المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

110- قل - أيها الرسول - للناس : إنما أنا إنسان مثلكم ، مرسل إليكم ، أعلمكم ما علمني الله إياه ، يوحى إلىّ أنما إلهكم إله واحد لا شريك له ، فمن كان يطمع في لقاء الله وثوابه ؛ فليعمل الأعمال الصالحة مخلصاً ، وليتجنب الإشراك بالله في العبادة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بأمر آخر منه - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ } .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس ، مبيناً لهم حقيقة أمرك ، بعد أن بينت لهم عدم تناهى كلمات ربك .

قل لهم : إنما أنا بشر مثلكم أوجدنى الله - تعالى - بقدرته من أب وأم كما أوجدكم . وينتهى نسبى ونسبكم إلى آدم الذى خلقه الله - تعالى - من تراب .

ولكن الله - عز وجل - اختصنى بوحيه وبرسالته - وهو أعلم حيث يجعل رسالته - وأمرنى أن أبلغكم أن إلهكم وخالقكم ورازقكم ومميتكم ، هو إله واحد لا شريك له لا فى ذاته ، ولا فى أسمائه ، ولا فى صفاته .

فعليكم أن تخلصوا له العبادة والطاعة ، وأن تستجيبوا لما آمركم به ، ولما أنهاكم عنه ، فإنى مبلغ عنه ما كلفنى به .

فالآية الكريمة وإن كانت تثبت للرسول صلى الله عليه وسلم صفة البشرية وتنفى عنه أن يكون ملكا أو غير بشر . . إلا أنها تثبت له - أيضا - أن الله - تعالى - قد فضله على غيره من البشر بالوحى إليه ، وبتكليفه بتبليغ ما أمره الله - تعالى - بتبليغه للعالمين . كما قال - سبحانه - { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } وكما قال - عز وجل - : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله ولا أَعْلَمُ الغيب ولا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ } ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بتلك الجملة الجامعة لكل خير فقال : { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس : إنما أنا واحد مثلكم فى البشرية إلا أن الله - تعالى - قد خصنى واصطفانى عليكم برسالته ووحيه ، وأمرنى أن أبلغكم أن إلهكم إله واحد . فمن كان منكم يرجو لقاء الله - تعالى - ويأمل فى ثوابه ورؤية وجهه الكريم ، والظفر بجنته ورضاه ، فليعمل عملا صالحا ، بأن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الله - تعالى - ومطابقاً لما جئت به من عنده - عز وجل - ولا يشرك بعبادة ربه أحدا من خلقه سواء أكان هذا المخلوق نبياً أم ملكا أم غير ذلك من خلقه - تعالى - .

وقد حمل بعض العلماء الشرك هنا على الرياء فى العمل ، فيكون المعنى : " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً ، ولا يرائى الناس فى عمله ، لأن العمل الذى يصاحبه الرياء هو نوع من أنواع الشرك بالله تعالى " .

والذى يبدو لنا أن حمل الشرك هنا على ظاهره أولى ، بحيث يشمل الإِشراك الجلى كعبادة غير الله - تعالى - والإِشراك الخفى كالرياء وما يشبهه .

أى : ولا يعبد ربه رياء وسمعة ، ولا يصرف شيئا من حقوق خالقه لأحد من خلقه ، لأنه - سبحانه - يقول : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً }

وقد ساق الإِمام ابن كثير جملة من الأحاديث عند تفسيره لقوله - تعالى - { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } .

ومن هذه الأحاديث ما رواه ابن أبى حاتم ، من حديث معمر ، عن عبد الكريم الجزرى ، عن طاووس قال : قال رجل يا رسول الله ، إنى أقف المواقف أريد وجه الله ، وأحب أن يرى موطنى ، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزلت هذه الآية : { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

83

وفي ظل هذا المشهد الذي يتضاءل فيه علم الإنسان ينطلق الإيقاع الثالث والأخير في السورة ، فيرسم أعلى أفق للبشرية - وهو أفق الرسالة الكاملة الشاملة . فإذا هو قريب محدود بالقياس إلى الأفق الأعلى الذي تتقاصر دونه الأبصار ، وتنحسر دونه الأنظار :

( قل : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد . فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) . .

إنه أفق الإلوهية الأسمى . . فأين هنا آفاق النبوة ، وهي - على كل حال - آفاق بشريته ?

( قل : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي . . . ) . . بشر يتلقى من ذلك الأفق الأسمى . بشر يستمد من ذلك المعين الذي لا ينضب . بشر لا يتجاوز الهدى الذي يتلقاه من مولاه . بشر يتعلم فيعلم فيعلم . . فمن كان يتطلع إلى القرب من ذلك الجوار الأسنى ، فلينتفع بما يتعلم من الرسول الذي يتلقى ، وليأخذ بالوسيلة التي لا وسيلة سواها :

( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) . .

هذا هو جواز المرور إلى ذلك اللقاء الأثير .

وهكذا تختم السورة - التي بدأت بذكر الوحي والتوحيد - بتلك الإيقاعات المتدرجة في العمق والشمول ، حتى تصل إلى نهايتها فيكون هذا الإيقاع الشامل العميق ، الذي ترتكز عليه سائر الأنغام في لحن العقيدة الكبير . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

و { إنما أنا بشر مثلكم } لم أعط إلا ما أوحي إلي وكشف لي ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي : «ينفد » بالياء من تحت ، وقرأ الباقون بالتاء ، وقوله { قل إنما أنا بشر مثلكم } المعنى : { إنما أنا بشر } ينتهي علمي إلى حيث { يوحى إلي } ومهم ما يوحى إلي ، أنما إلهكم إله واحد ، وكان كفرهم بعبادة الأصنام فلذلك خصص هذا الفصل مما أوحي إليه ، ثم أخذ في الموعظة ، والوصاة البينة الرشد ، و { يرجو } على بابها ، وقالت فرقة : { يرجو } بمعنى يخاف ، وقد تقدم القول في هذا المقصد ، فمن كان يؤمن بلقاء ربه وكل موقن بلقاء ربه ، فلا محالة أنه بحالتي خوف ورجاء ، فلو عبر بالخوف لكان المعنى تاماً على جهة التخويف والتحذير ، وإذا عبر بالرجاء فعلى جهة الإطماع وبسط النفوس إلى إحسان الله تعالى ، أي { فمن كان يرجو }

النعيم المؤبد من ربه { فليعمل } وباقي الآية بين في الشرك بالله تعالى ، وقال ابن جبير في تفسيرها لا يرائي في عمله وقد روي حديث أنها نزلت في الرياء ، حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم عمن يجاهد ويحب أن يحمده الناس{[7911]} ، وقال معاوية بن أبي سفيان هذه آخر آية نزلت من القرآن{[7912]} .


[7911]:أخرجه عبد الرزاق، وابن أبي الدنيا في الإخلاص، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم عن طاوس قال: قال رجل: يا نبي الله، إني أقف مواقف أبتغي وجه الله وأحب أن يرى موطني، فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الآية {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة بربه أحدا}. قال في (الدر المنثور): "وأخرجه الحاكم وصححه، والبيهقي موصولا، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما".
[7912]:أخرج هذا الخبر ابن جرير، وابن مردويه، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: "وهذا أثر مشكل، فإن هذه الآية آخر سورة الكهف، والكهف كلها مكية. ولعل معاوية أراد أنه لم ينزل بعدها آية تنسخها ولا تغير حكمها، بل هي مثبتة محكمة، فاشتبه ذلك على بعض الرواة، فروى بالمعنى على ما فهمه، والله أعلم".