وقوله تعالى : { قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً } استئنافٌ مَسوقٌ لبيان أنه تعالى هو القادرُ على إلقائهم في المهالك إثرَ بيانِ أنه هو المُنْجي لهم منها ، وفيه وعيدٌ ضمنيٌّ بالعذاب لإشراكهم المذكورِ على طريقة قولِه عز وجل : { أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر } إلى قوله تعالى : { أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أخرى } [ الإسراء ، الآية 68 و6 ] ، و( عليكم ) متعلقٌ ( بيبعثَ ) وتقديمُه على مفعوله الصريح للاعتناء به والمسارعةِ إلى بيان كون المبعوثِ مما يضرُّهم ، ولتهويل أمْرِ المؤخرِ . وقوله تعالى : { من فَوْقِكُمْ } متعلقٌ به أيضاً أو بمحذوف وقع صفةً لعذاباً أي عذاباً كائناً من جهة الفوق كما فَعَل بمن فَعَل من قوم لوطٍ وأصحابِ الفيل وأضرابِهم { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } أو من جهة السُفلِ كما فعل بفِرْعونَ وقارونَ ، وقيل : ( مِنْ فوقكم ) أكابِرُكم ورؤسائِكم و( من تحت أرجلِكم ) سفلتُكم وعبيدُكم ، وكلمة أو لمنع الخُلوّ دون الجمع ، فلا منْعَ لما كان من الجهتين معاً ، كما فُعل بقوم نوحٍ { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } أي يخلطَكم فِرَقاً متحزّبين على أهواءَ شتّى ، كلُّ فرقةٍ مشايعةٌ لإمامٍ فينشَبُ بينكم القتالُ فتختلطوا في الملاحم كقول الحَماسي : [ الكامل ]
وكتيبةٍ لبَّستُها بكتيبةٍ *** حتى إذا التَبَسَتْ نفضْتُ لها يدي
{ وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } عطفٌ على ( يبعثَ ) وقرئ بنون العظمة على طريقة الالتفات لتهويل الأمرِ والمبالغةِ في التحذير ، والبعضُ الأولُ الكفارُ والآخَرُ المؤمنون ففيه وعدٌ ووعيد . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه قال عند قوله تعالى : { عَذَاباً من فَوْقِكُمْ } : «أعوذُ بوجهك » . وعند قوله تعالى : { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } : «أعوذ بوجهك » . وعند قوله تعالى : { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } : هذا أهونُ أو هذا أيسرُ » ) . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «سألت ربي أن لا يبعثَ على أمتي عذاباً من فوقهم أو من تحت أرجلِهم فأعطاني ذلك ، وسألته أن لا يجعلَ بأسهم بينهم فمنعني ذلك » { انظر كَيْفَ نُصَرّفُ الآيات } من حال إلى حال { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } كي يفقَهوا ويقِفوا على جلية الأمرِ فيرجِعوا عما هم عليه من المكابرة والعِناد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.