{ 2 هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب }- وهم يهود بني النضير - { من ديارهم }عند أول إخراج لهم من جزيرة العرب . { ما ظننتم }- أيها المسلمون-{ أن يخرجوا }من ديارهم لقوتهم ، { وظنوا }- هم - { أنهم مانعتهم حصونهم }من بأس الله ، فأخذهم الله من حيث لم يظنوا أن يؤخذوا من جهته ، وألقى في قلوبهم الفزع الشديد ، يخربون بيوتهم بأيديهم ليتركوها خاوية ، وأيدي المؤمنين ليقضوا على تحصنهم ، فاتعظوا بما نزل بهم يا أصحاب العقول .
ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر فضله على المؤمنين ، حيث نصرهم على أعدائهم ، فقال : { هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحشر . . } .
والمراد بالذين كفروا من أهل الكتاب هنا : يهود بنى النضير ، وقصتهم معروفة فى كتب السنة والسيرة ، وملخصها : أن هؤلاء اليهود كانوا يسكنون فى ضواحى المدينة فذهب إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليستعين بهم فى دفع دية لقتيلين قتلهما بعض المسلمين خطأ ، فاستقبلوه استقبالا حسنا ، وأظهروا له - صلى الله عليه وسلم - استعدادهم للمساعدة فيما يطلبه منهم ، ثم خلا بعضهم ببعض وقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ، فمن منكم يصعد إلى أعلى هذا البيت الذى يجلس تحته محمد - صلى الله عليه وسلم - فيلقي عليه حجرا فيريحنا منه .
فتعهد واحد منهم بذلك ، وقبل أن يتم فعله ، نزل جبريل - عليه السلام - على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما أضمره اليهود من غدر وخيانة فرجع - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة - وأخبر أصحابه بما أضمره له يهود بني النضير ، ونزل قوله - تعالى - : { يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ واتقوا الله وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يستعدوا لحصار بني النضير ، وتأديبهم على غدرهم . . . فحاصرهم المؤمنون بضعا وعشرين ليلة ، وانتهى الأمر بإجلائهم ، عن المدينة ، فمنهم من ذهب إلى خبير ، ومنهم من ذهب إلى غيرها .
واللام فى قوله - تعالى - : { لأَوَّلِ الحشر } متعلقة بأخرج ، والحشر : الجمع ، يقال : حشر القائد جنده إذا جمعهم ، ومنه قوله - تعالى - : { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجن والإنس والطير فَهُمْ يُوزَعُونَ } أى : هو - سبحانه - الذى أخرج - بقدرته - الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم ، وهم يهود بنى النضير عند مبدا الحشر المقدر لهم فى علمه ، بأن مكنكم - أيها المؤمنون - من محاصرتهم وجمعهم فى مكان واحد ، ثم طردهم من المدينة المنورة إلى أماكن أخرى ، بسبب غدرهم وسوء صنيعهم .
قال صاحب الكشاف : اللام فى قوله : { لأَوَّلِ الحشر } تتعلق بأخرج ، وهى مثل اللام فى قوله : { ياليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } وفى قولك : جئته لوقت كذا . . .
والمعنى : أخرج الذين كفروا عند أول الحشر . ومعنى أول الحشر : أن هذا أول حشرهم إلى الشام ، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط . . . أو المعنى : هذا أول حشرهم ، وآخر حشرهم : إجلاء عمر - رضى الله عنه - لهم من خيبر إلى الشام .
وقيل معناه : أخرجهم من ديارهم لأول ما حشر لقتالهم ، لأنه أول قتال قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقصر - سبحانه - إخراجهم عليه فقال : { هو الذى أخرج الذين كفروا } ، مع أن المسلمين قد اشتركوا فى إخراجهم عن طريق محاصرتهم ؛ للإشعار بأن السبب الحقيقى فى إخراجهم من ديارهم ، هو ما قذفه الله - تعالى - فى قلوبهم من الرعب . . . أما محاصرة المؤمنين لهم فهي أسباب فرعية ، قد تؤدي إلى أخراجهم ، وقد لا تؤدي ، وللإشعار - أيضا - بأن كل شىء إنما هو بقضاء الله وقدره .
ووصفهم - سبحانه - بالكفر وبأنهم من أهل الكتاب ، للتشنيع عليهم وزيادة مذمتهم ، حيث إنهم جمعوا بين رذيلتين : رذيلة الكفر بالحق ، ورذيلة عدم العلم بكتابهم الذي أمر باتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل ، والذى يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر .
و " من " في قوله - تعالى - : { مِنْ أَهْلِ الكتاب } للبيان ، حتى لا يظن بأن المراد بالذين كفروا هنا ، مشركو قريش ، وإن كان الجميع يشتركون فى الكفر والفسوق والعصيان .
وقوله - تعالى - : { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ . . . } تذكير للمؤمنين بنعم الله - تعالى - عليهم .
أي : ما ظننتم - أيها المؤمنون - أن يهود بني النضير سيخرجون من ديارهم بتلك السهولة ، وذلك لتملكهم لألوان من القوة ، كقوة السلاح ، وكثرة العدد ، ووجود من يحميهم ممن يسكنون معكم فى المدينة ، وهم حلفاؤهم من بنى قومهم ، كبنى قريظة وغيرهم ، ومن غير بنى قومهم كالمنافقين الذين وعدوهم ومنوهم .
وقوله : { وظنوا أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ الله } معطوف على ما قبله .
أي : أنتم - أيها المؤمنون - ظننتم أن اليهود لن يخرجوا من ديارهم لما معهم من قوة ، وهم - أيضا - ظنوا أن حصونهم ستمنع بأس الله عنهم ، وأنها ستحول بينهم وبين خروجهم منها ، ونَصْرِكم عليهم .
وقوله - سبحانه - : { فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب . . } متفرع عن الظن السابق ، الذى ظنه المؤمنون ، والذي ظنه أعداؤهم وهم بنو النضير .
أى : أنتم ظننتم أنهم لن يخرجوا من ديارهم ، وهم ظنوا - أيضا - أن حصونهم ستمنعهم من نصركم عليهم ، فكانت النتيجة أن أتاهم بأس الله وعقابه من حيث لم يحتسبوا ومن حيث لم يخطر ببال ، بأن قذف فى قلوبهم الرعب والفزع فخرجوا من حصونهم التى تمنعوا بها ، ومن ديارهم التى سكنوها زمنا طويلا صاغرين أذلاء .
والتعبير بقوله : { مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } إشارة إلى أن ما نزل بهم من هزيمة ، لم يكونوا يتوقعونها أصلا ، إذ الاحتساب مبالغة فى الحسبان ، أي : أتاهم عقاب الله - تعالى - من المكان الذى كانوا يعتقدون أمانهم فيه ، وفى زمان لم يكونوا أصلا يتوقعون حلول هزيمتهم عنده .
وعبر - بحانه - بالقذف ، لأنه كناية عن الرمى بقوة وعنف وسرعة . والرعب : شدة الخوف والفزع ، وأصله : الامتلاء . تقول : رعبت الحوض إذا ملأته .
أي : وقذف - سبحانه - في قلوبهم الرعب الذي ملأها بالجزع والفزع فاستسلموا بسبب ذلك لما حكم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليهم .
ثم ين - سبحانه - ما حدث منهم خلال جلائهم فقال : { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار } والتخريب : إسقاط البناء وهدمه أو إفساده .
أي : أن هؤلاء اليهود ، بلغ من سوء نيتهم ، ومن اضطراب أمرهم ، أنهم عندما أجمعوا أمرهم على الرحيل عن المدينة ، أخذوا يخربون بيوتهم بأيديهم ، عن طريق إسقاط بنائها ، وهدم السليم منها ، وإزالة ما اشتملت عليه من أبواب وغيرها . . . حتى لا ينتفع المسلمون بها من بعدهم . .
وأخذوا يخربونها - أيضا - بأيدي المؤمنين ، أي : بسبب أن المؤمنين كانوا يزيلون من طريقهم كل عقبة حتى يقتحموا عليهم ديارهم ، فترتب على ذلك أن هدموا بعض بيوت بني النضير من الخارج ، ليستطيعوا التمكن منهم .
قال صاحب الكشاف : ما معنى تخريبهم لها بأيدى المؤمنين ؟ قلت : لما عرَّضوهم لذلك ، وكانوا السبب فيه . فكأنهم أمروهم به ، وكلفوهم إياه . .
أي : أن يهود بنى النضير بسبب تحصنهم فى ديارهم ، ومحاولتهم عدم النزول على حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - حملوا المؤمنين على تخريب هذه الحصون من الخارج ، ليدخلوا عليهم . . .
