحيث يستقل أن يدفع ما يريده دفعا على وجه الشفاعة والاستكانة والخضوع فضلا عن أن يستقل بدفعه عناداً أو مناصبة وعداوة . وفي ذلك تيئيس للكفار حيث زعموا أن آلهتهم شفعاء لهم عند الله " . وقوله - سبحانه في الجملة السادسة : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } تأكيد لكمال سلطانه في هذا الوجود ، وبيان لشمول علمه على كل شيء .

والضمير في ( أيديهم ) و ( خلفهم ) يعود إلى ( ما ) في قوله قبل ذلك { لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } وعبر بضمير الذكور والعقلاء ، تغليباً لجانبهم على جانب غير العقلاء .

والعلم بما بين أيديهم وما خلفهم كناية عن إحاطة علمه - سبحانه بماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم ، وما يعرفونه من شئونهم الدنيوية وما لا يعرفونه .

وقوله - تعالى - في الجملة السابعة : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } معطوف على قوله { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } لأنه مكمل لمعناه . والمراد بالعلم المعلوم . والإِحاطة بالشيء معناهها العلم الكامل به .

أي : لا يعلمون شيئاً من معلوماته - سبحانه - إلا بالقدر الذي أراد أن يعلمهم إياه على ألسنة رسله . فهو كقوله - تعالى - : { عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً . إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ } فالجملة الكريمة بيان لكمال علم الله - تعالى - ولنقصان علم سواه ، إذ أن البشر لم يعظوا من العلم إلا القليل ، وهذا القليل ناقص لأنه ليس على إحاطة واستغراق لكل ما تشتمل عليه جزئيات الشيء ووجوده وجنسه وكيفية وغرضه المقصود به وبإيجاده ، إذ العلم الكامل بالشيء لا يكون إلا الله رب العالمين .

ثم قال - تعالى - في الجملة الثامنة : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض } .

قال الراغب : الكرسي في تعارف العامة : اسم للشيء الذي يقعد عليه ، وهو في الأصل منسوب إلى الكرسي أي الشيء المجتمع ، ومنه الكراسة لأنها تجمع العلم . . وكل مجتمع من الشيء كرس .

وللعلماء اتجاهان مشهوران في تفسير معنى الكري في الجملة الكريمة . فالسلف يقولون : إن لله - تعالى - كرسيا علينا أن نؤمن بوجوده وإن كنا لا نعرف حقيقته ، لأن ذلك ليس في مقدور البشر .

والخلف يقولون : الكرسي في الآية كناية عن عظم السلطان ، ونفوذ القدرة ، وسعة العلم ، وكمال الإِحاطة .

ولصاحب الكشاف تلخيص حسن لأقوال العلماء في ذلك ، فقد قال - رحمه الله - وفي قوله : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ } أربعة أوجه :

أحدها : أن كرسيه لم يضق عن السماوات والأرض لبسطته وسعته وما هو إلا تصوير لعظمته ولا كسري ثمة ولا قعود ولا قاعد .

والثاني : وسع علمه ، وسمي العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم .

والثالث : وسع ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك .

والرابع : ما روى أنه خلق كرسيا هو بين يدي العرش دونه السموات والأرض وهو إلى العرش كأصغر شيء . وعن الحسن الكلرسي هو العرش .

هذا وقد روى المفسرون عن ابن عباس أنه قال : " كرسيه علمه " ولعل تفسير الكرسي بالعلم كما قال حبر الأمة هو أقرب الأقوال إلى الصواب ، لأنه هو المناسب لسياق الآية الكريمة .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بالصفتين التاسعة والعاشرة فقال - تعالى - : { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العلي العظيم } .

{ يَؤُودُهُ } معناه يثقله ويشق عليه . يقال آدني الأمر بمعنى أثقلني وتحملت منه المشقة .

و { العلي } هو المتعالي عن الأشياء ، والأنداد ، والأمثال ، والأضداد وعن إمارات النقص ودلالات الحدوث . وقيل هو من العلو الذي هو بمعنى القدرة وعلو الشأن .

