التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مكية وآياتها تسع عشرة .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ اقرأ باسم ربك الذي خلق 1 خلق الإنسان من علق 2 اقرأ وربك الأكرم 3 الذي علم بالقلم 4 علم الإنسان ما لم يعلم } .

هذه السورة أول ما نزل من القرآن . وهذا قول ابن عباس وآخرين . والجمهور على أن فاتحة الكتاب أول ما نزل ثم سورة القلم .

وقد روى الإمام أحمد عن عائشة قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم . فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح . ثم حبب إليه الخلاء . فكان يأتي حراء فيتحنث ( يتعبد ) فيه الليالي ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها ، حتى فاجأه الوحي وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فيه فقال : اقرأ . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني . فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني . فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } حتى بلغ { ما لم يعلم } فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال : " زملوني زملوني " فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال : " يا خديجة : ما لي ؟ " وأخبرها الخبر . وقال : " قد خشيت على نفسي " فقالت له : كلاّ أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان قد تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ، وكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت خديجة : أي ابن عم اسمع من ابن أخيك . فقال ورقة : ابن أخي ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ليتني فيها جذعا{[4832]} ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أو مخرجيّ هم ؟ " فقال ورقة : نعم . لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن أدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا . ثم لم ينشب ورقة أن توفي{[4833]} .

قوله : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } يعني اقرأ القرآن مفتتحا باسم الله ومستعينا به { الذي خلق } الله الذي له الخلق وهو خالق كل شيء .


[4832]:جدعا: الجذع، بالتحريك، معناه الشاب الحدث. انظر القاموس المحيط ص 915.
[4833]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 530.