تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَفۡقَهُونَ} (65)

الآية 65 وقوله تعالى : { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض } اختلف في نزول الآية في من نزلت ؟ في مشركي العرب ؟ وهو قول أبي بكر الأصم لأنها نزلت على إثر آيات ، نزلت في أهل الشرك : من ذلك قوله تعالى : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } [ الأنعام : 50 ] وقوله تعالى : { قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم } الآية [ الأنعام : 46 ] وقوله : { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة } إلى قوله تعالى : { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } [ الأنعام : 61 و 62 ] هذه الآيات كلها نزلت في أهل الشرك . فهذه كذلك نزلت فيهم ، لأنها ذكرت على إثرها ، ولأن سورة الأنعام نزل أكثرها في محاجة أهل الشرك [ إلا ]{[7200]} آيات منها نزلت في أهل الكتاب ، وسورة المائدة نزل أكثرها في محاجة أهل الكتاب .

ومنهم من يقول : نزلت في أهل الإسلام ، وهو قول أبي بن كعب ؛ وقال : هن أربع ؛ فجاء منهن اثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبسهم شيعا ، وأذيق بعضهم بأس بعض : أما لبس الشيع فهي{[7201]} الأهواء المختلفة ، ويذيق بعضهم بأس بعض هو السيف والقتل ؛ هذان قد كانا في المسلمين . وبقيت{[7202]} ثنتان ، لا بد واقعتان . ومنهم من يقول : كانت{[7203]} ثنتان في المشركين من أهل الكتاب ، وثنتان في أهل الإسلام ؛ وهو قول الحسن ؛ قال : قد ظهر في أهل الإسلام الأهواء المختلفة والقتل والفتن ، وأما اللتان{[7204]} في أهل الشرك من أهل الكتاب فهما{[7205]} الخسف في الأرض والحجارة من السماء .

ثم اختلف في قوله تعالى : { عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض } عن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]{[7206]} قال : { عذاب من فوقكم } أي من أمرائكم { أو من تحت أرجلكم } أي من سفلتكم ؛ لأن الفتن ونحوها إنما تهيج من الأمراء الجائرة ومن أتباعهم ، وقوله تعالى : { أو يلبسكم شيعا } قال : الأهواء المختلفة ، وقوله تعالى : { ويذيق بعضكم بأس بعض } أي يسلط بعضهم{[7207]} على بعض بالقتل{[7208]} والعذاب .

ومن قال بأن الآية نزلت في أهل الشرك يقول : كان في أشياعهم ذلك كله ؛ أما العذاب من الفوق فهو{[7209]} الحصب بالحجارة كما فعل بقوم لوط ومن تحت أرجلهم ، فهو{[7210]} الخسف كما فعل بقارون ، ومن معه .

وقوله تعالى : { أو يلبسكم شيعا } يقول : فرقا وأحزابا . وكانت اليهود والنصارى فرقا مختلفة ؛ اليهود فرقا والنصارى كذلك كقوله : { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } [ المائدة : 64 ] وقوله : { فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } [ المائدة : 14 ] .

وقوله تعالى : { ويذيق بعضكم بأس بعض } هو الحرب والقتال . وقول{[7211]} الحسن ما ذكرنا أنه ظهر في أهل الإسلام الأهواء المختلفة ، وظهر الحرب والنضل . وأما الخسف والحصب فلم يظهر ، فهو في أهل الشرك .

ويحمل قوله تعالى : { عذابا من فوقكم } من السماء أرسله{[7212]} عليهم ، لأنهم قد أقروا أنه رفع السماء{[7213]} . فمن قدر على رفع شيء يقدر على إرساله ، [ ويحتمل ]{[7214]} قوله { أو من تحت أرجلكم } [ الخسف ]{[7215]} لأنهم عرفوا أنه بسط الأرض{[7216]} . ومن ملك بسط شيء يملك طيه ، ويخسف بهم .

وقوله تعالى : /151-أ/ { انظر كيف نصرف الآيات } قيل : أي نرد . والآيات كل مزدجرة ، أو نقول : { كيف نصرف الآيات } ليعلم كل صدقها وحقيقتها أنها من الله جاءت .

[ وقوله تعالى ]{[7217]} : { لعلهم يفقهون } يحتمل وجوها :

[ أحدها : ]{[7218]} صرفوا ليفقهوا . ذلك يرجع إلى المؤمنين خاصة .

والثاني : { لعلهم يفقهون } أي ليلزمهم أن يفقهوا ، وقد ألزم الكل أن يفقهوا . لكن من لم يفقه إنما لم يفقه لأنه نظر إليه بعين الاستخفاف .

والثالث : { نصرف الآيات } أي نصرف الرسل{[7219]} ، ونبلغها إليهم على رجاء{[7220]} أن يفقهوا : لكي يفقهوا ، إن نظروا فيها ، وتأملوها . وذكر لعل لأن منهم من فقه ، ومنهم من لم يفقه .


[7200]:- من م، ساقطة من الأصل.
[7201]:- في الأصل وم: هي.
[7202]:- في الأصل وم: وبقي.
[7203]:- في الأصل وم: كان.
[7204]:- في الأصل وم: اللذان.
[7205]:- في الأصل وم: هو .
[7206]:- ساقطة من الأصل وم.
[7207]:- في الأصل وم: عليهم.
[7208]:- في الأصل وم: القتل.
[7209]:- في الأصل وم: هو.
[7210]:- في الأصل وم: وهو.
[7211]:- من م، في الأصل: وهو.
[7212]:- في الأصل وم: أرسلها.
[7213]:- إشارة إلى قوله تعالى: {رفع السماوات بغير عمد ترونها} [الرعد: 2].
[7214]:- ساقطة من الأصل وم.
[7215]:- ساقطة من الأصل وم .
[7216]:- إشارة إلى قوله تعالى: {والله جعل لكم الأرض بساطا} [نوح: 19].
[7217]:- ساقطة من الأصل وم .
[7218]:- ساقطة من الأصل وم .
[7219]:- في الأصل وم: الرسول.
[7220]:- في الأصل وم: جاء.