والمعنى : ولا يثقله ولا يتعبه حفظ السموات والأرض ورعايتهما ، وهو المتعالي عن الأشباه والنظائر ، والمسيطر على خلقه ، العظيم في ذاته وصفاته ، ففي هاتين الجملتين بيان لعظيم قدرته ، وعظيم رعايته لخلقه ، وتنزيهه - سبحانه - عن مشابهة الحوادث .

وبعد ، فهذه آية الكرسي التي اشتملت على عشر جمل ، كل جملة منها تشتمل على وصف أو أكثر من صفات الله الجليلة ، ونعوته المجيدة ، وألوهيته الحقه ، وقدرته النافذة ، وعلمه المحيط بكل شيء ، قد أقامت الأدلة الساطعة على وحدانية الله - تعالى - وجوب إفراده بالعباده .

وقد تكلم العلماء طويلا عن تناسق جملها ، وبلاغه تراكيبها ووجوه فضلها ومن ذلك قول صاحب الكشاف : " فإن قلت : لم فضلت هذه الآية على غيرها حتى ورد في فضلها ما ورد ؟ قلت : لما فضلت له سورة الإخلاص من اشتمالها على توحيد الله وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى ولا مذكور أعظم من رب العزة . فما كان ذكراً له كان أفضل من سائر الأذكار " .

ومن الأحاديث التي ساقها الإِمام ابن كثير في فضلها ما جاء عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله : " أي آية في كتاب الله أعظم ؟ قال الله ورسوله أعلم . فرددها مرارا ثم قال : آية الكرسي . فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ليهنك العلم أبا المنذر " .

وأخرج الإِمام مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أعظم آية في القرآن هي آية الكرسي " .

وروى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج ذات يوم على الناس فقال : أيكم يخبرني بأعظم آية ؟ فقال ابن مسعود على الخبير سقطت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أعظم آية في القرآن { الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } " . الآية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ} (255)

{ الله لا إله إلا هو } مبتدأ وخبر والمعنى أنه المستحق للعبادة لا غيره . وللنجاة خلاف في أنه هل يضمر للأخير مثل في الوجود أو يصح أن يوجد . { الحي } الذي يصح أن يعلم ويقدر وكل ما يصح له فهو واجب لا يزول لامتناعه عن القوة والإمكان . { القيوم } الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه فيعول من قام بالأمر إذا حفظه ، وقرئ " القيام " و " القيم " .

{ لا تأخذه سنة ولا نوم } السنة فتور يتقدم النوم قال ابن الرقاع :

وسنان أقصده النعاس فرنقت *** في عينه سنة وليس بنائم

والنوم حال تعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة ، بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأسا ، وتقديم السنة عليه وقياس المبالغة عكسه على ترتيب الوجود ، والجملة نفي للتشبيه وتأكيد لكونه حيا قيوما ، فإن من أخذه نعاس أو نوم كان موؤف الحياة قاصرا في الحفظ والتدبير ، ولذلك ترك العاطف فيه وفي الجمل التي بعده . { له ما في السموات وما في الأرض } تقرير لقيوميته واحتجاج به على تفرده في الألوهية ، والمراد بما فيهما داخلا في حقيقتهما أو خارجا عنهما متمكنا فيهما فهو أبلغ من قوله : { له السماوات والأرض وما فيهن } ، { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } بياسن لكبرياء شأنه سبحانه وتعالى ، وأنه لا أحد يساويه أو يدانيه يستقل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضلا عن أن يعاوقه عنادا أو مناصبة أي مخاصمة . { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } ما قبلهم وما بعدهم ، أو بالعكس لأنك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي ، أو أمور الدنيا وأمور الآخرة ، أو عكسه ، أو ما يحسونه وما يعقلونه ، أو ما يدركونه وما لا يدركونه ، والضمير لما في السماوات والأرض ، لأن فيهما العقلاء ، أو لما دل عليه من ذا من الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام . { ولا يحيطون بشيء من علمه } من معلوماته . { إلا بما شاء } أن يعلموه ، وعطفه على ما قبله لأن مجموعهما يدل على تفرده بالعلم الذاتي التام الدال على وحدانيته سبحانه وتعالى . { وسع كرسيه السماوات والأرض } تصوير لعظمته وتمثيل مجرد كقوله تعالى { وما قدروا الله حق قدره } { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه } ولا كرسي في الحقيقة ، ولا قاعد . وقيل كرسيه مجاز عن علمه أو ملكه ، مأخوذ من كرسي العالم والملك . وقيل جسم بين يدي العرش ولذلك سمي كرسيا محيط بالسماوات السبع ، لقوله عليه الصلاة والسلام " ما السماوات السبع والأرضون السبع من الكرسي ، إلا كحلقة في فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة " ولعله الفلك المشهور بفلك البروج ، وهو في الأصل اسم لما يقعد عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد ، وكأنه منسوب إلى الكرسي وهو الملبد . { ولا يؤوده } أي ولا يثقله ، مأخوذ من الأود وهو الاعوجاج . { حفظهما } أي حفظه السماوات والأرض ، فحذف الفاعل وأضاف المصدر إلى المفعول . { وهو العلي } المتعالي عن الأنداد والأشباه . { العظيم } المستحقر بالإضافة إليه كل ما سواه .

وهذه الآية مشتملة على أمهات المسائل الإلهية ، فإنها دالة على أنه تعالى موجود واحد في الألوهية ، متصف بالحياة ، واجب الوجود لذاته موجد لغيره ، إذ القيوم هو القائم بنفسه المقيم لغيره ، منزه عن التحيز والحلول ، مبرأ عن التغير والفتور ، لا يناسب الأشباح ولا يعتريه ما يعتري الأرواح ، مالك الملك والملكوت ، ومبدع الأصول والفروع ، ذو البطش الشديد ، الذي لا يشفع عنده إلا من أذن له عالم الأشياء كلها ، جليها وخفيها ، كليها وجزئيها ، واسع الملك والقدرة ، كل ما يصح أن يملك ويقدر عليه ، لا يؤده شاق ، ولا يشغله شأن ، متعال عما يدركه ، وهو عظيم لا يحيط به فهم ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " إن أعظم آية في القرآن آية الكرسي ، من قرأها بعث الله ملكا يكتب من حسناته ، ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة " . وقال " من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة ، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ} (255)

{ اللَّهُ لآ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ }

هذه سيدة آي القرآن ، ورد ذلك في الحديث( {[2428]} ) وورد أنها تعدل ثلث القرآن( {[2429]} ) ، وورد أن من قرأها أول ليله لم يقربه شيطان( {[2430]} ) ، وكذلك من قرأها أول نهاره . وهذه متضمنة التوحيد والصفات العلى ، و { الله } مبتدأ ، و { لا إله } مبتدأ ثانٍ ، وخبره محذوف تقديره معبود أو موجود ، و { إلا } هو بدل من موضع { لا إله } ، و { الحي } صفة من صفات الله تعالى ذاتية ، وذكر الطبري ، عن قوم أنهم قالوا : الله تعالى حي لا بحياة . وهذا قول المعتزلة وهو قول مرغوب عنه ، وحكي عن قوم أنه حي بحياة هي صفة له ، وحكي عن قوم أنه يقال حي كما وصف نفسه ، ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه( {[2431]} ) ، و { القيوم } فيعول من القيام أصله قيووم اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الأولى في الثانية بعد قلب الواو ياء ، وقيوم بناء مبالغة أي : هو القائم على كل أمر بما يجب له ، وبهذا المعنى فسره مجاهد والربيع والضحاك ، وقرأ ابن مسعود وعلقمة وإبراهيم النخعي والأعمش : «الحي القيوم » بالألف( {[2432]} ) ثم نفى عز وجل أن تأخذه { سنة } أو { نوم } ، وفي لفظ الأخذ غلبة ما ، فلذلك حسنت في هذا الموضع بالنفي ، والسنة بدء النعاس ، وهو فتور يعتري الإنسان وترنيق في عينيه ، وليس يفقد معه كل ذهنه ، والنوم هو المستثقل الذي يزول معه الذهن ، والمراد بهذه الآية أن الله تعالى لا تدركه آفة ولا يلحقه خلل بحال من الأحوال ، فجعلت هذه مثالاً لذلك وأقيم هذا المذكور من الآفات مقام الجميع ، وهذا هو مفهوم الخطاب كما قال تعالى : { فلا تقل لهما أف }( {[2433]} ) [ الإسراء : 23 ] ، ومما يفرق بين الوسن والنوم قول عدي بن الرقاع : [ الكامل ]

