غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

( سورة العلق مكية ، حروفها مائتان وثمانون ، كلمها اثنتان وسبعون ، آياتها تسع عشرة ) .

1

التفسير : وقد مر في أوائل الكتاب أن أكثر المفسرين زعموا أن هذه السورة أول ما نزل من السماء . وفي الباء وجهان : الأول إنها زائدة وزيف بأنه خلاف الأصل وبأن معناه حينئذ : اذكر اسم ربك فلا يحسن من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول : ما أنا بقارئ كما جاء في الحديث ، وبأنه كتحصيل الحاصل لأنه لم يكن له شغل سوى ذكر الله . والثاني وهو الأصح أنه نصب على الحال أي اقرأ القرآن مفتتحاً أو متلبساً باسم ربك وهو لغو . والباء للآلة ، وقد مر وجهه في تفسير البسملة . وكذا وجه من جعله متعلقاً ب { اقرأ } الثانية أي استعن باسم ربك واتخذه آلة في تحصيل هذا الذي عسر عليك . وقيل : هي بمعنى اللام أي اجعل هذا الفعل واقعاً لله كقولك " بنيت الدار باسم الأمير " . " وصنفت الكتاب باسم الوزير " . فالعبادة صارت لله تعالى لم يكن للشيطان فيها نصيب . وفي تخصيص الرب بالذكر في هذا الموضع معنيان : أحدهما ربيتك فلزمك القضاء والشكر فلا تتكاسل . والثاني أن الشروع ملزم للإتمام وقد ربيتك منذ كذا فكيف أضيعك بعد هذا فلا تفزع . ثم دل على كونه رباً بقوله { الذي خلق } أطلق الخلق أولاً ليتناول كل المخلوقات ، ثم خص الإنسان بالذكر لشرفه أو لعجيب فطرته ، أو لأن سوق الآية لأجله . ويجوز أن يكون الأول متروك المفعول إشارة إلى أنه لا خالق سواه ولا يتصف بهذا الاسم غيره ، وحينئذ يستدل به على إبطال مذهب المعتزلة في أن العبد خالق أفعال نفسه . قال أهل العلم : إن الحكيم إذا أراد أمرا استعمل فيه التدريج ، كما يحكى أن زفر حين بعثه أبو حنيفة إلى البصرة لتقرير مذهبه لم يلتفتوا إلى قوله وأبوا عن قبوله ، فرجع إلى أبي حنيفة وأخبره بذلك فقال : إنك لم تعرف طريق التبليغ ؛ لكن ارجع إليهم واذكر في المسألة أقاويل المتهم ، ثم بين ضعفها ، ثم قل بعد ذلك هاهنا قول آخر ، واذكر قولي وحجتي ، فإذا تمكن ذلك في قلبهم قل : هذا قول أبي حنيفة ، فإنهم يقبلونه حينئذ .

والمقصود من الحكاية أن الله تعالى كان يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم هؤلاء عبدة الأوثان والفطام من المألوف شديد ، فلو خالفتهم أول مرة وصرحت عن محض الحق أبوا أن يقبلوه ، فاذكر لهم أولاً أنّهم المخلوقون من العلقة فلا يمكنهم الإنكار ، ثم قل : ولا بد للفعل من فاعل ، فلا يمكنهم أن يضيفوا ذلك إلى الوثن لعلمهم بأنهم نحتوه ، فإذا تأملوا أنصفوا أن من لم يخلق لم يكن إلهاً ، والعلق جمع العلقة وإنما لم يقل علقة لأن الإنسان في معنى الجمع . وفي تكرار اقرأ وجوه : اقرأ لنفسك ثم اقرأ للتبليغ ، أو اقرأ في خارج صلاتك ، أو الأول للتعلم والثاني للتعليم وهذا قريب من الأول .

والأوجه أن يراد بالأول أوجد القراءة ويكون قوله { باسم ربك } متعلقاً ب { اقرأ } الثاني كما مر في تفسير البسملة ، قلت : ويمكن أن يكون الأول إشارة إلى كونه قارئاً بالقوة ولهذا رتب عليه خلق الإنسان من علق ، والثاني إشارة إلى كونه قارئاً بالفعل ولهذا وصف نفسه بالأكرمية ورتب عليه تعليم الخط والعلم .

وفضائل الخط كثيرة حتى مدح بالرسائل والأشعار .

/خ19