المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَفۡقَهُونَ} (65)

65- قل : إن الله - وحده - هو الذي يقدر على أن يرسل عليكم عذاباً يأتيكم من أعلاكم أو من أسفلكم . أو يجعل بعضكم لبعض عدواً . وتكونون طوائف مختلفة الأهواء متناكرة ، يعذب بعضكم بعضا عذاباً شديداً ! ! انظر كيف دلت الدلائل على قدرتنا واستحقاقنا وحدنا للعبادة ، لعلهم يتأملونها ويفهمون الحق !

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَفۡقَهُونَ} (65)

ثم بين - سبحانه - قدرته على تعذيبهم تهديدا لهم حتى يخشوا بأسه أثر بيان قدرته على تنجيتهم فقال - تعالى - : { قُلْ هُوَ . . . } .

المعنى : قل يا محمد لهؤلاء الجاحدين ، إن الله - تعالى - وحده هو القادر على أن يرسل عليكم عذابا عظيما من فوقكم أى : من جهة العلو كما أرسل على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة ، أو من تحت أرجلكم أى من السفل كما حدث بالنسبة لفرعون وجنده من الغرق ، وبالنسبة لقارون حيث خسف به الأرض .

وقيل : من فوقكم أى من قبل سلاطينكم وأكابركم ، ومن تحت أرجلكم أى : من قبل سفلتكم وعبيدكم . وقيل : هو حبس المطر والنبات .

وتصوير العذاب بأنه آت من أعلى أو من أسفل أشد وقعا فى النفس من تصويره بأنه آت من جهة اليمين أو من جهة الشمال ، لأن الآتى من هاتين الجهتين قد يتوهم دفعه ، أما الآتى من أعلى أو من أسفل فهو عذاب قاهر مزلزل لا مقاومة له ولا ثبات معه .

وقوله { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } أى : يخلطكم فرقا مختلفة الأهواء ، متباينة المشارب ، مضطربة الشئون ، كل فرقة تتبع إماما لها تقاتل معه غيرها ، فيزول الأمن ويعم الفساد .

و { شِيَعاً } جمع شيعة وهم الأتباع والأنصار ، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة ، وقوله { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } معطوف على ما قبله ، أى : يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل ، لأن من عواقب ذلك اللبس التقاتل والتصارع . وفى هاتين الجملتين تصوير مؤثر للعذاب الذى يذوقه الناس بحواسهم إذ يجعلهم - سبحانه - شيعا وأحزابا غير منعزل بعضها عن بعض ، فهى أبدا فى جدال وصراع وفى خصومة ونزاع ، وفى بلاء يصبه هذا الفريق على ذاك ، وذلك أشنع ما تصاب به الجماعة فيأكل بعضها بعضا .

ثم تختم الآية بهذا التعبير الحكيم { انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } .

أى : انظر وتدبر - أيها الرسول الكريم - أو أيها العاقل كيف ننوع الآيات والعبر والعظات بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى لعلهم يفقهون الحق ويدركون حقيقة الأمر ، فينصرفوا عن الجحود والمكابرة ، ويكفوا عن كفرهم وعنادهم .

هذا ، وقد ساق ابن كثير عقب تفسير هذه الآية جملة من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم عن سعد بن أبى وقاص أنه أقبل مع النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية ، حتى إذا مر بمسجد بنى معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه . ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال : سألت ربى ثلاثا فأعطانى ثنتين ومنعنى واحدة . سألت ربى أن لا يهلك أمتى بالسَّنة فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلك أمتى بالغرق فأعطانيها ، وسألت ربى أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " .

بعد هذا التهديد الشديد للمعاندين اتجه القرآن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأمره أن يصارح قومه بسوء مصيرهم إذا ما استمروا فى ضلالهم فقال :

{ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الحق }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَفۡقَهُونَ} (65)

56

وهنا يواجههم ببأس الله الذي قد يأخذهم بعد النجاة ! فما هي مرة وتنتهي ، ثم يفلتون من القبضة كما يتصورون :

( قل : هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ، أو من تحت أرجلكم ، أو يلبسكم شيعا ، ويذيق بعضكم بأس بعض . انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ) . .

وتصور العذاب الغامر من فوق ، أو النابع من تحت ، أشد وقعا في النفس من تصوره آتيا عن يمين أو شمال . فالوهم قد يخيل للإنسان أنه قد يقدر على دفع العذاب من يمين أو شمال ! أما العذاب الذي يصب عليه من فوق ، أو يأخذه من تحت ، فهو عذاب غامر قاهر مزلزل ، لا مقاومة له ولا ثبات معه ! والتعبير الموحي يتضمن هذا المؤثر القوي في حس الإنسان ووهمه ، وهو يقرر حقيقة قدرة الله على أخذ العباد بالعذاب من حيث شاء وكيف شاء .

ويضيف إلى ألوان العذاب الداخلة في قدرة الله ؛ والتي قد يأخذ العباد بها متى شاء ؛ لونا آخر بطيئا طويلا ؛ لا ينهي أمرهم كله في لحظة ولكنه يصاحبهم ويساكنهم ويعايشهم بالليل والنهار :

( أو يلبسكم شيعا ، ويذيق بعضكم بأس بعض ) . .