وَسْنان أَقْصَدُه النُّعاسُ فَرنّقَتْ . . . في عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بنائِمِ( {[2434]} )

وبهذا المعنى في السنة فسر الضحاك والسدي ، وقال ابن عباس وغيره : السنة النعاس ، وقال ابن زيد : الوسنان ، الذي يقوم من النوم وهولا يعقل حتى ربما جرد السيف على أهله .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا الذي قال ابن زيد فيه نظر وليس ذلك بمفهوم من كلام العرب ، وروى أبو هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى على المنبر قال : «وقع في نفس موسى هل ينام الله جل ثناؤه ؟ فأرسل الله إليه ملكاً فأرقه ثلاثاً لم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما ، قال : فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ، ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى حتى نام نومة فاصطفقت فانكسرت القارورتان »

قال : ضرب الله مثلاً أن لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض( {[2435]} ) ، وقوله تعالى : { له ما في السموات وما في الأرض } أي بالملك . فهو مالك الجميع وربه ، وجاءت العبارة ب { ما } وإن كان في الجملة من يعقل من حيث المراد الجملة والموجود ، ثم قرر ووقف تعالى على من يتعاطى أن { يشفع عنده } أو يتعاطى ذلك فيه إلا أن يأذن هو في ذلك لا إله إلا هو( {[2436]} ) وقال الطبري : هذه الآية نزلت لما قال الكفار : ما نعبد أوثاننا هذه إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، فقال الله : { له ما في السموات وما في الأرض } الآية تقرر في هذه الآية أن الله يأذن لمن يشاء في الشفاعة وهنا هم الأنبياء والعلماء وغيرهم ، والإذن هنا راجع إلى الأمر فيما نص عليه ، كمحمد صلى الله عليه وسلم إذا قيل له : واشفع تشفع( {[2437]} ) وإلى العلم والتمكين إن شفع أحد من الأنبياء والعلماء قبل أن يؤمر ، والذي يظهر أن العلماء والصالحين يشفعون فيمن لم يصل إلى النار ، وهو بين المنزلتين أو وصل ولكن له أعمال صالحة( {[2438]} ) .

وفي البخاري( {[2439]} ) ، في باب بقية من باب الرؤية ، أن المؤمنين يقولون : ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا ، فهذه شفاعة فيمن يقرب أمره ، وكما يشفع الطفل المحبنطىء على باب الجنة الحديث( {[2440]} ) ، وهذا إنما هو في قرابتهم ومعارفهم وأن الأنبياء يشفعون فيمن حصل في النار من عصاة أممهم بذنوب دون قربى ولا معرفة إلا بنفس الإيمان ثم تبقى شفاعة أرحم الراحمين في المستغرقين بالذنوب الذين لم تنلهم شفاعة الأنبياء .

وأما شفاعة محمد في تعجيل الحساب فخاصة له ، وهي الخامسة التي في قوله : «وأعطيت الشفاعة » وهي عامة للناس ، والقصد منها إراحة المؤمنين ، ويتعجل للكفار منها المصير إلى العذاب ، وكذلك إنما يطلبها إلى الأنبياء المؤمنون ، والضميران في قوله : { أيديهم وما خلفهم } عائدان على كل من يعقل ممن تضمنه قوله : { له ما في السموات وما في الأرض } ، وقال مجاهد { ما بين أيديهم } الدنيا { وما خلفهم } الآخرة ، وهذا صحيح في نفسه عند موت الإنسان ، لأن ما بين اليد هو كل ما تقدم الإنسان ، وما خلفه هو كل ما يأتي بعده ، وبنحو قول مجاهد قاله السدي وغيره .