والخطاب في قوله - تعالى - : { فاعتبروا ياأولي الأبصار } لكل من يصلح له .
قال الجمل فى حاشيته : والاعتبار مأخوذ من العبور والمجاوزة من شىء إلى شىء ، ولهذا سميت العبرة عبرة ، لأنها تنتقل من العين إلى الخد . وسمى علم التعبير بذلك ، لأن صاحبه ينتقل من المتخيل إلى المعقول ، وسميت الألفاظ عبارات ، لأنها تنقل المعانى من لسان القائل إلى عقل المستمع ، ويقال : السعيد من اعتبر بغيره ، لأنه ينتقل بواسطه عقله من حال ذلك الغير إلى حال نفسه ، ولهذا قال القشيرى : الاعتبار هو النظر فى حقائق الأشياء ، وجهات دلالتها ، ليعرف بالنظر فيها شىء آخر ، أى : إذا كان الأمر كان بينا لكم - أيها الناس - ، فاعتبروا واتعظوا يا أصحاب العقول السليمة ، والعيون الناظرة ، بما جرى لهؤلاء اليهود ، حيث دبر الله - تعالى - أمر إخراجهم من ديارهم تدبيرا حكيما ، ونصر المؤمنين عليهم بأيسر طريق ، وجعل ديارهم من بعدهم ، خير عبرة وعظة لكل ذى بصر ، فقد خلفوها من بعدهم شاهد صدق على أن الغدر نهايته الخسران . . . وعلى أن النصر إنما هو لمن اتبع الصدق والوفاء بالعهد . . .
قال الآلوسى : واشتهر الاستدلال بهذه الجملة ، على مشروعية العمل بالقياس الشرعى ، قالوا : لأنه - تعالى - أمر فيها بالاعتبار ، وهو العبور والانتقال من الشىء إلى غيره ، وذلك متحقق فى القياس ، إذ فيه نقل الحكم من الأصل إلى الفرع .
{ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر }أي في أول حشرهم من جزيرة العرب إذ لم يصبهم هذا الذل قبل ذلك أو في أول حشرهم للقتال أو الجلاء إلى الشام وآخر حشرهم إجلاء عمر رضي الله تعالى عنه إياهم من خيبر إليه أو في أول حشر الناس إلى الشام ، وآخر حشرهم أنهم يحشرون إليه عند قيام الساعة فيدركهم هناك أو أن نارا تخرج من المشرق فتحشرهم إلى المغرب ، والحشر إخراج جمع من مكان إلى آخر . { ما ظننتم أن يخرجوا }لشدة بأسهم ومنعتهم ، { وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله }أي أن حصونهم تمنعهم من بأس الله وتغيير النظم وتقديم الخبر وإسناد الجملة إلى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها ، واعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة بسببها ، ويجوز أن تكون حصونهم فاعلا ل مانعتهم { فأتاهم الله }أي عذابه وهو الرعب والاضطرار إلى الجلاء ، وقيل الضمير ل المؤمنين أي فأتاهم نصر الله وقرىء { فآتاهم الله }أي العذاب أو النصر { من حيث لم يحتسبوا }لقوة وثوقهم ، { وقذف في قلوبهم الرعب }وأثبت فيها الخوف الذي يرعبها أي يملؤها { يخربون بيوتهم بأيديهم }ضنا بها على المسلمين وإخراجا لما استحسنوا من آلاتها ، { وأيدي المؤمنين }فإنهم أيضا كانوا يخربون ظواهرها نكاية وتوسيعا لمجال القتال ، وعطفها على أيديهم من حيث أن تخريب المؤمنين مسبب عن نقضهم فكأنهم استعملوهم فيه ، والجملة حال أو تفسير ل الرعب وقرأ أبو عمرو { يخربون } بالتشديد وهو أبلغ لما فيه من التكثير ، وقيل الإخراب التعطيل أو ترك الشيء خرابا ، والتخريب الهدم { فاعتبروا يا أولي الأبصار }فاتعظوا بحالهم فلا تغدروا ولا تعتمدوا على غير الله واستدل به على أن القياس حجة من حيث أنه أمر بالمجاوزة من حال إلى حال وحملها عليها في حكم لما بينهما من المشاركة المقتضية له على ما قررناه في الكتب الأصولية .