وهي صورة من العذاب المقيم الطويل المديد ؛ الذي يذوقونه بأيديهم ، ويجرعونه لأنفسهم ؛ إذ يجعلهم شيعا وأحزابا ، متداخلة لا يتميز بعضها عن بعض ، ولا يفاصل بعضها بعضا ، فهي أبدا في جدال وصراع ، وفي خصومة ونزاع ، وفي بلاء يصبه هذا الفريق على ذاك . .

ولقد عرفت البشرية في فترات كثيرة من تاريخها ذلك اللون من العذاب ، كلما انحرفت عن منهج الله وتركت لأهواء البشر ونزواتهم وشهواتهم وجهالتهم وضعفهم وقصورهم . . تصريف الحياة وفق تلك الأهواء والنزوات والشهوات والجهالة والضعف والقصور . وكلما تخبط الناس وهم يضعون أنظمة للحياة وأوضاعا وشرائع وقوانين وقيما وموازين من عند أنفسهم ؛ يتعبد بها الناس بعضعهم بعضا ؛ ويريد بعضهم أن يخضع لأنظمته وأوضاعه وشرائعه وقوانينه البعض الآخر ، والبعض الآخر يأبى ويعارض ، وأولئك يبطشون بمن يأبى ويعارض . وتتصارع رغباتهم وشهواتهم وأطماعهم وتصوراتهم . فيذوق بعضهم بأس بعض ، ويحقد بعضهم على بعض ، وينكر بعضهم بعضا ، لأنهم لا يفيئون جميعا إلى ميزان واحد ؛ يضعه لهم المعبود الذي يعنوا له كل العبيد ، حيث لا يجد أحدهم في نفسه استكبارا عن الخضوع له ، ولا يحس في نفسه صغارا حين يخضع له .

إن الفتنة الكبرى في الأرض هي أن يقوم من بين العباد من يدعي حق الألوهية عليهم ، ثم يزاول هذا الحق فعلا ! إنها الفتنة التي تجعل الناس شيعا ملتبسة ؛ لأنهم من ناحية المظهر يبدون أمة واحدة أو مجتمعا واحدا ، ولكن من ناحية الحقيقة يكون بعضهم عبيدا لبعض ؛ ويكون بعضهم في يده السلطة التي يبطش بها - لأنها غير مقيدة بشريعة من الله - ويكون بعضهم في نفسه الحقد والتربص . . ويذوق الذين يتربصون والذين يبطشون بعضهم بأس بعض ! وهم شيع ؛ ولكنها ليست متميزة ولا منفصله ولا مفاصلة ! والأرض كلها تعيش اليوم في هذا العذاب البطيء المديد !

وهذا يقودنا إلى موقف العصبة المسلمة في الأرض . وضرورة مسارعتها بالتميز من الجاهلية المحيطة بها - والجاهلية كل وضع وكل حكم وكل مجتمع لا تحكمه شريعة الله وحدها ، ولا يفرد الله سبحانه بالألوهية والحاكمية - وضرورة مفاصلتها للجاهلية من حولها ؛ باعتبار نفسها أمة متميزة من قومها الذي يؤثرون البقاء في الجاهلية ، والتقيد بأوضاعها وشرائعها وأحكامها وموازينها وقيمها .

إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها هذا العذاب : ( أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ) . . إلا بأن تنفصل هذه العصبة عقيديا وشعوريا ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها - حتى يأذن الله لها بقيام " دار إسلام " تعتصم بها - وإلا أن تشعر شعورا كاملا بأنها هي " الأمة المسلمة " وأن ما حولها ومن حولها ، ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه ، جاهلية وأهل جاهلية . وأن تفاصل قومها على العقيدة والمنهج ؛ وأن تطلب بعد ذلك من الله أن يفتح بينها وبين قومها بالحق وهو خير الفاتحين .

فإذا لم تفاصل هذه المفاصلة ، ولم تتميز هذا التميز ، حق عليها وعيد الله هذا . وهو أن تظل شيعة من الشيع في المجتمع ، شيعة تتلبس بغيرها من الشيع ، ولا تتبين نفسها ، ولا يتبينها الناس مما حولها . وعندئذ يصيبها ذلك العذاب المقيم المديد ؛ دون أن يدركها فتح الله الموعود !

إن موقف التميز والمفاصلة قد يكلف العصبة المسلمة تضحيات ومشقات . . غير أن هذه التضحيات والمشقات لن تكون أشد ولا أكبر من الآلام والعذاب الذي يصيبها نتيجة التباس موقفها وعدم تميزه ، ونتيجة اندغامها وتميعها في قومها والمجتمع الجاهلي من حولها . .

ومراجعة تاريخ الدعوة إلى الله على أيدي جميع رسل الله ، يعطينا اليقين الجازم بأن فتح الله ونصره ، وتحقيق وعده بغلبة رسله والذين آمنوا معهم . . لم يقع في مرة واحدة ، قبل تميز العصبة المسلمة ومفاصلتهالقومها على العقيدة وعلى منهج الحياة - أي الدين - وانفصالها بعقيدتها ودينها عن عقيدة الجاهلية ودينها - أي نظام حياتها - وأن هذه كانت هي نقطة الفصل ومفرق الطريق في الدعوات جميعا .

وطريق هذه الدعوة واحد . ولن يكون في شأنها إلا ما كان على عهود رسل الله جميعا ، صلوات الله عليهم وسلامه :

( انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ) . .