قوله عز وجل :

{ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }

قوله تعالى : { ولا يحيطون بشيء من علمه } معناه : من معلوماته( {[2441]} ) ، وهذا كقول الخضر لموسى عليهما السلام حين نقر العصفور من حرف السفينة : ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر ، فهذا وما شاكله راجع إلى المعلومات ، لأن علم الله تعالى الذي هو صفة ذاته لا يتبعض ، ومعنى الآية ، لا معلوم لأحد إلا ما شاء الله أن يعلمه ، واختلف الناس في الكرسي الذي وصفه الله تعالى بأنه وسع السموات والأرض ، فقال ابن عباس : { كرسيه } علمه ، ورجحه الطبري : وقال : منه الكراسة للصحائف التي تضم العلم ، ومنه قيل للعلماء الكراسيّ ، لأنهم المعتمد عليهم ، كما يقال : أوتاد الأرض ، وهذه الألفاظ تعطي نقض ما ذهب إليه من أن الكرسي العلم ، قال الطبري : ومنه قول الشاعر :

تحف بهم بيض الوجوه وعصبة . . . كراسيّ بالأحداث حين تنوب( {[2442]} )

يريد بذلك علماء بحوادث الأمور ونوازلها ، وقال أبو موسى الأشعري : الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل( {[2443]} ) ، وقال السدي : هو موضع قدميه .

قال القاضي أبو محمد : وعبارة أبي موسى مخلصة( {[2444]} ) لأنه يريد هو من عرش الرحمن كموضع القدمين في أسرة الملوك ، وهو مخلوق عظيم بين يدي العرش نسبته إليه نسبة الكرسي إلى سرير الملك ، والكرسي هو موضع القدمين ، وأما عبارة السدي فقلقة ، وقد مال إليها منذر البلوطي( {[2445]} ) وتأولها بمعنى : ما قدم من المخلوقات( {[2446]} ) على نحو ما تأول في قول النبي عليه السلام فيضع الجبار فيها قدمه( {[2447]} ) . قال أبو محمد وهذا عندي عناء ، لأن التأويل لا يضطر إليه إلا في ألفاظ النبي عليه السلام وفي كتاب الله ، وأما في عبارة مفسر فلا ، وقال الحسن بن أبي الحسن : الكرسي هو العرش نفسه .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش ، والعرش أعظم منه( {[2448]} ) ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس »( {[2449]} ) ، وقال أبو ذر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت في فلاة من الأرض » ، وهذه الآية منبئة عن عظم مخلوقات الله تعالى ، والمستفاد من ذلك عظم قدرته إذ { لا يؤوده } حفظ هذا الأمر العظيم ، و { يؤوده } : معناه يثقله ، يقال آدني( {[2450]} ) الشيء بمعنى أثقلني وتحملت منه مشقة ، وبهذا فسر اللفظة ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم ، وروي عن الزهري وأبي جعفر والأعرج بخلاف عنهم ، تخفيف الهمزة التي على الواو الأولى ، جعلوها بين بين لا تخلص واواً مضمومة ولا همزة محققة ، كما قيل في لؤم لوم ، و { العلي } : يراد به علو القدر والمنزلة لا علو المكان ، لأن الله منزه عن التحيز ، وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا : هو العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا قول جهلة مجسمين( {[2451]} ) ، وكان الوجه أن لا يحكى وكذا { العظيم } هي صفة بمعنى عظم القدر والخطر ، لا على معنى عظم الأجرام ، وحكى الطبري عن قول : أن { العظيم } معناه المعظم ، كما يقال العتيق بمعنى المعتق وأنشد قول الأعشى :

وكأن الخمر العتيق من الأس . . . فنط ممزوجة بماء زلال( {[2452]} )

وذكر عن قوم أنهم أنكروا ذلك وقالوا : لو كان بمعنى معظم لوجب أن لا يكون عظيماً قبل أن يخلق الخلق وبعد فنائهم ، إذ لا معظم له حينئذ .