و { الذين كفروا من أهل الكتاب } هم بنو النضير ، وكانت قبيلة عظيمة من بني إسرائيل موازية في القدر والمنزلة لبني قريظة ، وكان يقال للقبيلتين الكاهنان ، لأنهما من ولد الكاهن بن هارون ، وكانت أرضهم وحصونهم قريبة من المدينة ، ولهم نخل وأموال عظيمة ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد خرج إلى بني النضير فحاصرهم وأجلاهم على أن يحملوا من أموالهم ما أقلته إبلهم حاشى الحلقة وهي جميع السلاح ، فخرجوا إلى بلاد مختلفة فذلك قوله تعالى : { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر } . وقوله تعالى : { لأول الحشر } اختلف الناس في معنى ذلك بعد اتفاقهم على أن { الحشر } : الجمع والتوجيه إلى ناحية ما . فقال الحسن بن أبي الحسن وغيره : أراد حشر القيامة أي هذا أوله ، والقيام من القبور آخره ، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : «امضوا هذا أول الحشر وإنا على الأثر »{[11017]} . وقال عكرمة والزهري وغيرهما : المعنى { لأول }موضع{ الحشر } وهو الشام ، وذلك أن أكثر بني النضير جاءت إلى الشام ، وقد روي أن حشر القيامة هو إلى بلد الشام وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبني النضير{[11018]} «اخرجوا » ، قالوا : إلى أين ؟ قال : «إلى أرض المحشر » ، وقال قوم في كتاب المهدوي : المراد { الحشر } في الدنيا الذي هو الجلاء والإخراج ، فهذا الذي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني النضير أوله ، والذي فعل عمر بن الخطاب بأهل خيبر آخره ، وأخبرت الآية بمغيب وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بجلاء أهل خيبر ، ويحتمل أن يكون آخر الحشر في قول النبي عليه السلام في مرضه : «لا يبقين دينان في جزيرة العرب » ، فإن ذلك يتضمن إجلاء بقاياهم قال الخليل في ما حكى الزجاج : سميت جزيرة لأنه أحاط بها بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات ، وفي هذه الإحاطة نظر . وقوله تعالى : { ما ظننتم أن يخرجوا } معناه : لمنعتهم وكثرة عددهم ، فلم تكن آمالكم وظنونكم تنتهي إلى أنهم يخرجون ويدعون أموالهم لكم ، وبحسب ذلك من المنعة والعدد والتحصن ظنوا هم أن لن يقدر عليهم وقوله تعالى : { من الله } يريد : من جند الله حزب الله وقوله تعالى : { فأتاهم الله } عبارة عن إظهاره تعالى المسلمين عليهم وإلقائهم في حيز الهزم والذل .
وقرأ الجمهور : «الرعْب » بسكون العين ، وقرأ أبو جعفر وشيبة ، بضم العين ، واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى : { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } ، فقال الضحاك والزجاج وغيره : كلما هدم المسلمون من حصنهم في القتال هدموا هم من البيوت وخربوا الحصون دأباً فهذا معنى تخريبهم . وقال الزهراوي وغيره كانوا لما أبيح لهم ما تستقل به الإبل لا يدعون خشبة حسنة ولا نجافاً{[11019]} ولا سارية إلا قلعوه وخربوا البيوت عنه ، وقوله تعالى : { وأيدي المؤمنين } من حيث فعلهم ، وكفرهم داعية إلى تخريب المؤمنين بيوتهم ، فكأنهم قد خربوها هم بأيدي المؤمنين . وقال جماعة من المفسرين : إنهم لما أزمعوا الجلاء شحوا على ترك البيوت سليمة للمؤمنين فهدموا وخربوا لمعنى الإفساد على من يأتي . قال قتادة : خرب المؤمنون من خارج ليدخلوا وخربوا هم من داخل . وقرأ جمهور القراء : «يخْرِبون » بسكون الخاء وتخفيف الراء . وقرأ أبو عمرو وحده والحسن بخلاف عنه وقتادة وعيسى بفتح الخاء وشد الراء . فقال فريق من العلماء اللغويين القراءتان بمعنى واحد وقال أبو عمرو بن العلاء : خرب ، معناه : هدم وأفسد وأخرب معناه ترك الموضع خراباً وذهب عنه ، ثم نبه تعالى المؤمنين وغيرهم ممن له أن ينظر على نصرة رسوله وصنعه له فيمن حاده وناوأه بقوله تعالى : { فاعتبروا يا أولي الأبصار } أي العيون والأفهام .