والله نسأل أن يجعلنا ممن يصرف الله لهم الآيات فيفقهون . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَفۡقَهُونَ} (65)

وقوله : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } لما قال : { ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ } عقبه بقوله : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا [ مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ] }{[10759]} أي : بعد إنجائه إياكم ، كما قال في سورة سبحان : { رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } [ الإسراء : 66 - 69 ] .

قال ابن أبي حاتم : ذكر عن مسلم بن إبراهيم ، حدثنا هارون الأعور ، عن جعفر بن سليمان ، عن الحسن في قوله : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال : هذه للمشركين .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد [ في قوله ]{[10760]} { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فعفا عنهم .

ونذكر هنا الأحاديث الواردة في ذلك والآثار ، وبالله المستعان ، وعليه التكلان ، وبه الثقة .

قال البخاري ، رحمه الله ، في قوله تعالى : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } يلبسكم : يخلطكم ، من الالتباس ، يَلْبِسوا : يَخْلطُوا . شيعًا : فرقًا .

حدثنا أبو النعمان ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله قال : لما نزلت هذه الآية : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بوجهك " . { أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال : " أعوذ بوجهك " . { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذه أهون - أو قال : هذا أيسر " .

وهكذا رواه أيضا في " كتاب التوحيد " عن قتيبة ، عن حماد ، به{[10761]}

ورواه النسائي [ أيضا ]{[10762]} في " التفسير " ، عن قتيبة ، ومحمد بن النضر بن مساور ، ويحيى بن حبيب بن عربي{[10763]} أربعتهم ، عن حماد بن زيد ، به .

وقد رواه الحميدي في مسنده ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، سمع جابرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، به .

ورواه ابن حبان في صحيحه ، عن أبي يعلى الموصلي ، عن أبي خيثمة ، عن سفيان بن عيينة ، به .

ورواه ابن جرير في تفسيره عن أحمد بن الوليد القرشي وسعيد بن الربيع ، وسفيان بن وَكِيع ، كلهم عن سفيان بن عيينة ، به .

ورواه أبو بكر بن مَرْدُوَيه ، من حديث آدم بن أبي إياس ، ويحيى بن عبد الحميد ، وعاصم بن علي ، عن سفيان بن عيينة ، به .

ورواه سعيد بن منصور ، عن حماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة ، كلاهما عن عمرو بن دينار ، به{[10764]}

طريق أخرى : قال الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه في تفسيره : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا مقدام ابن داود ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا بن لهيعة ، عن خالد بن يزيد ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : لما نزلت : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بالله من ذلك " { أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بالله من ذلك " { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا } قال : " هذا أيسر " ، ولو استعاذه لأعاذه{[10765]}

ويتعلق بهذه الآية [ الكريمة ]{[10766]} أحاديث كثيرة :

أحدها : قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا أبو بكر - هو ابن أبي مريم - عن راشد - هو ابن سعد المقرئي - عن سعد بن أبي وقاص [ رضي الله عنه ]{[10767]} قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } فقال : " أما إنها كائنة ، ولم يأت تأويلها بعد " .

وأخرجه الترمذي ، عن الحسن بن عرفة ، عن إسماعيل بن عياش ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، به{[10768]} ثم قال : هذا حديث غريب . [ جدا ]{[10769]}

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يعلى - هو ابن عبيد - حدثنا عثمان بن حكيم ، عن عامر ابن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى مررنا على مسجد بني معاوية ، فدخل فصلى ركعتين ، فصلينا معه ، فناجى ربه ، عَزَّ وجل ، طويلا قال{[10770]} سألت ربي ثلاثا " سألته ألا يهلك أمتي بالغرق ، فأعطانيها وسألته ألا يهلك أمتي بالسنة ، فأعطانيها . وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم ، فمنعنيها " .

انفرد بإخراجه مسلم ، فرواه{[10771]} في " كتاب الفتن " عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله ابن نمير ، كلاهما عن عبد الله بن نمير - وعن محمد بن يحيى بن أبي عمر ، عن مروان بن معاوية ، كلاهما عن عثمان بن حكيم ، به{[10772]}

حديث آخر : قال الإمام أحمد : قرأت على عبد الرحمن بن مَهْدِيّ ، عن مالك ، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ، عن جابر بن عتيك ؛ أنه قال : جاءنا عبد الله بن عمر في بني معاوية - قرية من قرى الأنصار - فقال لي : هل تدري{[10773]} أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدكم هذا ؟ فقلت : نعم . فأشرت إلى ناحية منه ، فقال : هل تدري ما الثلاث التي دعا بِهِنّ فيه ؟ فقلت : نعم . فقال : وأخبرني{[10774]} بهن ، فقلت{[10775]} دعا ألا يُظْهِر عليهم عدوا من غيرهم ، ولا يهلكهم بالسنين ، فَأُعْطِيْهِمَا ، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم ، فَمُنِعَهَا . قال : صدقت ، فلا يزال الهرج إلى يوم القيامة " {[10776]}

ليس هو في شيء من الكتب الستة ، وإسناده جيد قوي ، ولله الحمد والمنة .

حديث آخر : قال محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن حكيم بن عباد عن حُنَيف{[10777]} عن علي بن عبد الرحمن ، أخبرني حذيفة بن اليمان قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حرة بني معاوية ، قال : فصلى ثماني ركعات ، فأطال فيهن ، ثم التفت إليّ فقال : حبستك ؟ قلت{[10778]} الله ورسوله أعلم . قال : إني سألت الله ثلاثًا ، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة . سألته ألا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم ، فأعطاني{[10779]} وسألته ألا يهلكهم بغرق ، فأعطاني . وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم ، فمنعني " .