[2428]:- رواه أبو عبد الله الحاكم في "المستدرك" من طريق حكيم بن جبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن، لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي). قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجوه، كذا قال، ورواه الترمذي من حديث زائدة، عن حكيم بن جبير ولفظه: (لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة، وفيها آية هي سيدة آي القرآن: آية الكرسي) ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير، وقد تكلم فيه شعبة وضعَّفه، قال الحافظ بن كثير: وكذا ضعفه أحمد، ويحيى بن معين، وغير واحد من الآئمة، وتركه ابن مهدوي، وكذّبه السعدي.
[2429]:- وما ورد في حديث الترمذي وابن أبي شيبة أنها تعدل ربع القرآن ضعيف كما قاله الحافظ ابن حجر.
[2430]:- روى ذلك النسائي، وأبو يعلى، وابن حبان، عن أُبي بن كعب في قصة الجن الذي كان يأخذ من ثمره فأخذه فذكر له ذلك فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له صدق في قوله.
[2431]:- قال أبو (ح) في "البحر المحيط" (2-277): وهو وصف لمن قامت به الحياة: وهو بالنسبة إلى الله تعالى صفة من صفات الذات – حي بحياة لم تزل، ولا تزول. وفُسِّر هنا بالباقي كما في قول لبيد: فإمَّا تَرَيْنـي اليوم أصبحتُ سالمـاً فلست بأحيا من كلابٍ وجَعْفَــرَ أي: قلت بأبقى.
[2432]:- وأصله: قَيْوَام، على وزن فيعال، ففعل به ما فُعل بقيُّوم، ونسب البخاري هذه القراءة في صحيحه إلى عمر بن الخطاب، والقيُّوم والقيَّام كلاهما من صيغ المبالغة ولا يستعملان ي غير المدح.
[2433]:- الآية عبارة عن النهي عن كل ما يؤذي الوالدين فكذلك قوله تعالى: [لا تـأخذه سنة ولا نوم] عبارة عن نفي كل آفة عنه سبحانه كالسِّنة والنوم، ولا يلزم من نفي السنة نفي النوم، فإن النوم قد يهجم ابتداء أي دفعة واحدة، وأيضا فإن النوم أقوى من السنة، لأنه سلطان، وفي الصحيح: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام) – وقوله: [فلا تقل لهما أف] من الآية (23) من سورة الإسراء.
[2434]:- البيت في وصف ظبي شبَّه به امرأة وقبله: لو الحياءُ وأنَّ رأسي قد عَسَا فيه المشيبُ لزُرْتُ أم القاسِـم وكأنها وسْطَ النساء أعَارهـا عينيه أحْوَرُ من جآذر جاسـم فقوله: وسنان، صفة لقوله في البيت الذي قبله: أحور، والترنيق: مخالطة النوم للعين، وعدي بن الرفاع شاعر إسلامي كنيته أبو داود.
[2435]:- هذا الحديث غير صحيح، فقد ضعفه البيهقي وغيره، وقال أبو (ح) رحمه الله: قال بعض معاصرينا: هذا حديث وضعه الحشوية، إذ المؤمن لا يتشكك في أن الله ينام أو لا ينام، فكيف بالرسل عليهم الصلاة والسلام ؟ وحديث أبي هريرة هذا رواه أبو جعفر الطبري في تفسيره، وروى الزمخشري القصة في تفسيره بصورة أخرى، وعلق عليه أبو (ح) التعليق السابق.
[2436]:- لعل أصل هذه الجملة: «ثم قرر تعالى وقف – أي منع – من يتعاطى أن يشفع عنده. إلا أن يأذن هو فيه جلا وعلا»، والذي يتعاطى الشفاعة عنده هم الأنبياء وورثتهم. فشفاعة الآخرة ليست كشفاعة الدنيا تقع بدون إذن المشفوع عنده، بل لا يشفع أحد في الآخرة إلا بعد الإذن له، والله أعلم.
[2437]:- في حديث الشفاعة: عندما يشتد الموقف بالناس يذهبون إلى الأنبياء قصد الشفاعة لهم عند الله في تعجيل الحساب فيعتذرون، فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيسجد تحت العرش فيقال له: يا محمد ارفع رأسك، واشفع تشفع، وسَلْ تُعْطى – فهذا أمر بالنّص. والشفاعة في تعجيل الحساب خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم – والشفاعة في أهل العذاب بعامة.
