جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن يَخۡرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ} (2)

{ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب } بني النضير ، { من ديارهم } لما نقضوا العهد أحل الله بهم بأسه فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم الحصينة التي ما طمع بتسخيرها أحد إلى أذرعات من أعمال الشام وهي أرض المحشر ، ولذلك قال :{ لأول{[4959]} الحشر } أي : لابتداء{[4960]} : الحشر صرح به ابن عباس رضي الله عنهما وكثير من السلف{[4961]} ، وعن الحسن رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام لبني النضير : " هذا أول الحشر وأنا على{[4962]} الأثر " قيل : هم أول من أجلى من جزيرة العرب فهم أول المحشورين فإن الحشر إخراج جمع من مكان إلى آخر ، { ما ظننتم } أيها المؤمنون { أن يخرجوا } لشدتهم وشدة حصونهم ، { وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله } أي : زعموا أن حصونهم تمنعهم من بأس الله تعالى فحصونهم مبتدأ ومانعتهم خبره ، أو حصونهم فاعل مانعتهم ، لاعتماده فإنه في الحقيقة خبر المبتدأ وفي هذا النظر{[4963]} دلالة على فرط وثوقهم بحصونهم واعتقادهم أنهم في عزة بسببها ، { فأتاهم الله } عذابه { من حيث لم يحتسبوا } من حيث لم يخطر ببالهم ، { وقذف } ألقى { في قلوبهم الرعب يخرجون بيوتهم } الجملة حال ، { بأيديهم وأيدي المؤمنين } فإنهم يقلعون الأبواب وما استحسنوه من السقوف ويحملون معهم والباقي يخربه المؤمنون واليهود عرّضت المؤمنين لذلك وكانت السبب فيه فهم خربوا ديارهم بأيدي المؤمنين { فاعتبوا } فاتعظوا { يا أولي الأبصار } ولا تتبعوا أعمالهم وعقائدهم .


[4959]:اللام متعلق بأخرج وهي لام التوقيت أي عند أول الحشر كأقم الصلاة لدلوك الشمس/12.
[4960]:قد أجمع المفسرون على أن هؤلاء المذكورين في الآية هم بنو النضير ولم يخالف في ذلك إلا الحسن البصري فقال: هم بنو قريضة وهو غلط فإن بني قريظة ما حشروا بل قتلوا بحكم سعد بن معاذ أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت: كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكان منزلهم ونخلهم في ناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء على أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح فأنزل الله فيهم {سبح لله ما في السماوات} إلى آخر القصة/12 الدر المنثور.
[4961]:رواه ابن جرير وغيره/12 وجيز.
[4962]:والمشهور أن أرض الشام محشر الخلق يجمع الخلق فيها إلى أرض محشر القيامة وقد صرح بذلك ابن عباس- رضي الله عنه- وجم غفير من عظماء السلف/12 وجيز.
[4963]:الذي هو من باب تقديم الخبر على المبتدأ حيث لم يقل أن حصونهم تمنعهم دلالة على فرط وثوقهم بحصونهم فكأنه لا حصن أمنع من حصونهم/12.