جاءت آيات بعدها توضح موقف الكفار من المعجزات ، وإصرارهم على التكذيب ، وتطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإعراض عنهم وإمهالهم ليوم يخرجون فيه من الأجداث كأنهم جراد منتشر .
وتتابعت الآيات بعد ذلك ، تعرض أطرافا من أحوال الأمم السابقة مع رسلهم ، والعذاب الذي حاق بهم ، وبين كل قصة وأخرى تنبه الأذهان إلى أن القرآن الكريم ميسر لمن يطلب العظة والاعتبار .
منتهية إلى بيان أن كفار مكة ليسوا أقوى ولا أشد من الأمم السابقة ، وأنه ليس لهم أمان من العذاب ، ثم ختمت السورة بتهديد المكذبين المعاندين بمصائرهم يوم يسبحون في النار على وجوههم ، ويقال لهم : ذوقوا مس جهنم التي كنتم بها تكذبون ، وتطمئن المتقين إلى منازلهم في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
1- سورة القمر : هي السورة الرابعة والخمسون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فكان بعد سورة الطلاق ، وقبل سورة " ص " .
ويبلغ عدد السور التي نزلت قبلها ، سبعا وثلاثين سورة .
ويبلغ على الظن أن نزولها كان في السنوات الأولى من بعثته صلى الله عليه وسلم .
قال بعض العلماء : وكان نزولها في حدود سنة خمس قبل الهجرة . ففي الصحيح أن عائشة –رضي الله عنها- قالت : أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وإني لجارية ألعب ، قوله –تعالى- : [ بل الساعة موعدهم ، والساعة أدهى وأمر ]( {[1]} ) .
2- وتسمى هذه السورة بسورة القمر ، وبسورة اقتربت الساعة ، وتسمى بسورة اقتربت ، حكاية لأول كلمة افتتحت بها .
روى الإمام مسلم وأهل السنن عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسورتي " ق " و " اقتربت الساعة " .
وعدد آياتها : خمس وخمسون آية وهي من السور المكية الخالصة –على الرأي الصحيح- ، وقيل : هي مكية إلا ثلاث آيات منها ، وهي قوله –تعالى- : [ أم يقولون نحن جميع منتصر . سيهزم الجمع ويولون الدبر . بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ] فإنها نزلت يوم بدر ، وهذا القيل لا دليل له يعتمد عليه .
ويرده ما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : أنزل الله –تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلم بمكة قبل يوم بدر : سيهزم الجمع ويولون الدبر ، وقال عمر بن الخطاب : قلت : يا رسول الله أي جمع يهزم ؟ فلما كان يوم بدر ، وانهزمت قريش ، نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم مصلتا بالسيف ، وهو يقول : [ سيهزم الجمع ويولون الدبر ] فكانت ليوم بدر .
وبذلك نرى أن هذا الحديث ، وحديث عائشة السابق ، يدلان على أن هذه الآيات مكية –أيضا- ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قرأها في غزوة بدر على سبيل الاستشهاد بها .
3- والسورة الكريمة قد تحدثت في مطلعها عن اقتراب يوم القيامة ، وعن جحود المشركين للحق بعد إذ جاءهم ، وعما سيكونون عليه يوم القيامة من ندم وحسرة . قال –تعالى- [ اقتربت الساعة وانشق القمر . وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر . وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ] .
4- ثم تحدثت السورة الكريمة عن مصارع الغابرين ، فذكرت ما حل من هلاك ودمار ، بقوم نوح ، وهود ، ولوط –عليهم السلام- وما حل أيضا بفرعون وملئه من عقاب .
ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة ، ببيان مظاهر قدرته ، وبليغ حكمته ، ودقة نظامه في كونه ، وبشر المتقين بما يشرح صدورهم فقال –تعالى- : [ إنا كل شيء خلقناه بقدر . وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر . ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر . وكل شيء فعلوه في الزبر . وكل صغير وكبير مستطر . إن المتقين في جنات ونهر . في مقعد صدق عند مليك مقتدر ] .
5- والمتدبر في السورة الكريمة يراها قد اهتمت بالحديث عن أهوال يوم القيامة ، وعن تعنت المشركين وعنادهم ، وعن سنن الله –تعالى- في خلقه ، التي من أبرز مظاهرها ، نصر المؤمنين ، وخذلان الكافرين .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .
افتتحت السورة الكريمة بهذا الافتتاح الذى يبعث فى النفوس الرهبة والخشية ، فهو يخبر عن قرب انقضاء الدنيا وزوالها .
إذ قوله - تعالى - : { اقتربت الساعة } أى : قرب وقت حلول الساعة ، ودنا زمان قيامها .
والساعة فى الأصل : اسم لمدار قليل من الزمان غير معين ، وتحديدها بزمن معين اصطلاح عرفى ، وتطلق فى عرف الشرع على يوم القيامة .
وأطلق على يوم القيامة يوم الساعة ، لوقوعه بغتة ، أو لسرعة ما فيه من الحساب ، أو لأنه على طوله قدر يسير عند الله - تعالى - .
وقد وردت أحاديث كثيرة ، تصرح بأن ما مضى من الدنيا كثير بالنسبة لما بقى منها ، ومن هذه الأحاديث ما رواه البزار عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خطب أصحابه ذات يوم ، وقد كادت الشمس أن تغرب . . فقال : " والذي نفسى بيده ما بقى من الدنيا فيما مضى منها ، إلا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى منه " " .
وروى الشيخان عن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بعثت أنا والساعة هكذا " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى .
وشبيه بهذا الافتتاح قوله - تعالى - : فى مطلع سورة الأنبياء : { اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } وقوله - سبحانه - فى افتتاح سورة النحل : { أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } والمقصود من هذا الافتتاح المتحدث عن قرب يوم القيامة ، تذكير الناس بأهوال هذا اليوم ، وحضهم على حسن الاستعداد لاستقباله عن طريق الإيمان والعمل الصالح .
وقوله - تعالى - : { وانشق القمر } معطوف على ما قبله عطف جملة على جملة .
وقوله : { وانشق } من الانشقاق بمعنى الافتراق والانفصال .
أى : اقترب وقت قيام الساعة ، وانفصل وانفلق القمر بعضه عن بعض فلقتين ، معجزة للنبى - صلى الله عليه وسلم - ، وكان ذلك بمكة قبل هجرته - صلى الله عليه وسلم - بنحو خمس سنين ، وقد رأى هذا الانشقاق كثير من الناس .
وقد ذكر المفسرون كثيرا من الأحاديث فى هذا الشأن ، وقد بلغت الأحاديث مبلغ التواتر المعنوى .
قال الإمام ابن كثير : وهذا أمر متفق عليه بين العلماء - أى : انشقاق القمر- ، فقد وقع فى زمان النبى - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات .
ثم ذكر - رحمه الله - جملة من الأحاديث التى وردت فى ذلك ، ومنها ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك قال : سأل أهل مكة النبى - صلى الله عليه وسلم - آية ، فانشق القمر بمكة مرتين ، فقال : { اقتربت الساعة وانشق القمر } .
وأخرج الإمام أحمد عن جبير بن مطعم عن أبيه قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار فلقتين : فلقة على هذا الجبل وفلقة على هذا الجبل .
فقالوا : سحرنا محمد ، فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم .
وروى الشيخان عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شقتين ، حتى نظروا إليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اشهدوا " .
وقال الآلوسى : بعد أن ذكر عددا من الأحاديث فى هذا الشأن : والأحاديث الصحيحة فى الانشقاق كثيرة ، واختلف فى تواتره ، فقيل : هو غير متواتر : وفى شرح المواقف أنه متواتر . وهو الذى اختاره العلامة السبكى ، فقد قال : الصحيح عندى أن انشقاق القمر متواتر ، منصوص عليه فى القرآن ، مروى فى الصحيحين وغيرهما من طرق شتى ، لا يمترى فى تواتره .
وقد جاءت أحاديثه فى روايات صحيحة ، عن جماعة من الصحابة ، منهم عل بن أبى طالب ، وأنس ، وابن مسعود . .
ثم قال - رحمه الله - بعد أن ذكر شبهات المنكرين لحادث الانشقاق : والحاصل أنه ليس عند المنكر سوى الاستبعاد ، ولا يستطيع أن يأتى بدليل على الاستحالة الذاتية ولو انشق ، والاستبعاد فى مثل هذه المقامات قريب من الجنون . عند من له عقل سليم .
