المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

في هذه السورة دعوة إلى القراءة والتعلم ، وأن من قدر على خلق الإنسان من أصل ضعيف قادر على أن يعلمه الكتبة ، يضبط بها العلوم ويتم بها التفاهم ، ويعلمه ما لم يعلم فهو سبحانه مفيض العلم على الإنسان ، وتنبه السورة إلى أن الثراء والقوة قد يدفعان النفوس إلى مجاوزة حدود الله ، ولكن مصير الكل إلى الله في النهاية ، وتوجه الحديث لكل من يصلح للخطاب منذرة الطغاة الصادين عن الخير . مهددة لهم بأخذهم بالنواصي إلى النار ، فلا تنفعهم الأنصار ، وتختم السورة بدعوة الممتثلين إلى مخالفة المعاندين المكذبين والتقرب بالطاعة إلى رب العالمين .

1- اقرأ - يا محمد - ما يوحى إليك مفتتحاً باسم ربك الذي له - وحده - القدرة على الخلق .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة العلق

مقدمة وتمهيد

1- هذه السورة الكريمة تسمى سورة " العلق " ، وتسمى سورة " اقرأ " وعدد آياتها تسع عشرة آية في المصحف الكوفي ، وفي الشامي ثماني عشرة آية ، وفي الحجازي عشرون آية .

وصدر هذه السورة الكريمة يعتبر أول ما نزل من قرآن على النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن أغراضها : التنويه بشأن القراءة والكتابة ، والعلم والتعلم ، والتهديد لكل من يقف في وجه دعوة الإسلام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم من عند ربه –عز وجل- وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله –تعالى- مطلع على ما يبيته له أعداؤه من مكر وحقد ، وأنه –سبحانه- قامعهم وناصره عليهم ، وأمره صلى الله عليه وسلم بأن يمضي في طريقه ، دون أن يلتفت إلى مكرهم أو سفاهاتهم .

وقد أجمع المحققون من العلماء على أن هذه الآيات الكريمة أول ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من قرآن على الإطلاق ، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم . فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح . ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث - أى : فيتعبد - فيه الليالى ذوات العدد ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لذلك ، حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء . فجاءه الملك فقال له : { اقرأ } قال : ما أنا بقارئ ، قال صلى الله عليه وسلم فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى فقال : { اقرأ } فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى فقال : { اقرأ } فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذنى فغطنى الثالثة حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى فقال : { اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ . خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ . . } .

وما ورد من أحاديث تفيد أن أول سورة نزلت هى " سورة الفاتحة " فمحمول على أن أول سورة نزلت كاملة هى سورة الفاتحة .

كذلك ما ورد من أحاديث فى أن أول ما نزل سورة المدثر ، محمول على أن أول ما نزل بعد فترة الوحي . أما صدر سورة العلق فكان نزوله قبل ذلك .

قال الآلوسي - بعد أن ساق الأحاديث التى وردت فى ذلك - : " وبالجملة فالصحيح - كما قال بعض وهو الذى أختاره - أن صدر هذه السورة الكريمة هو أول ما نزل من القرآن على الإِطلاق . وفى شرح مسلم : الصواب أن أول ما نزل " اقرأ " أى : مطلقاً ، وأول ما نزل بعد فترة الوحى " يأيها المدثر " ، وأما قول من قال من المفسرين : أول ما نزل الفاتحة ، فبطلانه أظهر من أن يذكر " .

والذى نرجحه ونميل إليه أن أول قرآن على الإطلاق هو صدر هذه السورة الكريمة إلى قوله { مَا لَمْ يَعْلَمْ } ، لورود الأحاديث الصحيحة بذلك . أما بقيتها فكان نزوله متأخراً .

قال الأستاذ الإِمام : " أما بقية السورة فهو متأخر النزول قطعاً ، وما فيه من ذكر أحوال المكذبين يدل على أنه إنما نزل بعد شيوع خبر البعثة ، وظهور أمر النبوة ، وتحرش قريش لإيذائه صلى الله عليه وسلم " .