رواه ابن مَرْدُوَيه من حديث ابن إسحاق{[10780]}

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبيدة بن حميد ، حدثني سليمان الأعمش ، عن رجاء الأنصاري ، عن عبد الله بن شداد ، عن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلبه فقيل لي : خرج قَبْلُ . قال : فجعلت لا أمر بأحد إلا قال : مر قبل . حتى مررت فوجدته قائما يصلي . قال : فجئت حتى قمت خلفه ، قال : فأطال الصلاة ، فلما قضى صلاته{[10781]} قلت : يا رسول الله ، لقد صليت صلاة طويلة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني صليت صلاة رغبة ورهبة ، سألت الله ، عَزَّ وجل ، ثلاثا فأعطاني اثنتين ، ومنعني واحدة . سألته ألا يهلك أمتي غرقا ، فأعطاني{[10782]} وسألته ألا يُظْهِر عليهم عدوا ليس منهم ، فأعطانيها . وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم ، فردها علي " .

ورواه ابن ماجه في " الفتن " عن محمد بن عبد الله بن نمير ، وعلي بن محمد ، كلاهما عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، به{[10783]}

ورواه ابن مَرْدُوَيه من حديث أبي عَوَانة ، عن عبد الله{[10784]} بن عُمَيْر ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله أو نحوه .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا عبد الله بن وَهْب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بُكَيْر{[10785]} بن الأشج ، أن الضحاك بن عبد الله القرشي حدثه ، عن أنس بن مالك أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سُبْحَة الضحى ثماني ركعات . فلما انصرف قال : " إني صليت صلاة رغبة ورهبة ، سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة : سألته ألا يبتلي أمتي بالسنين ، ففعل . وسألته ألا يظهر عليهم عدوهم ، ففعل . وسألته ألا يَلْبِسَهُم شيعًا ، فأبى عليّ " .

رواه النسائي في الصلاة ، عن محمد بن سلمة ، عن ابن وهب ، به . {[10786]}

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب بن أبي حمزة ، قال : قال الزهري : حدثني عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبيه خباب بن الأرت - مولى بني زهرة ، وكان قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه قال : راقبت{[10787]} رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة صلاها كلها ، حتى كان مع الفجر فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته ، قلت{[10788]} يا رسول الله ، لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت مثلها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أجل ، إنها صلاة رَغَب ورَهَب . سألت ربي ، عَزَّ وجل ، فيها ثلاث خصال ، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة : سألت ربي ، عَزَّ وجل ، ألا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا ، فأعطانيها . وسألت ربي ، عَزَّ وجل ، ألا يظهر علينا عدوا من غيرنا ، فأعطانيها . وسألت ربي ، عَزَّ وجل ، ألا يلبسنا شيعًا ، فمنعنيها " .

ورواه النسائي من حديث شعيب بن أبي حمزة ، به{[10789]} ومن وجه آخر . وابن حبان في صحيحه ، بإسناديهما عن صالح بن كيسان - والترمذي في " الفتن " من حديث النعمان بن راشد - كلاهما عن الزهري ، به{[10790]} وقال : حسن صحيح .

حديث آخر : قال أبو جعفر بن جرير في تفسيره : حدثني زياد بن عبيد الله{[10791]} المزني ، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، حدثنا أبو مالك ، حدثني نافع بن خالد الخزاعي ، عن أبيه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود ، فقال : " قد كانت صلاة رَغْبَة ورَهْبَة ، سألت الله ، عَزَّ وجل ، فيها ثلاثا ، أعطاني اثنتين ومنعني واحدة . سألت الله ألا يصيبكم بعذاب أصاب به من قبلكم ، فأعطانيها . وسألت الله ألا يسلط عليكم عدوا يستبيح بيضتكم ، فأعطانيها . وسألته ألا يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها " . قال أبو مالك : فقلت له : أبوك سمع هذا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

فقال : نعم ، سمعته يحدث بها القوم أنه سمعها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم{[10792]}

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق قال : قال مَعْمَر ، أخبرني أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن أبي أسماء الرَّحْبي ، عن شداد بن أوْس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله زَوَى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها ، وإن مُلْك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها ، وإني أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر ، وإني سألت ربي ، عَزَّ وجل ، ألا يهلك أمتي بسنَة بعامة وألا يسلط عليهم عدوّا فيهلكهم بعامة ، وألا يلبسهم شيعا ، وألا يذيق بعضهم بأس بعض . فقال : يا محمد ، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد . وإني قد أعطيتك لأمتك ألا أهلكتهم{[10793]} بسنة بعامة ، وألا أسلط عليهم عدوا ممن سواهم فيهلكهم بعامة ، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، وبعضهم يقتل بعضا ، وبعضهم يسبي بعضا " . قال : وقال النبي صلى الله عليه وسلم " وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين ، فإذا وضع السيف في أمتي ، لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة " {[10794]}

ليس في شيء من الكتب الستة ، وإسناده{[10795]} جيد قوي ، وقد رواه ابن مَرْدُوَيه من حديث حماد ابن زيد ، وعباد بن منصور ، وقتادة ، ثلاثتهم عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثَوْبان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه{[10796]} فالله أعلم{[10797]}

حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه : حدثنا عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي وميمون بن إسحاق بن الحسن الحنفي قالا حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن نافع بن خالد الخزاعي ، عن أبيه قال - وكان أبوه من أصحاب رسول الله{[10798]} صلى الله عليه وسلم ، وكان من أصحاب الشجرة - : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى والناس حوله ، صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود . قال : فجلس يوما فأطال الجلوس حتى أومأ بعضنا إلى بعض : أن اسكتوا ، إنه ينزل عليه . فلما فرغ قال له بعض القوم : يا رسول الله ، لقد أطلت الجلوس حتى أومأ بعضنا إلى بعض : إنه ينزل عليك . قال : " لا ولكنها كانت صلاة رَغْبة ورهبة ، سألت الله فيها ثلاثا فأعطاني اثنتين ، ومنعني واحدة . سألت الله ألا يعذبكم بعذاب عذب به من كان قبلكم ، فأعطانيها . ألا يسلط{[10799]} على أمتي{[10800]} عدوا يستبيحها ، فأعطانيها . وسألته ألا يَلْبسَكم شِيعًا وألا يذيق بعضكم بأس بعض ، فمنعنيها " ، قال : قلت له : أبوك سمعها من رسول الله صلى الله عليه ؟ قال : نعم ، سمعته يقول : إنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدد أصابعي هذه ، عشر أصابع{[10801]}

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يونس - هو ابن محمد المؤدب - حدثنا ليث - هو ابن سعد عن أبي وهب الخولاني ، عن رجل قد سماه ، عن أبي بَصْرَة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سألت ربي ، عَزَّ وجل ، أربعًا فأعطاني ثلاثًا ، ومنعني واحدة . سألت الله ألا يجمع أمتي على ضلالة ، فأعطانيها . وسألت الله ألا يظهر عليهم عدوا من غيرهم ، فأعطانيها . وسألت الله ألا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم قبلهم ، فأعطانيها . وسألت الله ، عَزَّ وجل ، ألا يلبسهم شيعا وألا يذيق بعضهم بأس بعض ، فمنعنيها " {[10802]}

لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة .

حديث آخر : قال الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا منجاب بن الحارث ، حدثنا أبو حذيفة الثعلبي ، عن زياد بن عِلاقة ، عن جابر بن سَمُرَة السَّوَائي ، عن علي [ رضي الله عنه ]{[10803]} ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سألت ربي ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ، ومنعني واحدة ، فقلت : يا رب ، لا تهلك أمتي جوعا فقال : هذه لك . قلت : يا رب ، لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم - يعني أهل الشرك - فيجتاحهم . قال ذلك لك{[10804]} قلت : يا رب ، لا تجعل بأسهم بينهم " . قال : " فمنعني هذه " {[10805]}

حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد بن عاصم ، حدثنا أبو الدرداء المروزي ، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان ، حدثني أبي ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " دعوت ربي ، عَزَّ وجل ، أن يرفع عن أمتي أربعًا ، فرفع الله عنهم اثنتين ، وأبى عليّ أن يرفع عنهم اثنتين . دعوت ربي أن يرفع الرجم{[10806]} من السماء ، والغرق من الأرض ، وألا يلبسهم شيعًا ، وألا يذيق بعضهم بأس بعض ، فرفع الله عنهم الرجم من السماء ، والغرق من الأرض ، وأبى الله أن يرفع اثنتين : القتل ، والهَرج " .

طريق أخرى عن ابن عباس أيضا : قال ابن مَرْدُوَيه : حدثني عبد الله بن محمد بن زيد{[10807]} حدثني الوليد بن أبان ، حدثنا جعفر بن منير ، حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد ، حدثنا عمرو بن قيس ، عن رجل ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال : فقام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ، ثم قال : " اللهم لا ترسل على أمتي عذابًا من فوقهم ، ولا من تحت أرجلهم ، ولا تلبسهم شيعا ، ولا تذق{[10808]} بعضهم بأس بعض " قال : فأتاه جبريل فقال : يا محمد ، إن الله قد أجار أمتك أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم{[10809]}

حديث آخر : قال ابن مَرْدُوَيه : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله البزار ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن موسى ، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد ، حدثنا عمرو بن محمد العَنْقَزِي ، حدثنا أسباط ، عن السُّدِّي ، عن أبي المِنْهَال ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سألت ربي لأمتي أربع خصال ، فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة . سألته ألا تكفر أمتي واحدة ، فأعطانيها . وسألته ألا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم ، فأعطانيها . وسألته ألا يظهر عليهم عدوًا من غيرهم ، فأعطانيها . وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم ، فمنعنيها " .

ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد بن يحيى بن سعيد القطَّان ، عن عمرو بن محمد العنقزي ، به نحوه{[10810]}

طريق أخرى : وقال ابن مَرْدُوَيه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا أبو كُرَيب ، حدثنا زيد بن الحُباب ، حدثنا كثير بن زيد الليثي المدني ، حدثني الوليد بن رباح مولى آل أبي ذُبَاب ، سمع أبا هريرة يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " سألت ربي ثلاثا ، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة . سألته ألا يسلط على أمتي عدوًا من غيرهم{[10811]} فأعطاني . وسألته ألا يهلكهم بالسنين ، فأعطاني . وسألته ألا يلبسهم{[10812]} شيعا وألا يذيق بعضهم بأس بعض ، فمنعني " .

