ثم توعدهم - سبحانه - بسوء المصير بسبب افترائهم الكذب فقال : { وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ . . . } والجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشئ ، كما تقول جعلت زيدا أفضل الناس ، أى حكمت عليه بذلك .
أى : أن هؤلاء المشركين زعموا وحكموا بأن الملائكة الذين هم عباد الرحمن ، وصفوة خلقه ، وأهل طاعته ، وزعموا أنهم إناث ، فهل كانوا حاضرين وقت أن خلقناهم حتى حكموا عليهم بهذا الحكم الباطل ؟
كلا إنهم لم يكونوا حاضرين ، ولذا { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ } فى صحائف أعمالهم المليئة بالسيئات { وَيُسْأَلُونَ } عنها سؤال تأنيب وتوبيخ يوم القيامة .
فالمراد بالكتابة والسؤال : معاقبتهم على افترائهم الكذب . وتجهيلهم فيما قالوه ،
ثم يحاصرهم هم وأسطورتهم من ناحية أخرى . فهم يدعون أن الملائكة إناث . فعلام يقيمون هذا الادعاء ?
( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً . أشهدوا خلقهم ? ستكتب شهادتهم ويسألون ) . .
أشهدوا خلقهم ? فعلموا أنهم إناث ? فالرؤية حجة ودليل يليق بصاحب الدعوى أن يرتكن إليه . وما يملكون أن يزعموا أنهم شهدوا خلقهم . ولكنهم يشهدون بهذا ويدعونه ، فليحتملوا تبعة هذه الشهادة بغير ما كانوا حاضريه : ( ستكتب شهادتهم ويسألون ) . .
وقوله : { وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا } أي : اعتقدوا فيهم ذلك ، فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك ، فقال : { أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ } أي : شاهدوه وقد خلقهم الله إناثا ، { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ } أي : بذلك ، { ويسألون } عن ذلك يوم القيامة . وهذا تهديد شديد ، ووعيد أكيد .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَعَلُواْ الْمَلاَئِكَةَ الّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرّحْمََنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وجعل هؤلاء المشركون بالله ملائكته الذين هم عباد الرحمن .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة «الّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرّحْمَنِ » بالنون ، فكأنهم تأوّلوا في ذلك قول الله جلّ ثناؤه : إنّ الّذِينَ عِنْدَ رَبّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ فتأويل الكلام على هذه القراءة : وجعلوا ملائكة الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدّسونه إناثا ، فقالوا : هم بنات الله جهلاً منهم بحقّ الله ، وجرأة منهم على قيل الكذب والباطل . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة وَجَعَلوا المَلائِكَةَ الّذِينَ هُمْ عِبادُ الرّحْمَنِ إناثا بمعنى : جمع عبد . فمعنى الكلام على قراءة هؤلاء : وجعلوا ملائكة الله الذين هم خلقه وعباده بنات الله ، فأنثوهم بوصفهم إياهم بأنهم إناث .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وذلك أن الملائكة عباد الله وعنده .
واختلفوا أيضا في قراءة قوله : أشَهِدُوا خَلْقَهُمْ فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة «أُشْهِدُوا خَلْقَهُمْ » بضم الألف ، على وجه ما لم يسمّ فاعله ، بمعنى : أأشهد الله هؤلاء المشركين الجاعلين ملائكة الله إناثا ، خلق ملائكته الذين هم عنده ، فعلموا ما هم ، وأنهم إناث ، فوصفوهم بذلك ، لعلمهم بهم ، وبرؤيتهم إياهم ، ثم رُدّ ذلك إلى ما لم يسمّ فاعله . وقُرىء بفتح الألف ، بمعنى : أَشهدوا هم ذلك فعلموه ؟
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .
وقوله : سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ يقول تعالى ذكره : ستكتب شهادة هؤلاء القائلين : الملائكة بنات الله في الدنيا ، بما شهدوا به عليهم ، ويُسألون عن شهادتهم تلك في الاَخرة أن يأتوا ببرهان على حقيقتها ، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلاً .
{ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا } كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به عليهم ، وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله تعالى أنقصهم رأيا وأخسهم صنفا . وقرئ عبيد وقرأ الحجازيان وابن عامر ويعقوب " عند " على تمثيل زلفاهم . وقرئ " أنثا " وهو جمع الجمع . { أشهدوا خلقهم } أحضروا خلق الله إياهم فشاهدوهم إناثا ، فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة وهو تجهيل وتهكم به . وقرأ نافع " أشهدوا " بهمزة الاستفهام وهمزة مضمومة بين بين ، و " آأشهدوا " بمدة بينهما . { ستكتب شهادتهم } التي شهدوا بها على الملائكة . { ويسئلون } أي عنها يوم القيامة ، وهو وعيد شديد . وقرئ " سيكتب " و " سنكتب " بالياء والنون . و " شهاداتهم " وهي أن الله جزء أو أن له بنات وهن الملائكة ويساءلون من المساءلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.