وقد افتتحت السورة الكريمة بطلب القراءة من النبى صلى الله عليه وسلم مع أنه كان أميا لتهيئة ذهنه لما سيلقى عليه صلى الله عليه وسلم من وحى . . فقال - سبحانه - : { اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ } . أى : اقرأ - أيها الرسول الكريم - ما سنوحيه إليك من القرآن الكريم- ولتكن قراءتك ملتبسة باسم ربك ، وبقدرته وإرادته ، لا باسم غيره ، فهو - سبحانه - الذى خلق الأشياء جميعها ، والذى لا يعجزه أن يجعلك قارئاً ، بعد كونك لم تكن كذلك .

وقال - سبحانه - ذاته بقوله : { الذي خَلَقَ } للتذكير بهذه النعمة ، لأن الخلق هو أعظم النعم ، وعليه تترتب جميعها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة اقرأ

وهي أول شيء نزل من القرآن .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن عُرْوَة ، عن عائشة قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح . ثم حُبب إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه - وهو : التعبد - الليالي ذواتَ العدد ، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فَتُزَوِّد{[30233]} لمثلها حتى فَجَأه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فيه فقال : اقرأ . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقلت : ما أنا بقارئ " . قال : " فأخذني فَغَطَّني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ، فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فَغَطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } حتى بلغ : { مَا لَمْ يَعْلَمْ } قال : فرجع بها تَرجُف بَوادره{[30234]} حتى دخل على خديجة فقال : " زملوني زملوني " . فزملوه حتى ذهب عنه الرَّوْع . فقال : يا خديجة ، ما لي : فأخبرها الخبر وقال : " قد خشيت علي " . فقالت له : كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ؛ إنك لتصل الرحم ، وتصدُق الحديث ، وتحمل الكَلَّ ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به وَرَقة بن نوفل بن أسَد بن عبد العُزى بن قُصي - وهو ابن عم خديجة ، أخي أبيها ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ، وكتب بالعربية من الإنجيل{[30235]} ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخًا كبيرًا قد عَميَ - فقالت خديجة : أيّ ابن عم ، اسمع من ابن أخيك . فقال ورقة : ابنَ أخي ، ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى{[30236]} ليتني{[30237]} فيها جَذعا أكونُ حيا حين يخرجك قومك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أومخرجيَّ هُم ؟ " . فقال ورقة : نعم ، لم يأت رجل قط بما جئت به{[30238]} إلا عودي ، وإن يُدركني يومك أنصُرْكَ نصرًا مُؤزرًا . [ ثم ] {[30239]} لم ينشَب وَرَقة أن تُوُفِّي ، وفَتَر الوحي فترة حتى حَزن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزنًا غدا منه مرارا كي يَتَردى من رؤوس شَوَاهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه ، تبدى له جبريل فقال : يا محمد ، إنك رسولُ الله حقًا . فيسكن بذلك جأشه ، وتَقَرُّ نفسه فيرجع . فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة الجبل تَبَدى له جبريل ، فقال له مثل ذلك .

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري{[30240]} وقد تكلمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ومعانيه في أول شرحنا للبخاري مستقصى ، فمن أراده فهو هناك محرر ، ولله الحمد والمنة .

فأول شيء [ نزل ]{[30241]} من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات{[30242]} وهُنَّ أول رحمة رَحم الله بها العباد ، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم . وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة ، وأن من كَرَمه تعالى أن عَلّم الإنسان ما لم يعلم ، فشرفه وكرمه بالعلم ، وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة ، والعلم تارة يكون في الأذهان ، وتارة يكون في اللسان ، وتارة يكون في الكتابة بالبنان ، ذهني ولفظي ورسمي ، والرسمي يستلزمهما من غير عكس ، فلهذا قال : { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } وفي الأثر : قيدوا العلم بالكتابة{[30243]} . وفيه أيضا : " من عمل بما علم رزقه{[30244]} الله علم ما لم يكن [ يعلم ]{[30245]} .