ثم رواه ابن مَرْدُوَيه بإسناده عن سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . ورواه البزار من طريق عمر{[10813]} بن سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه{[10814]}

أثر آخر : قال سفيان ، الثوري عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : أربعة من{[10815]} هذه الأمة : قد مضت ثنتان ، وبقيت ثنتان : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ } قال : الرجم . { أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال : الخسف . { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال سفيان : يعني : الرجم والخسف .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال : فهي أربع خلال ، منها ثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ، أُلبِسوا شيعًا ، وذاق بعضهم بأس بعض ، وبقيت اثنتان لا بد منهما واقعتان{[10816]} الرجم والخسف .

ورواه أحمد ، عن وَكِيع ، عن أبي جعفر . ورواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا المنذر بن شاذان ، حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن ، في قوله : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ [ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ] }{[10817]} الآية ، قال : حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها ، فلما عمل ذنبها أرسلت عقوبتها .

وهكذا{[10818]} قال سعيد بن جُبَيْر ، وأبو مالك ومجاهد ، والسُّدِّي وابن زيد في قوله : { عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ } يعني : الرجم . { أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } يعني : الخسف . وهذا هو اختيار ابن جرير .

ورواه ابن جرير ، عن يونس ، عن ابن وَهْب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال : كان عبد الله بن مسعود [ رضي الله عنه ]{[10819]} يصيح وهو في المجلس - أو على المنبر - يقول : ألا أيها الناس ، إنه قد نزل بكم .

إن الله يقول : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ] }{[10820]} لو جاءكم عذاب من السماء ، لم يبق منكم أحدا { أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } لو خسف{[10821]} بكم الأرض أهلككم ، لم يبق منكم أحدا { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } ألا إنه نزل بكم أسوأ الثلاث .

قول ثان : قال ابن جرير وابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وَهْب ، سمعت خلاد بن سليمان يقول : سمعت عامر بن عبد الرحمن يقول : إن ابن عباس كان يقول في هذه الآية : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ } فأما العذاب من فوقكم ، فأئمة السوء { أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } فخدم السوء .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ } يعني : أمراءكم . { أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } يعني : عبيدكم وسفلتكم .

وحكى ابن أبي حاتم ، عن أبي سنان وعمير بن هانئ ، نحو ذلك .

وقال ابن جرير : وهذا القول وإن كان له وجه صحيح ، لكن الأول أظهر وأقوى .

وهو كما قال{[10822]} ابن جرير ، رحمه الله ، ويشهد له بالصحة قوله تعالى : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [ وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ]{[10823]} } [ الملك : 16 - 18 ] ، وفي الحديث : " ليكونن في هذه الأمة قَذْفٌ وخَسْفٌ ومَسْخٌ " {[10824]} وذلك مذكور مع نظائره في أمارات الساعة وأشراطها وظهور الآيات قبل يوم القيامة ، وستأتي في موضعها إن شاء الله تعالى .

وقوله : { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا } أي : يجعلكم ملتبسين شيعا فرقا متخالفين . قال الوالبي ، عن ابن عباس : يعني : الأهواء وكذا قال مجاهد وغير واحد .

وقد ورد في الحديث المروي من طرق عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة " .

وقوله : { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال ابن عباس وغير واحد : يعني يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل .

وقوله : { انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ } أي : نبينها ونوضحها ونُقِرُّهَا{[10825]} { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } أي : يفهمون ويتدبرون عن الله آياته وحججه وبراهينه .

قال زيد بن أسلم : لما نزلت { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ] }{[10826]} الآية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رِقاب بعض بالسيوف{[10827]} . قالوا : ونحن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ؟ قال : " نعم " . فقال بعض الناس : لا يكون هذا أبدا ، أن يقتل بعضنا بعضا ونحن مسلمون ، فنزلت : { انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