القول في تأويل قوله تعالى : { اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مّسْتَمِرّ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ : دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة ، وقوله اقْتَرَبَتْ افتعلت من القُرب ، وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنوّ القيامة ، وقرب فناء الدنيا ، وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم ، وهم عنها في غفلة ساهون .
وقوله : وَانْشَقّ القَمَرُ يقول جلّ ثناؤه : وانفلق القمر ، وكان ذلك فيما ذُكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، قبل هجرته إلى المدينة ، وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية ، فآراهم صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر ، آية حجة على صدق قوله ، وحقيقة نبوته فلما أراهم أعرضوا وكذّبوا ، وقالوا : هذا سحر مستمرّ ، سحرنا محمد ، فقال الله جلّ ثناؤه وَإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الاَثار ، وقال به أهل التأويل . ذكر الاَثار المروية بذلك ، والأخبار عمن قاله من أهل التأويل :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر مرّتين .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت قتادة يحدّث ، عن أنس ، قال : انشقّ القمر فرقتين .
حدثنا ابن المثنى والحسن بن أبي يحيى المقدسي ، قالا : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أنسا يقول : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني يعقوب الدورقيّ ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : سمعت أنسا يقول : فذكر مثله .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّتين .
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عَروبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حِراء بينهما .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن عبد الله ، قال : انشقّ القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى حتى ذهبت منه فرقة خلف الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اشْهَدُوا » .
حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا النضر بن شميل المازنيّ ، قال : أخبرنا شعبة ، عن سليمان ، قال : سمعت إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن عبد الله ، قال تفلّق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين ، فكانت فرقة على الجبل ، وفرقة من ورائه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللّهُمّ اشْهَدْ » .
حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا النضر ، قال : أخبرنا شعبة ، عن سليمان ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، مثل حديث إبراهيم في القمر .
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثني عمي يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن رجل ، عن عبد الله ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ، فانشقّ القمر ، فأخذت فرقة خلف الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اشْهَدُوا » .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد الله ، قال : رأيت الجبل من فرج القمر حين انشقّ .
حدثنا الحسن بن يحيى المقدسي ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المُغيرة ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ، قال : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش : هذا سحر بن أبي كَبْشَة سحركم فسلوا السّفّار ، فسألوهم ، فقالوا : نعم قد رأيناه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : اقْتَرَبَتِ السّاعةُ وَانْشَقّ القَمَرُ .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : قد مضى انشقاق القمر .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، قال : عبد الله خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن محمد ، قال : نُبّئت أن ابن مسعود كان يقول : قد انشقّ القمر .
قال : أخبرنا ابن علية ، قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السُلميّ ، قال : نزلنا المدائن ، فكنا منها على فرسخ ، فجاءت الجمعة ، فحضر أبي ، وحضرت معه ، فخطبنا حُذيفة ، فقال : ألا إن الله يقول اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشقّ ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المِضْمار ، وغدا السباق ، فقلت لأبي : أتستبق الناس غدا ؟ فقال : يا بنيّ إنك لجاهل ، إنما هو السباق بالأعمال ، ثم جاءت الجمعة الأخرى ، فحضرنا ، فخطب حُذيفة ، فقال : ألا إن الله تبارك وتعالى يقول : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشقّ ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ، ألا وإن الغاية النار ، والسابق من سَبق إلى الجنة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن قال : كنت مع أبي بالمدائن ، قال : فخطب أميرهم ، وكان عطاء يروي أنه حُذيفة ، فقال في هذه الاَية : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قد اقتربت الساعة وانشقّ القمر ، قد اقتربت الساعة وانشقّ القمر ، اليوم المِضْمار ، وغدا السباق ، والسابق من سبق إلى الجنة ، والغاية النار قال : فقلت لأبي : غدا السباق ، قال : فأخبره .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن حصين ، عن محمد بن جُبَير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : انشقّ القمر ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن خارجة ، عن الحصين بن عبد الرحمن ، عن ابن جُبَير ، عن أبيه وَانْشَقّ القَمَرُ قال : انشقّ ونحن بمكة .