[30233]:- (1) في م، أ: "فتزوده".
[30234]:- (2) في أ: "يرجف فؤاده".
[30235]:- (3) في م ،: "وكتب من الإنجيل بالعربية".
[30236]:- (4) في أ: "على عيسى".
[30237]:- (5) في م: "يا ليتني".
[30238]:- (6) في أ: "بمثل ما جئت به".
[30239]:- (7) زيادة من م، أ، والمسند.
[30240]:- (1) المسند (6/232) وصحيح البخاري برقم (3، 4، 4953، 6982، 4955، 3392) وصحيح مسلم برقم (160).
[30241]:- (2) زيادة من م، أ.
[30242]:- (3) في م: "المباركة".
[30243]:- (4) جاء عن عمر - رضي الله عنه - موقوفا، رواه الحاكم في المستدرك (1/106) وابن أبي شيبة في المصنف (9/49) والدارمي في السنن برقم (503). وعن أنس موقوفا، رواه الحاكم في المستدرك (1/106) والرامهرمزي في المحدث الفاصل (ص368)، وجاء مرفوعا من حديث أنس، رواه الخطيب في تقييد العلم (ص 70) والرامهرمزي في المحدث الفاصل (ص 368). ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، رواه الحاكم في المستدرك (1/106) وابن عبد البر في جمع بيان العلم (1/73) والموقوف أصح.
[30244]:- (5) في م: "أورثه".
[30245]:- (6) زيادة من م، أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة القلم{[1]}

بسم الله الرحمن الرحيم سورة العلق وهي مكية بإجماع ، وهي أول ما نزل من كتاب الله تعالى ، نزل صدرها في غار حراء حسب ما ثبت في صحيح البخاري وغيره ، وروي من طريق جابر بن عبد الله أن أول ما نزل { يا أيها المدثر }{[2]} وقال أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل{[3]} : إن أول ما نزل فاتحة الكتاب . والقول الأول أصح ، والترتيب في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي ذلك

في صحيح البخاري في حديث عائشة رضي الله عنها ، قال : أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه التحنث{[11900]} في غار حراء ، فكان يخلو فيه فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد ثم ينصرف حتى جاءه الملك وهو في غار حراء ، فقال له : { اقرأ } ، فقال : ما أنا بقارىء ، قال : فأخذني فغطني{[11901]} ثم كذلك ثلاث مرات ، فقال له في الثالثة : { اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق } إلى قوله { ما لم يعلم } ، قال : فرجع بها رسول ترجف بوادره{[11902]} الحديث بطوله ، ومعنى هذه الآية : { اقرأ } هذا القرآن { باسم ربك } ، أي ابدأ فعلك بذكر اسم ربك ، كما قال : { اركبوا فيها بسم الله }{[11903]} [ هود : 41 ] هذا وجه . ووجه آخر في كتاب الثعلبي أن المعنى : { اقرأ } في أول كل سورة ، وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم ، ووجه آخر أن يكون المقروء الذي أمر بقراءته هو { باسم ربك الذي خلق } ، كأنه قال له : { اقرأ } هذا اللفظ ، ولما ذكر الرب وكانت العرب في الجاهلية تسمي الأصنام أرباباً جاءه بالصفة التي لا شركة للأصنام فيها ، وهي قوله تعالى : { الذي خلق } .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[11900]:التحنث: التعبد، يقال: فلان يتحنث، أي يفعل فعلا يخرج به من الإثم والحرج.
[11901]:بمعنى : ضمني وعصرني عصرا شديدا.
[11902]:الذي في صحيح البخاري، "يرجف فؤاده". والحديث طويل، وبعض ألفاظه تختلف هنا عما في صحيح البخاري، وقد أخرجه عبد الرزاق، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، وابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف، وابن مردويه، والبيهقي من طريق ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وذكر ذلك الواحدي في أول كتابه "أسباب النزول".
[11903]:من الآية 41 من سورة هود.