فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَجَعَلُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمۡ عِبَٰدُ ٱلرَّحۡمَٰنِ إِنَٰثًاۚ أَشَهِدُواْ خَلۡقَهُمۡۚ سَتُكۡتَبُ شَهَٰدَتُهُمۡ وَيُسۡـَٔلُونَ} (19)

{ وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِندَ الرحمن إناثا } الجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشيء كما تقول : جعلت زيداً أفضل الناس ، أي : قلت بذلك ، وحكمت له به . قرأ الكوفيون : { عباد } بالجمع ، وبها قرأ ابن عباس . وقرأ الباقون : { عند الرحمن } بنون ساكنة ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد ، لأن الإسناد فيها أعلى ، ولأن الله إنما كذبهم في قوله : إنهم بنات الله ، فأخبرهم أنهم عباده ، ويؤيد هذه القراءة قوله : { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [ الأنبياء : 26 ] ، واختار أبو حاتم القراءة الثانية ، قال : وتصديق هذه القراءة قوله : { إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ } [ الأعراف : 206 ] ، ثم وبخهم وقرعهم ، فقال : { أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } أي أحضروا خلق الله إياهم ، فهو من الشهادة التي هي الحضور ، وفي هذا تهكم بهم وتجهيل لهم . قرأ الجمهور { أشهدوا } على الاستفهام بدون واو . وقرأ نافع " أو اشهدوا " . وقرأ الجمهور { سَتُكْتَبُ شهادتهم } بضم التاء الفوقية ، وبناء الفعل للمفعول ، ورفع شهادتهم ، وقرأ السلمي ، وابن السميفع ، وهبيرة عن حفص بالنون ، وبناء الفعل للفاعل ، ونصب شهادتهم ، وقرأ أبو رجاء : { شهاداتهم } بالجمع ، والمعنى : سنكتب هذه الشهادة التي شهدوا بها في ديوان أعمالهم ، لنجازيهم على ذلك { وَيُسْئَلُونَ } عنها يوم القيامة .

/خ20