بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَفۡقَهُونَ} (65)

وقوله تعالى : { قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ } يعني : الحصب بالحجارة كما فعل بقوم لوط ، والغرق كما أرسل على قوم نوح . يعني : إن استكبرتم ، وأصررتم ، وكذبتم رسلي مثل ما فعل قوم نوح ، أو فعلتم الفعلة التي فعل قوم لوط ثم قال : { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } يعني يخسف بكم كما خسف بقارون ومن معه ، إن استكبرتم واغتررتم بالدنيا كما فعل قارون .

ثم قال : { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } يعني : الأهوال المختلفة ، كما ألبس بني إسرائيل إن تركتم أمر رسولي ، واتبّعتم هواكم كما فعل بنو إسرائيل { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } يعني يقتل بعضكم بعضاً بالسيف كما فعل بالأمم الخالية ، إن فعلتم مثل ما فعلوا . فلما نزلت هذه الآية قال النبي : صلى الله عليه وسلم « يا جِبْرِيلُ ما بَقَاءُ أُمَّتِي عَلَى ذلك ؟ » قال له جبريل : إنَّمَا أنا عَبْدٌ مِثْلُكَ فادْعُ رَبَّكَ وَسَلْهُ لأمَّتِكَ فقام النبِي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ، وأسبغ الوضوء ، فأحسن الصلاة ، ثم دعا فنزل جبريل فقال : إنَّ الله تعالَى سَمِعَ مَقَالَتَكَ ، وَأَجَارَهُمْ مِنْ خَصْلَتَيْنِ ، وَهُوَ العَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ ، وَمِنْ تَحْتَ أَرْجُلِهِمْ . فَقَالَ : « يَا جِبْرِيلُ ما بَقَاءُ أُمَّتِي إذا كان فِيهِمْ أَهْوَاءَ مُخْتَلِفَةٌ وَيُذِيقُ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ؟ » فنزل جبريل بهذه الآية { الم أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 1/2 ] الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَتَرِقُ أُمَّتِي اثْنَانَ وَسَبْعُونَ فِرْقَةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إلاَّ وَاحِدَةَ » قالوا : يا رسول الله ما هذه الواحدة ؟ قال :

« أهْلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ الَّذِي أنا عَلَيْهِ ، وأصْحَابِي » وفي خبر آخر . « السَّوَادُ الأعْظَمُ » وروى عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أنه قال : لما نزلت هذه الآية { قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أعُوذُ بِوَجْهِ الله » فلما نزلت { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال : « هاتان أهون » ويقال : عذاباً من فوقكم يعني : سلطاناً جائراً ، { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } من سفهائكم يقلبون عليكم { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } يعني : الفتنة بين المحلتين أو القريتين .

ثم قال : { انظر كَيْفَ نُصَرّفُ الآيات } يعني : نبيّن الآيات من البلاء والعذاب في القرآن { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } يعني : يعقلون ما هم عليه .