جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَجَعَلُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمۡ عِبَٰدُ ٱلرَّحۡمَٰنِ إِنَٰثًاۚ أَشَهِدُواْ خَلۡقَهُمۡۚ سَتُكۡتَبُ شَهَٰدَتُهُمۡ وَيُسۡـَٔلُونَ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَعَلُواْ الْمَلاَئِكَةَ الّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرّحْمََنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وجعل هؤلاء المشركون بالله ملائكته الذين هم عباد الرحمن .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة «الّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرّحْمَنِ » بالنون ، فكأنهم تأوّلوا في ذلك قول الله جلّ ثناؤه : إنّ الّذِينَ عِنْدَ رَبّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ فتأويل الكلام على هذه القراءة : وجعلوا ملائكة الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدّسونه إناثا ، فقالوا : هم بنات الله جهلاً منهم بحقّ الله ، وجرأة منهم على قيل الكذب والباطل . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة وَجَعَلوا المَلائِكَةَ الّذِينَ هُمْ عِبادُ الرّحْمَنِ إناثا بمعنى : جمع عبد . فمعنى الكلام على قراءة هؤلاء : وجعلوا ملائكة الله الذين هم خلقه وعباده بنات الله ، فأنثوهم بوصفهم إياهم بأنهم إناث .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وذلك أن الملائكة عباد الله وعنده .

واختلفوا أيضا في قراءة قوله : أشَهِدُوا خَلْقَهُمْ فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة «أُشْهِدُوا خَلْقَهُمْ » بضم الألف ، على وجه ما لم يسمّ فاعله ، بمعنى : أأشهد الله هؤلاء المشركين الجاعلين ملائكة الله إناثا ، خلق ملائكته الذين هم عنده ، فعلموا ما هم ، وأنهم إناث ، فوصفوهم بذلك ، لعلمهم بهم ، وبرؤيتهم إياهم ، ثم رُدّ ذلك إلى ما لم يسمّ فاعله . وقُرىء بفتح الألف ، بمعنى : أَشهدوا هم ذلك فعلموه ؟

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ يقول تعالى ذكره : ستكتب شهادة هؤلاء القائلين : الملائكة بنات الله في الدنيا ، بما شهدوا به عليهم ، ويُسألون عن شهادتهم تلك في الاَخرة أن يأتوا ببرهان على حقيقتها ، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلاً .