بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة العلق مكية ، وهي تسع عشرة آية .

قوله تبارك وتعالى : { اقرأ باسم رَبّكَ الذي خَلَقَ } يقول : اقرأ القرآن بأمر ربك ، وهذه أول سورة نزلت من القرآن ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما بلغ أربعين سنة ، كان يسمع صوتاً يناديه يا محمد ، ولا يرى شخصه ، وكان يخشى على نفسه الجنون ، حتى رأى جبريل عليه السلام يوماً في صورته ، فغشي عليه ، فحمل إلى بيت خديجة . فقالوا لها : تزوجت مجنوناً ، فلما أفاق أخبر بذلك خديجة ، فجاءت إلى ورقة بن نوفل ، وكان يقرأ الإنجيل ويفسره . ثم جاءت إلى عداس ، وكان راهباً ، فقال لها : إن له نبأ وشأناً ، يظهر أمره .

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً إلى الوادي ، فجاء جبريل عليه السلام بهذه السورة ، وأمره بأن يتوضأ ويصلي ركعتين ، فلما رجع أعلم بذلك خديجة ، وعلمها الصلاة وذلك قوله : { يا أيها الذين آمَنُواْ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة عَلَيْهَا ملائكة غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] يعني : علموهم وأدبوهم . وروى معمر عن الزهري أنه قال : أخبرني عروة عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة الصادقة ، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح . ثم حُبِّب الخلاءُ إليه - يعني : العزلة - وكان يأتي حراء ، ويمكث هناك ، ثم يرجع إلى خديجة . فجاءه الملك ، وهو على حراء فقال له : { اقرأ } فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني ثانية ، حتى بلغ مني الجهد . ثم أرسلني فقال : { اقرأ } فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثالثة ، ثم أرسلني فقال : { اقرأ باسم رَبّكَ الذي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ * اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم الذي علّم بالقلم علم الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ } فرجع ترجف بوادره ، وقد أخذته الرّعدة ، حتى دخل على خديجة ، فقال : " زملوني زملوني " ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فذلك قوله : { اقرأ باسم رَبّكَ } يعني : اقرأ بعون الله ووحيه إليك ، ويقال معناه { اقرأ باسم رَبّكَ } كقوله : { واذكر اسم ربك } [ المزمل : 8 والإنسان : 25 ] يعني : اذكر ربك الذي خلق الخلائق .