[2438]:- ناقشه الإمام (ق) في هذا وقال: إن كيفية الشفاعة قد بينها الإمام مسلم في صحيحه بيانا شافياً، وذكر من حديث أبي سعيد الخدري، ومن حديث أنس بن مالك، ومن حديث أبي هريرة، ثم قال: دلت هذه الأحاديث على أن شفاعة المؤمنين وغيرهم إنما هي لمن دخل النار وحصل فيها، أعاذنا الله منها، فقول ابن عطية: ممّن "لم يصل إلى النار أو وصل ولكن" دليل على أنه رحمه الله لم ينظر كتاب مسلم، أو أنه أخذ ذلك من أحاديث أُخر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[2439]:- راجعه في كتاب التوحيد عن قوله: باب قول الله تعالى: [وجوه يومئذ ناضرة إلى ربّها ناظرة].
[2440]:- يريد بالمحبنطئ اللازق بالأرض، والحديث المراد: (إن السقط يظل محبنطئا على باب الجنة).
[2441]:- والدليل على ذلك الاستثناء بالآية الكريمة، فإنه إنما يأتي على المعلومات لا على العلم الذي هو صفة الله تبارك وتعالى.
[2442]:- العصمة: الجماعة من الناس. وتنوب: تنزل أو ترجع مرة بعد مرة. والبيت في البحر المحيط وهو غير منسوب هناك أيضا.
[2443]:- روى ابن جرير الطبري بسنده، عن عبد الله بن خليفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإنه ليقعد عليه، فما يفضل منه مقدار أربع أصابع، ثم قال بأصبعه فجمعها، وإن له أطيطا كأطيط الرجل الجديد إذا ركب من ثقله) ا. هـ. والأطيط هو الصوت.
[2444]:- خلاصة الآراء: قيل: إنه العرش، وقيل: إنه موضع القدمين، وروي عن ابن عباس أنه العلم، وأيده الطبري بشعر لا يعرف قائله، وأشار صاحب لسان العرب إلى رواية عمار الدهني عن ابن عباس أنه موضع القدمين، وأما العرش فإنه لا يقدر قدره، وقال: إن هذه الرواية اتفق أهل العلم على صحتها، ومن رُوي عنه أنه العِلم فقد أبطل، وظاهر أن تفسير ابن عباس رضي الله عنهما أصح التفاسير إذا صح الإسناد إليه.
[2445]:- ينسب إلى ناحية بالأندلس تسمى "فحص البلّوط"، واسمه: منذر بن سعيد القاضي بالأندلس، وقد تقدم ذكر شيء من حياته لدى قوله تعالى: [فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة]، وهو أديب محق، وخطيب بليغ، وقاض من مشاهير القضاة بالأندلس، كان بصيرا بالجدل، وله كتب في القرآن، توفي 355هـ، رقم 3 ص 205 من الجزء الأول.
[2446]:- فإن السموات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش، وهو موضع قدميه، أي موضع ما قدم من المخلوقات كالأرض والسموات التي في جوفه.
[2447]:- أي في جهنم، بمعنى أنها لا تسكن حتى يضع الله فيها قدمه، أي حتى يجعل الله فيها الذين قدّمهم لها من شرار خلقه، فهم قدم الله من النار، كما أن المسلمين قدمه إلى الجنة، والقدم كل ما قدمت من خير أو شر.
[2448]:- يعني أن ما ذكره الحسن البصري خلاف ما تقتضيه الأحاديث من أن الكرسي غير العرش.
[2449]:- رواه ابن جرير الطبري في تفسيره، عن ابن زيد، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس) قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما الكرسي في العرش إلى آخره).
[2450]:- يقال: آده يؤوده أوداً: أثقله، واسم المفعول مؤود، ومنه قوله تعالى: [ولا يؤوده حفظهما] ويقال أيضا: وأد البنت يئدها وأداً: أثقلها بالتراب فهي موءودة – ومنه قوله تعالى: [وإذا الموءودة سئلت. بأي ذنب قتلت] فالمادتان ترجعان إلى معنى واحد.
[2451]:- الخلاف في إثبات الجهة معروف عند السلف والخلف، والأدلة من الكتاب والسنة معروفة ولكن الناشئ على مذهب يرى غيره خارجا عن الشرع، ولا ينظر في أدلته، ولا يلتفت إليها، والكتاب والسنة هما المعيار الذي يعرف به الحق من الباطل، ويتبين به الصحيح من الفاسد، هذا ما قاله العلامة الشوكاني، ولكن الشيء الذي لا خلاف فيه ولا نزاع هو قوله تعالى: [ليس كمثله شيء وهو السميع البصير].
[2452]:- ممزوجة: حال، وخبر، كأن البيت بعده، والخمر المعتقة: القديمة، معروفة عند أهلها، والإسفنط ضرب من الشراب، فارسي معرب، وهو بفتح الفاء وكسرها – قيل: إنه من عصير العنب، وقال الأصمعي: هو اسم رومي.