رواه ابن أبي حاتم وابن جرير{[10828]}


[10759]:زيادة من أ.
[10760]:زيادة من أ.
[10761]:صحيح البخاري برقمي (4628)، (7406)
[10762]:زيادة من أ.
[10763]:في أ: "عدي".
[10764]:النسائي في السنن الكبرى برقم (11164) ومسند الحميدي (2/530) ومسند أبي يعلى (3/362) وتفسير الطبري (11/422)
[10765]:وفي إسناده عبد الله بن لهيعة وقد اختلط.
[10766]:زيادة من أ.
[10767]:زيادة من أ.
[10768]:المسند (1/170) وسنن الترمذي برقم (3066).
[10769]:زيادة من أ.
[10770]:في أ: "ثم قال"
[10771]:في أ: "ورواه".
[10772]:المسند (1/175) وصحيح مسلم برقم (2890).
[10773]:في أ: "ترى".
[10774]:في م، أ: "قال: فأخبرني".
[10775]:في م: "فقال".
[10776]:المسند (5/445) وقال الهيثمي في المجمع (7/221): "رجاله ثقات".
[10777]:في أ: "عن خصيف".
[10778]:في أ: "حسبك يا حذيفة فقلت".
[10779]:في أ: "فأعطانيها".
[10780]:ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (10/318) من طريق عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق به.
[10781]:في جـ: "الصلاة".
[10782]:في أ: "فأعطانيها".
[10783]:المسند (5/240) وسنن ابن ماجه برقم (3951).
[10784]:في م: "عبد الملك".
[10785]:في أ: "بكر".
[10786]:المسند (2/146).
[10787]:في م: "وافيت".
[10788]:في أ: "فقلت"
[10789]:المسند (5/108) وسنن النسائي (3/216).
[10790]:النسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف (3/115) وصحيح ابن حبان (9/180) "الإحسان"، وسنن الترمذي برقم (2175)
[10791]:في أ: "عبد الله".
[10792]:تفسير الطبري (11/433) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (4/192) والبزار في مسنده برقم (3289) "كشف الأستار" من طريق مروان بن معاوية به.
[10793]:في م، أ: "يهلكهم".
[10794]:المسند (4/123) وقال الهيثمي في المجمع (7/221): "رجال أحمد رجال الصحيح"
[10795]:في أ: "وإسناد".
[10796]:ورواه مسلم في صحيحه برقم (2889) من طريق حماد بن زيد به ورواه من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي قلابة به ولم يذكر أيوب.
[10797]:في أ: "والله أعلم".
[10798]:في م، أ: "النبي".
[10799]:في م، أ: "فأعطانيها، وسألته ألا يسلط".
[10800]:في م: "عامتكم".
[10801]:ورواه البزار في مسنده برقم (3289) "كشف الأستار" والطبراني في المعجم الكبير (4/192) من طريق أبي مالك الأشجعي عن نافع عن أبيه به.
[10802]:المسند (6/396) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (2/280) من طريق الليث به.تنبيه: وقع في المسند كما هو هنا: "أبو وهب الخولاني" وفي المعجم الكبير للطبراني: "أبو هانئ الخولاني" وهو الصحيح، كما ذكره المزي في تهذيب الكمال (7/401) وابن عبد البر في الاستغناء (2/976).
[10803]:زيادة من أ.
[10804]:في م: "لك ذلك".
[10805]:المعجم الكبير للطبراني (1/107) وقال الهيثمي في المجمع (7/222): " فيه أبو حذيفة الثعلبي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
[10806]:في م، أ: "يرفع عنهم الرجم".
[10807]:في أ: "يزيد".
[10808]:في أ: "لا تذيق" وهو خطأ.
[10809]:ورواه الطبراني في المعجم الكبير (11/374) من طريق أبي الدرداء المروزي به، وفي إسناده من لم أعرفهم.
[10810]:ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (4336) "مجمع البحرين" من طريق القطيعي عن عمرو بن محمد العنقزي به. قال الهيثمي في المجمع (7/222): "رجاله ثقات".
[10811]:في أ: " من غيرهم فأعطاني".
[10812]:في م: "يلبسها".
[10813]:في أ: "عمرو".
[10814]:مسند البزار برقم (3290) "كشف الأستار".
[10815]:في أ: "في".
[10816]:في أ: "وقفتان".
[10817]:زيادة من م، أ.
[10818]:في أ: "وكذا".
[10819]:زيادة من أ.
[10820]:زيادة من أ.
[10821]:في م، أ: "يخسف".
[10822]:في أ: "قاله".
[10823]:زيادة من م، أ.
[10824]:رواه أحمد في مسنده (2/163) من حديث عبد الله بن عمرو، رضي الله عنه.
[10825]:في أ: "ونفسرها".
[10826]:زيادة من أ.
[10827]:في أ: بالسيف".
[10828]:تفسير الطبري (11/430).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَفۡقَهُونَ} (65)

{ قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } .

استئناف ابتدائي عُقّب به ذكرُ النعمة التي في قوله : { قل من يُنجّيكم } بذكر القدرة على الانتقام ، تخويفاً للمشركين . وإعادة فعل الأمر بالقول مثل إعادته في نظائره للاهتمام المبيَّن عند قوله تعالى : { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة } [ الأنعام : 40 ] . والمعنى قل للمشركين ، فالمخاطب بضمائر الخطاب هم المشركون . والمقصود من الكلام ليس الإعلام بقدرة الله تعالى فإنَّها معلومة ، ولكن المقصود التهديد بتذكيرهم بأنّ القادر من شأنه أن يُخاف بأسُه فالخبر مستعمل في التعريض مجازاً مرسلاً مركّباً ، أو كناية تركيبية . وهذا تهديد لهم ، لقولهم { لولا أنزل عليه آية من ربِّه } [ يونس : 20 ] .

وتعريف المسند والمسند إليه أفاد القصر ، فأفاد اختصاصه تعالى بالقدرة على بعث العذاب عليهم وأنّ غيره لا يقدر على ذلك فلا ينبغي لهم أن يخشوا الأصنام ، ولو أرادوا الخير لأنفسهم لخافوا الله تعالى وأفردوه بالعبادة لمرضاته ، فالقصر المستفاد إضافي . والتعريف في { القادر } تعريف الجنس ، إذ لا يقدر غيره تعالى على مثل هذا العذاب .

والعذاب الذي من فوق مثل الصواعق والريح ، والذي من تحت الأرجل مثل الزلازل والخسف والطوفان .

