السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَجَعَلُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمۡ عِبَٰدُ ٱلرَّحۡمَٰنِ إِنَٰثًاۚ أَشَهِدُواْ خَلۡقَهُمۡۚ سَتُكۡتَبُ شَهَٰدَتُهُمۡ وَيُسۡـَٔلُونَ} (19)

ثم بين تعالى جرأتهم على ما لا ينبغي لعاقل أن يتفوه بقوله تعالى : { وجعلوا الملائكة الذين هم } متصفون بأشرف الأوصاف وهو أنهم { عباد الرحمان } أي : العام النعمة الذين ما عصوه طرفة عين { إناثاً } وذلك أدنى الأوصاف خلقاً وخلقاً ذاتاً وصفة فهذا كفر ثالث كالكافرين قبله ، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر : بكسر العين وبعدها نون ساكنة ونصب الدال ، والباقون بعد العين بباء موحدة مفتوحة وبعدها ألف ورفع الدال ثم قال تعالى تهكماً بهؤلاء القائلين ذلك وتوبيخاً لهم وإنكاراً عليهم { أشهدوا } أي : أحضروا { خلقهم } أي : خلقي إياهم فشاهدوهم إناثاً فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة ، وقرأ نافع بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مضمومة مسهلة كالواو وسكون الشين ، وأدخل قالون بينهما ألفاً ولم يدخل ورش والباقون بهمزة واحدة مفتوحة وفتح الشين .

{ ستكتب } بكتابة من وكلناهم بهم من الحفظة الذين لا يعصوننا فنحن نقدرهم على جميع ما نأمرهم به { شهادتهم } أي : قولهم فيهم أنهم إناث الذي لا ينبغي أن يكون إلا بعد تمام المشاهدة فهو قول ركيك سخيف ضعيف كما أشار إليه التأنيث { ويسألون } عنها عند الرجوع إلينا ، قال الكلبي ومقاتل : «لما قالوا هذا القول سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «ما يدريكم أنهم إناث ؟ قالوا : سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا فقال تعالى { ستكتب شهادتهم ويسألون } عنها في الآخرة هذا يدل على أن القول بغير دليل منكر وأن التقليد حرام يوجب الذم العظيم قال المحققون : هؤلاء الكفار كفروا في هذا القول من ثلاثة أوجه ؛ أولها : إثبات الولد ثانيها : أن ذلك الولد بنت ثالثها : الحكم على الملائكة بالأنوثة .

تنبيه : قال البقاعي : يجوز أن يكون في السين استعطاف التوبة قبل كتابة ما قالوا ولا علم لهم به فإنه قد روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات ، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبح الله أو يستغفر » .