المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَإِن تَعۡجَبۡ فَعَجَبٞ قَوۡلُهُمۡ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبًا أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَاقِهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (5)

5- وإن أمر المشركين مع هذه الدلائل لعجب ، فإن كنت يا محمد تعجب ، فالعجب هو قولهم : أبعد الموت وبعد أن نصير تراباً نكون أحياء من جديد ؟ وهذا شأن الذين يكفرون بخالقهم ، عقولهم قيدت بالضلال ، ومآلهم النار التي يخلدون فيها ، فهم جاحدون ، مع أن مَنْ يقدر علي الإنشاء يقدر علي الإعادة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَإِن تَعۡجَبۡ فَعَجَبٞ قَوۡلُهُمۡ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبًا أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَاقِهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (5)

وبعد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر قدرة الله في خلقه ، ساق - سبحانه - بعض أقوال المشركين الفاسدة ، ورد عليها بما يدحضها فقال - تعالى - :

{ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي . . . } .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } أى : إن تعجب يا محمد من تكذيبهم لك بعدما كنت عندهم الصادق الأمين . فأعجب منه تكذيبهم بالبعث - لأن من شاهد ما عدد - سبحانه - من الآيات الدالة على قدرته . أيقن بأن من قدر على إنشائها ، كانت الإِعادة أهون شئ عليه وأيسره ، والله - تعالى - لا يتعجب ، ولا يجوز عليه التعجب ، لأنه - أى التعجب - تغير النفس بما تخفى أسبابه ، وذلك في حقه - تعالى - محال ، وإنما ذكر ذلك ليتعجب منه نبيه والمؤمنون .

وجوز بعضهم أن يكون الخطاب لكل من يصلح له ، أى : وإن تعجب أيها العاقل لشئ بعد أن شاهدت من مظاهر قدرة الله في هذا الكون ما شاهدت فازدد تعجبا ممن ينكر بعد كل هذا قدرته - سبحانه - على إحياء الموتى .

قال الجمل : وقوله { فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } فيه وجهان : أحدهما أنه خبر مقدم وقولهم مبتدأ مؤخر ، ولا بد من حذف صصفة لتتم الفائدة ، أى : فعجب أى عجب قولهم . أو فعجب غريب قولهم . والثانى أنه مبتدأ ، وسوغ الابتداء ما ذكرته من الوصف المقدر ، ولا يضر حينئذ كون معرفة .

والتنكير في قوله { فعجب } للتهويل والتعظيم .

وجملة { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } في محل نصب مقول القول .

أى : وإن تعجب من شئ - أيها الرسول الكريم - فاعجب من قول أولئك المشركين : أئذا صرنا ترابا وعظاما نخرة بعد موتنا أئنا بعد ذلك لنعاد إلى الحياة مرة أخرى من جديد .

والاستفهام للإِنكار ، لاستبعادهم الشديد إعادتهم إلى الحياة مرة أخرى لمحاسبتهم على أعمالهم ، كما حكى القرآن عنهم قولهم في آية أخرى : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } وكرر همزة الاستفهام في { أئذا } ، { وأئنا } لتأكيد هذا الإنكار .

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك جزاءهم على هذا القول الباطل فقال - تعالى - { أولئك الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ . . . }

أى : أولئك المنكرون لقدرة الله - تعالى - على البعث ، هم الذين كفروا بربهم { وَأُوْلَئِكَ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ } والأغلال : جمع غل . وهو قيد من حديد تشد به اليد إلى العنق ، وهو أشد أنواع القيود .

أى : وأولئك هم الذين توضع الأغلال والقيود في أيديهم وأعناقهم يوم القيامة ، عندما يساقون إلى النار بذلة وقهر ، بسبب إنكارهم لقدرة الله على إعادتهم إلى الحياة ، وبسبب جحودهم لنعم خالقهم ورازقهم .

قال - تعالى - : { إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ والسلاسل يُسْحَبُونَ . فِي الحميم ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ } وقيل إن الجملة الكريمة تمثيل لحالهم في الدنيا ، حيث شبه - سبحانه - امتناعهم عن الإِيمان ، وعدم التفاتهم إلى الحق ، بحال قوم في أعناقهم قيود لا يستطيعون معها التفاتا أو تحركاً .

والأول أولى لأن حمل الكلام على الحقيقة واجب ، ما دام لا يوجد مانع يمنع منه ، وهنا لا مانع ، بل صريح القرآن يشهد له .

وقوله : { وأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } أى : وأولئك الموصوفون بما ذكر ، هم أصحاب النار التي لا ينفكون عنها . ولا يخرجون منها .

وكرر - سبحانه - اسم الإِشارة ، للتنبيه على أنهم أحرياء بما سيرد بعده من عقوبات .

وجاء به للبعيد ، للإِشارة إلى بعد منزلتهم في الجحود والضلال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَإِن تَعۡجَبۡ فَعَجَبٞ قَوۡلُهُمۡ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبًا أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَاقِهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (5)

يقول تعالى لرسوله محمد ، صلوات الله وسلامه عليه : { وَإِنْ تَعْجَبْ } من تكذيب هؤلاء المشركين بأمر المعاد مع ما يشاهدونه من آيات الله سبحانه ودلالاته في خلقه على أنه القادر على ما يشاء ، ومع ما يعترفون{[15443]} به من أنه ابتدأ خلق الأشياء ، فكونها بعد أن لم تكن شيئا مذكورا ، ثم هم بعد هذا يكذبون خبره في أنه سيعيد العالمين خلقا جديدا ، وقد اعترفوا وشاهدوا ما هو أعجب مما كذبوا به ، فالعجب من قولهم : { أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } وقد علم كل عالم وعاقل أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ، وأن من بدأ الخلق فالإعادة سهلة عليه ، كما قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

ثم نعت المكذبين بهذا فقال : { أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ } أي : يسحبون بها في النار ، { وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي : ماكثون فيها أبدا ، لا يحولون عنها ولا يزولون .


[15443]:- في ت ، أ : "يعرفون".