حدثنا محمد بن عسكر ، قال : حدثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن عبد الحكم ، قالا : حدثنا بكر بن مضر ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عِرَاك ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة ، عن ابن عباس ، قال : انشقّ القمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا نصر بن عليّ ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : انشقّ القمر قبل الهجرة ، أو قال : قد مضى ذاك .
حدثنا إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن علي ، عن ابن عباس بنحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن علي ، عن ابن عباس أنه قال في هذه الاَية : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال : ذاك قد مضى كان قبل الهجرة ، انشقّ حتى رأوا شِقّيه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ . . . إلى قوله : سِحْرٌ مُسْتَمِرٌ قال : قد مضى ، كان قد انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فأعرض المشركون وقالوا : سحر مستمرّ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال : رأوه منشقا .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور وليث ، عن مجاهد اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال : انفلق القمر فلقتين ، فثبتت فلقة ، وذهبت فلقة من وراء الجبل ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «اشْهَدُوا » .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن ليث ، عن مجاهد انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصار فرقتين ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : «اشْهَدْ يا أبا بَكْرٍ » فقال المشركون : سحر القمر حتى انشقّ .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان ، قال : قدم رجل المدائن فقام فقال : إن الله تبارك وتعالى يقول : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ وإن القمر قد انشقّ ، وقد آذنت الدنيا بفراق ، اليوم المِضْمار ، وغدا السباق ، والسابق . من سبق إلى الجنة ، والغاية النار .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ يحدث الله في خلقه ما يشاء .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : سأل أهل مكة النبيّ صلى الله عليه وسلم آية ، فانشقّ القمر بمكة مرّتين ، فقال : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَانْشَقّ القَمَرُ قد مضى ، كان الشقّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فأعرض عنه المشركون ، وقالوا : سحْر مستمرّ .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا سلمة ، عن عمرو ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : مضى انشقاق القمر بمكة .
تفسير سورة القمر{[1]}
وهي مكية بإجماع إلا آية واحدة اختلف فيها ، فقال جمهور الناس : هي مكية ، وقال قوم : هي مما نزل يوم بدر ، وقيل : بالمدينة ، وهي قوله تعالى :{ سيهزم الجمع ويولون الدبر }{[2]} ، وسيأتي القول في ذلك .
{ اقتربت } معناه : قربت إلا أنه أبلغ ، كما أن اقتدر أبلغ من قدر . و : { الساعة } القيامة وأمرها مجهول التحديد لم يعلم ، إلا أنها قربت دون تحديد ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين » ، وأشار بالسبابة والوسطى{[10751]} . وقال أنس : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال : «ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى »{[10752]} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إني لأرجو أن يؤخر الله أمتي نصف يوم »{[10753]} وهذا منه على جهة الرجاء والظن لم يجزم به خبراً ، فأناب الله به على أمله وأخر أمته أكثر من رجائه ، وكل ما يروى عن عمر الدنيا من التحديد فضعيف واهن .
وقوله : { انشق القمر } إخبار عما وقع في ذلك ، وذكر الثعلبي أنه قيل إن المعنى ينشق القمر يوم القيامة ، وهذا ضعيف الأمة على خلافه ، وذلك أن قريشاً سألت رسول الله آية فقيل مجملة ، وهذا قول الجمهور ، وقيل بل عاينوا شق القمر ، ذكره الثعلبي عن ابن عباس فأراهم الله انشقاق القمر ، فرآه رسول الله وجماعة من المسلمين والكفار ، فقال رسول الله «اشهدوا »{[10754]} وممن قال من الصحابة رأيته : عبد الله بن مسعود وجبير بن مطعم وأخبر به عبد الله بن عمر وأنس وابن عباس وحذيفة بن اليمان ، وقال المشركون عند ذلك : سحرنا محمد . وقال بعضهم : سحر القمر وقالت قريش استخبروا المسافرين القادمين عليكم ، فما ورد أحد إلا أخبر بانشقاقه وقال ابن مسعود : رأيته انشق فذهبت فرقة وراء جبل حراء ، وقال ابن زيد : كان يرى نصفه على ُقَعْيِقَعان والآخر على أبي قبيس . وقرأ حذيفة : «اقتربت الساعة وقد انشق القمر » ، وذكر الثعلبي عنه أن قراءته : «اقتربت الساعة انشق القمر » دون واو .