و{ يلبسكم } مُضارع لَبَسَه بالتحريك أي خلطه ، وتعدية فعل { يلبسكم } إلى ضمير الأشخاص بتقدير اختلاط أمرهم واضطرابه ومَرجه ، أي اضطراب شؤونهم ، فإنّ استقامة الأمور تشبه انتظام السلك ولذلك سمَّيت استقامة أمور الناس نظاماً . وبعكس ذلك اختلال الأمور والفوضى تشبه اختلاط الأشياء ، ولذلك سمّي مَرَجاً ولَبْساً . وذلك بزوال الأمن ودخول الفساد في أمور الأمّة ، ولذلك يقرن الهَرْج وهو القتل بالمَرْج ، وهو الخلط فيقال : هم في هَرْج ومَرْج ، فسكون الراء في الثاني للمزاوجة .

وانتصب { شِيَعاً } على الحال من الضمير المنصوب في { يَلْبِسَكم } . والشيَع جمع شيعة بكسر الشين وهي الجماعة المتَّحدة في غرض أو عقيدة أو هوى فهم متّفقون عليه ، قال تعالى : { إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيَاً لست منهم في شيء } [ الأنعام : 159 ] . وشيعة الرجل أتباعه والمقتدون به قال تعالى : { وإنّ من شيعته لإبراهيم } [ الصافات : 83 ] أي من شيعة نوح .

وتشتّت الشيع وتعدّد الآراء أشدّ في اللبس والخلط ، لأنّ اللبس الواقع كذلك لبس لا يرجى بعده انتظام .

وعطف عليه { ويذيق بعضَكم بأس بعض } لأنّ من عواقب ذلك اللبس التقاتل . فالبأس هو القتل والشرّ ، قال تعالى : { وسرابيل تقيكم بأسكم } [ النحل : 81 ] . والإذاقة استعارة للألم .

وهذا تهديد للمشركين كما قلنا بطريق المجاز أو الكناية . وقد وقع منه الأخير فإنّ المشركين ذاقوا بأس المسلمين يومَ بدر وفي غزوات كثيرة .

في « صحيح البخاري » عن جابر بن عبد الله قال : " لما نزلتْ { قُلْ هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم } قال رسول صلى الله عليه وسلم أعوذُ بوجهك . قال : { أوْ من تحت أرجلكم } قال : أعوذ بوجهك قال : { أو يلبِسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض } قال رسول الله : هذا أهون ، أو هذا أيسر " اه . واستعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك خشية أن يعمّ العذاب إذا نزل على الكافرين مَن هو بجوارهم من المسلمين لقوله تعالى : { واتَّقُوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة } [ الأنفال : 25 ] وفي الحديث قالوا : « يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال : نعم إذا كثر الخبث » وفي الحديث الآخر « ثم يُحْشَرُون على نيّاتهم » ومعنى قوله : هذه أهون ، أنّ القتل إذا حلّ بالمشركين فهو بيد المسلمين فيلحق المسلمين منه أذى عظيم لكنَّه أهون لأنَّه ليس فيه استئصال وانقطاع كلمة الدين ، فهو عذاب للمشركين وشهادة وتأييد للمسلمين . وفي الحديث : « لا تتمنَّوا لقاء العدوّ واسألوا الله العافية » وبعض العلماء فسّر الحديث بأنَّه استعاذ أن يقع مثل ذلك بين المسلمين . ويتَّجه عليه أن يقال : لماذا لم يستعذ الرسول صلى الله عليه وسلم من وقوع ذلك بين المسلمين ، فلعلّه لأنه أوحي إليه أنّ ذلك يقع في المسلمين ، ولكن الله وعده أن لا يسلِّط عليهم عدوّاً من غير أنفسهم . وليست استعاذته بدالة على أنّ الآية مراد بها خطاب المسلمين كما ذهب إليه بعض المفسّرين ، ولا أنَّها تهديد للمشركين والمؤمنين ، كما ذهب إليه بعض السلف ؛ إلاّ على معنى أنّ مفادها غيرَ الصريح صالح للفريقين لأنّ قدرة الله على ذلك صالحة للفريقين ، ولكن المعنى التهديدي غير مناسب للمسلمين هنا . وهذا الوجه يناسب أن يكون الخبر مستعملاً في أصل الإخبار وفي لازمه فيكون صريحاً وكناية ولا يناسب المجاز المركّب المتقدّم بيانه .

{ انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الايات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } .

استئناف وردَ بعد الاستفهامين السابقين . وفي الأمر بالنظر تنزيل للمعقول منزلة المحسوس لقصد التعجيب منه ، وقد مضى في تفسير قوله تعالى : { انظر كيف يفترون على الله الكذب } في سورة [ النساء : 50 ]

وتصريف الآيات تنويعها بالترغيب تارة والترهيب أخرى . فالمراد بالآيات آيات القرآن . وتقدّم معنى التصريف عند قوله تعالى : { انظر كيف نصرّف الآيات ثم هم يصدفون } في هذه السورة [ 46 ] .

{ ولعلّهم يفقهون } استئناف بياني جواب لسؤال سائل عن فائدة تصريف الآيات ، وذلك رجاء حصول فهمهم لأنَّهم لعنادهم كانوا في حاجة إلى إحاطة البيان بأفهامهم لعلَّها تتذكَّر وترعوي .

وتقدّم القول في معنى ( لعلّ ) عند قوله تعالى : { لعلّكم تتّقون } في سورة [ البقرة : 21 ] .

وتقدّم معنى الفقه عند قوله تعالى : { فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً } في سورة [ النساء : 78 ] .