المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

124- ومن أعرض عن هدى الله وطاعته فإنه يحيا حياة لا سعادة فيها ، فلا يقنع بما قسم الله ، ولا يستسلم إلي قضاء الله وقدره ، حتى إذا كان يوم القيامة جاء إلي موقف الحساب مأخوذاً بذنبه ، عاجزاً عن الحجة التي يعتذر بها ، كما كان في دنياه أعمى البصيرة عن النظر في آيات الله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

وبعد أن بين - سبحانه - حسن عاقبة من اتبع هداه ، أتبع ذلك ببيان سوء عاقبة من أعرض عن ذكره وطاعته فقال - تعالى - : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي . . . } .

قوله : { ضَنكاً } أى : شديدة الضيق . وكل شىء ضاق فهو ضنك .

وهو مصدر يستوى فيه المذكر والمؤنث ، والواحد والجمع يقال : ضنك - ككرم - عيش فلان ضنكا وضناكة إذا ضاق .

والمعنى أن من اتبع هداى الذى جاءت به رسلى فلن يضل ولن يشقى ، أما من أعرض عن { ذِكْرِي } أى : عن هداى الذى جاءت به رسلى ، واشتملت عليه كتبى { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } .

أى : فإن لهذا المعرض معيشة ضيقة مليئة بالهم والغم والأحزان وسوء العاقبة ، حتى ولو ملك المال الوفير ، والحطام الكثير . . . فإن المعيشة الطيبة لا تكون إلا مع طاعة الله ، وامتثال أمره ، واجتناب نهيه .

قال - تعالى - : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } قال الإمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } أى : فى الدنيا فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره ضيق لضلاله ، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء ، وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى . فهو فى قلق وحيرة وشك ، فلا يزال فى ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة . . .

وقال سفيان بن عيينة ، عن أبى حازم ، عن أبى سلمة ، عن ابى سعيد فى قوله { مَعِيشَةً ضَنكاً } قال : يضيق عليه قبره . حتى تختلف أضلاعه .

والمراد بالعمى فى قوله - سبحانه - : { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى } : عمى البصر ، بدليل قوله - تعالى - بعد ذلك : { قَالَ رَبِّ لِمَ حشرتني أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي } أي : خالف أمري ، وما أنزلته على رسولي ، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } أي : في الدنيا ، فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره [ ضيق ]{[19538]} حَرَج لضلاله ، وإن تَنَعَّم ظاهره ، ولبس ما شاء وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى ، فهو في قلق وحيرة وشك ، فلا يزال في ريبة يتردد . فهذا من ضنك المعيشة .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : الشقاء .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : كل مال{[19539]} أعطيته عبدًا من عبادي ، قل أو كثر ، لا يتقيني فيه ، فلا خير فيه ، وهو الضنك في المعيشة . ويقال : إن قومًا ضُلالا أعرضوا عن الحق ، وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين ، فكانت معيشتهم ضنكا ؛ [ و ]{[19540]} ذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفًا لهم معايشهم ، من سوء ظنّهم بالله والتكذيب ، فإذا كان العبد يكذب بالله ، ويسيء الظن به والثقة به اشتدت عليه معيشته ، فذلك الضنك .

وقال الضحاك : هو العمل السيئ ، والرزق الخبيث ، وكذا قال عكرمة ، ومالك بن دينار .

وقال سفيان بن عيينة ، عن أبي حازم ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد في قوله : { مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : يضيق عليه قبره ، حتى تختلف أضلاعه فيه . قال أبو حاتم الرازي : النعمان بن أبي عياش{[19541]} يكنى أبا سلمة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن دَرَّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : " ضمة القبر " الموقوف أصح . {[19542]}

وقال ابن أبي حاتم أيضًا : حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج أبو السمح ، عن ابن حُجَيْرة - اسمه عبد الرحمن - عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : المؤمن في قبره في روضة خضراء ، ويرحب له في قبره سبعون ذراعا ، وينور له قبره كالقمر ليلة البدر ، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } ؟ أتدرون ما المعيشة الضنك ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : عذاب الكافر في قبره ، والذي نفسي بيده ، إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تِنِّينًا ، أتدرون ما التنين ؟ تسعة وتسعون حية ، لكل حية سبعة رؤوس ، ينفخون في جسمه ، ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون " {[19543]} .

