ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية : { وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً . . . } .
أى : وقل - أيها الرسول الكريم - : الحمد الكامل ، والثناء الجميل ، لله - تعالى - وحده ، الذى لم يتخذ ولدًا ؛ لأنه هو الغنى ، كما قال - تعالى - : { قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض . . } ولم يكن له ، - سبحانه - { شَرِيكٌ فِي الملك } بل هو المالك لكل شىء ليس له فى هذا الكون من يزاحمه أو يشاركه فى ملكه أو فى عبادته . كما قال - تعالى - : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } وكما قال - عز وجل - : { مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ } { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل } أى : ولم يكن له - سبحانه - ناصر ينصره من ذل أصابه أو نزل به ، لأنه - عز وجل - هو أقوى الأقوياء ، وقاهر الجبابرة ، ومذل الطغاة ، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } { وكبره تكبيرا } أى : وعظمه تعظيمًا تامًا كاملاً ، يليق بجلاله عز وجل .
قال الإِمام ابن كثير : عن قتادة أنه قال : ذكر لنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله كبيرهم وصغيرهم هذه الآية . { الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً . . . }
ثم قال ابن كثير : وقد جاء فى حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها آية العز .
وتختم السورة كما بدأت بحمد الله وتقرير وحدانيته بلا ولد ولا شريك ، وتنزيهه عن الحاجة إلى الولي والنصير . وهو العلي الكبير . فيلخص هذا الختام محور السورة الذي دارت عليه ، والذي بدأت ثم ختمت به :
( وقل : الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك . ولم يكن له ولي من الذل . وكبره تكبيرا ) .
وقوله : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } لما أثبت تعالى لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى ، نزه نفسه عن النقائص فقال : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ } بل هو الله الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد .
{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ } أي : ليس بذليل فيحتاج{[17912]} أن يكون له ولي أو وزير أو مشير ، بل هو تعالى [ شأنه ]{[17913]} خالق الأشياء وحده لا شريك له ، ومقدرها ومدبرها{[17914]} بمشيئته وحده لا شريك له .
قال مجاهد في قوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ } لم يحالف أحدًا ولا يبتغي{[17915]} نصر أحد .
{ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } أي : عظِّمه وأَجِلَّه عما يقول الظالمون المعتدون علوًا كبيرًا .
قال ابن جرير : حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني أبو صخر ، عن القرظي أنه كان يقول في هذه الآية : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } الآية ، قال : إن اليهود والنصارى قالوا : اتخذ الله ولدًا ، وقال{[17916]} العرب : [ لبيك ]{[17917]} لبيك ، لا شريك لك ؛ إلا شريكًا هو لك ، تملكه وما ملك . وقال الصابئون والمجوس : لولا أولياء الله لذل . فأنزل الله هذه الآية : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }
وقال أيضا : حدثنا بشر ، [ حدثنا يزيد ]{[17918]} حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله هذه الآية { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } الصغير من أهله{[17919]} والكبير .
قلت : وقد جاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها آية العز{[17920]} وفي بعض الآثار : أنها ما قرئت في بيت في ليلة فيصيبه سرق أو آفة . والله أعلم .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا بشر بن سيحان البصري ، حدثنا حرب بن ميمون ، حدثنا موسى ابن عبيدة الرَّبَذي ، عن محمد بن كعب القُرَظي ، عن أبي هريرة قال : خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويدي في يده ، فأتى على رجل رث الهيئة ، فقال : " أي فلان ، {[17921]} ما بلغ بك ما أرى ؟ " . قال : السقم والضرّ يا رسول الله . قال : " ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر ؟ " . قال : لا قال : ما يسرني بها{[17922]} أن شهدت معك بدرًا أو أحدًا . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " وهل يدرك أهل بدر وأهل أحد ما يدرك الفقير القانع ؟ " . قال : فقال{[17923]} أبو هريرة : يا رسول الله ، إياي فعلمني قال : فقل يا أبا هريرة : " توكلت على{[17924]} الحي الذي لا يموت ، الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل ، وكبره تكبيرًا " . قال : فأتى عليّ رسول الله وقد حَسُنَت حالي ، قال : فقال لي : " مَهْيم " . قال : قلت : يا رسول الله ، لم أزل{[17925]} أقول الكلمات التي علمتني{[17926]} .
إسناده ضعيف وفي متنه نكارة . [ والله أعلم ]{[17927]} .
ووقع في ت : " آخر تفسير سورة الإسراء ، ولله الحمد والمنة ، وبه التوفيق والعصمة ، غفر الله لكاتبه ولمن قرأ فيه ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين أجمعين آمين " .
{ وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك } في الألوهية { ولم يكن له وليّ من الذلّ } ولي يواليه من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته نفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارا واضطرارا ، وما يعاونه ويقويه ، ورتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالإيجاد ، المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك نعمة ، أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله : { وكبّره تكبيرا } وفيه تنبيه على أن العبد وإن بالغ في التنزيه والتمجيد واجتهد في العبادة والتحميد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك . روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية .
وقوله تعالى : { وقل الحمد لله }{[7735]} الآية ، هذه الآية رادة على اليهود والنصارى والعرب في قولهم أفذاذاً : عزير وعيسى والملائكة ذرية لله سبحانه وتعالى عن أقوالهم ، ورادة على العرب في قولهم لولا أولياء الله لذل وقيد لفظ الآية نفي الولاية لله عز وجل بطريق الذي وعلى جهة الانتصار ، إذ ولايته موجودة بتفضله ورحمته لمن والى من صالحي عباده ، قال مجاهد : المعنى لم يحالف أحداً ولا ابتغى نصر أحد ، وقوله { وكبره تكبيراً } أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال ، ثم أكدها بالمصدر تحقيقاً لها وإبلاغاً{[7736]} في معناها ، وروى مطرف عن عبد الله بن كعب قال : افتتحت التوراة بفاتحة سورة الأنعام وختمت بخاتمة هذه السورة . نجز تفسير سورة سبحان والحمد لله رب العالمين .