رفعه منكر جدًا .

وقال البزار : حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا محمد بن عمرو{[19544]} حدثنا هشام بن سعد ، عن سعيد بن أبي هلال ، [ عن أبي حُجَيْرة ]{[19545]} عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : " المعيشة الضنك الذي قال الله تعالى : أنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية ، ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة " {[19546]} .

وقال أيضًا : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } قال : " عذاب القبر " . إسناد جيد{[19547]} .

وقوله : { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } قال مجاهد ، وأبو صالح ، والسدي : لا حجة له .

وقال عكرمة : عُمِّي عليه كل شيء إلا جهنم .

124


[19538]:زيادة من ف، أ.
[19539]:في هـ: "ما" والمثبت من ف، أ.
[19540]:زيادة من ف.
[19541]:في ف: "عياض".
[19542]:والمرفوع في إسناده دراج عن أبي الهيثم وهو ضعيف.
[19543]:ورواه أبو يعلى في مسنده (11/521) من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج به.
[19544]:في ف: "محمد بن عمر".
[19545]:زيادة من ف، أ.
[19546]:مسند البزار برقم (2233) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (7/67) "فيه من لم أعرفه".
[19547]:وروي من حديث أبي سعيد مثله، ورواه الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة في المصنف.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

{ ومن أعرض عن ذكري } عن الهدى الذاكر لي والداعي إلى عبادتي { فإن له معيشة ضنكا } ضيقا مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وقرىء " ضنكى " كسكرى ، وذلك لأن مجامع همته ومطامح نظره تكون إلى أعراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفا على انقصاها ، بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقو } الآيات ، وقيل هو الضريع والزقوم في النار ، وقيل عذاب القبر { ونحشره } قرىء بسكون الهاء على لفظ الوقف وبالجزم عطفا على محل { فإن له معيشة ضنكا } لأنه جواب الشرط . يوم القيامة أعمى البصر أو القلب ويؤيد الأول .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

{ من أعرض } عن ذكر الله وكفر به { فإن له معيشة ضنكاً } والضنك النكد الشاق من العيش أو المنازل أو مواطن الحرب ونحو هذا ، ومنه قول عنترة وإن نزلوا بضنك أنزل{[8172]} ، وصف به الواحد والجمع والمؤنث ، وقرأت فرقة : [ ضنكى ]{[8173]} ، أتبعت بالصفة لفظة " المعيشة " . واختلف الناس في المعيشة الضنك ، متى هو الوقت الذي هي فيه فقالت فرقة : هي الدنيا ، ومعنى ذلك عندهم أن الكافر وإن كان متسع الحال والمال فمعه من الحرص والأمل والتعذيب بأمور الدنيا والرغبة واتساع صفاء العيش بذلك ما يصير معيشيته ضنكا ، وقالت فرقة : هي ضنك بأكل الحرام ، وقالت فرقة : بل المعيشة الضنك هي في البرزخ ، وهو أن يرى مقعده من النار غدوا ورواحا ، وبالجملة عذاب القبر على ما روي فيه . ذلك من وعيد لهم .


[8172]:هذا جزء من بيت لعنترة، وهو من قصيدة له يعرض فيها بقيس بن زهير سيد بني تميم، فقد حمى عنترة بني عبس من تميم في إحدى المعارك، فقال قيس: "والله ما حمى الناس إلا ابن السوداء"، والبيت بتمامه مع بيت قبله: إني امرؤ من خير عبس منصبا شطري وأحمي سائري بالمنصل إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا أشدد وإن يلفوا بضنك أنزل والمعنى: إن لحقهم العدو يوما فإني لا أهرب بل أعود فأقابل العدو بالهجوم، وإن اشتبكوا في معركة والتحموا بعدوهم في القتال أشدد من هجومي وقتالي، وإن اشتدت الضائقة عليهم في المعركة نزلت عن فرسي حتى أتجنب التحام الخيل، وفي القصيدة نفسها يقول: إن المنية لو تمثل مثلت مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل وهو شاهد لمعنى الضنك مثل الشاهد في البيت الذي ذكره المؤلف.
[8173]:على وزن "فعلى".