المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

78- إن الموت الذي تَفِرُّون منه ملاقيكم أينما كنتم ، ولو كانت إقامتكم في حصون مشيدة وإن هؤلاء الخائرين لضعف إيمانهم يقولون : إن أصابهم فوز وغنيمة هي من عند الله ، وإن أصابهم جدب أو هزيمة يقولوا لك - يا محمد - هذا من عندك وكان بشُؤْمك . فقل لهم : كل ما يصيبكم مما تحبون أو تكرهون هو من تقدير اللَّه ومن عنده اختبار وابتلاء ، فما لهؤلاء الضعفاء لا يدركون قولاً صحيحاً يتحدث به إليهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

ثم بين - سبحانه - أنه لا مفر لهم من الموت ، وأنهم مهما فروا منه فإنه سيلقاهم آجلا أو عاجلا فقال - تعالى - : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } .

والبروج : مع برج وهو الحصن المنيع الذى هو نهاية ما يصل إليه البشر فى التحصن والمنعة . وأصل البروج من التبرج بمعنى الظهور . يقال : تبرجت المرأة ، إذا أظهرت محاسنها . والمراد بها الحصون والقلاع الشاهقة المنيعة .

والمشيدة : أى المحكة البناء ، والعظيمة الارتفاع من شاد القصر إذا رفعه ، والمعنى : إنكم أيها الخائفون من القتال إن ظننتم أن هذا الخوف منه أو القعود عنه سينجيكم من الموت ، فأنتم بهذا الظن مخطئون ، لأن الموت حيثما سيدرككم ، ولو كنتم فى أقوى الحصون ، وأمنعها وأحكمها بناء ، وما دام الأمر كذلك فليكن موتكم وأنتم مقبلون بدل أن تموتوا وأنتم مدبرون .

والجملة الكريمة لا محل لها من الإِعراب ، لأنها مسوقة على سبيل الاستئناف لتبكيت هؤلاء الكارهين للقتال ، وتحريض غيرهم من المؤمنين على الإِقدام عليه من أجل نصرة الحق .

ويحتمل أنها فى محل نصب ، فتكون داخلة فى حيز القول المأمور به الرسول صلى الله عليه وسلم أى : قل لهم يا محمد متاع الدنيا قليل . وقل لهم { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت } .

وأين : اسم شرط جازم ظرف مكان يجزم فعلين ، و " ما " زائدة للتأكيد ، وتكونوا فعل الشرط ويدرككم جوابه .

والتعبير بقوله { يُدْرِككُّمُ } للإِشعار بأن الموت كأنه كائن حى يطلب الإِنسان ويتبعه حيثما كان ، وفى أى وقت كان ، فهو طالب لابد أن يدرك ما يطلبه ولا بد أن يصل إليه هما تحصن منه ، أو هرب من لقائه .

وجواب ( لو ) محذوف اعتماداً على دلالة ما قبله عليه أى : ولو كنتم فى بروج مشيدة لأدرككم الموت .

وقريب فى المعنى من هذه الآية قوله - تعالى - { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ الموت أَوِ القتل } وقوله - تعالى - { قُلْ إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } فالجملة الكريمة صريحة فى بيان أن الموت أمر لا مفر منه ، ولا مهرب عنه سواء أقاتل الإِنسان أم لم يقاتل . وما أحسن قول زهير بن أبى سلمى :

ومن هاب أسباب المنايا ينلنه . . . ولو رام أسباب السماء بسلم

ثم حكى - سبحانه - ما كان يتفوه به المنافقون وإخوانهم فى الكفر من باطل وزور فقال - تعالى : { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِ الله وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله } .

أى : إن هؤلاء المنافقين وأشباههم ، من ضعاف الإِيمان وإخوانهم فى الكفر بلغ بهم الفجور أنهم إذا أصابتهم حال حسنة من نعمة أو رخاء أو خصب أو غنيمة أو ظفر قالوا هذه الحال من عند الله ، وإذا أصابتهم حال سيئة من جدب أو مصيبة أو هزيمة قالوا هذه الحال من عندك يا محمد بسبب شؤمك وسوء قيادتك - وحاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم - .

وهذا القول منهم قريب من قول قوم فرعون لموسى - عليه السلام - كما حكاه القرآن عنهم فى قوله : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الحسنة قَالُواْ لَنَا هذه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ } قال القرطبى : نزلت هذه الآية فى اليهود والمنافقين ، وذلك أنهم لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عليهم قالوا : ما زلنا نعرف النقص فى ثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه . قال ابن عباس : ومعنى { مِنْ عِندِكَ } أى : بسوء تدبيرك . وقيل { مِنْ عِندِكَ } أى بشؤمك الذى لحقنا ، قالوه على جهة التطير .

وقوله { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله } أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يرد على مزاعمهم الباطلة . أى قل لهم يا محمد كل واحدة من النعمة والمصيبة هى من جهة الله - تعالى خلقا وإيجاداً من غير أن يكون لى مدخل فى وقوع شئ منها بوجه من الوجوه كما تزعمون :

وقوله { فَمَالِ هؤلاء القوم لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } جملة معترضة مسوقة لتعييرهم بالجهل والغباوة ، والفاء فى قوله { فَمَالِ } لترتيب ما عدها على ما قبلها والمعنى . وإذا كان الأمر كذلك وهو أن كل شئ من عند الله ، فمال هؤلاء القوم من المنافقين وإخوانهم فى الكفر وضعف الإِيمان لا يكادون - لانطماس بصيرتهم - يفقهون ما يلقى عليهم من مواعظ ، ولا يفهمون معنى ما يسمعون وما يقولون ، إذ لو فقهوا شيئا مما يوعظون به لعلموا أن الله هو القابض الباسط ، وأنه المعطى المانع .

قال - تعالى - { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ العزيز الحكيم }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مّشَيّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هََذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُواْ هََذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلّ مّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لهؤلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : حيثما تكونوا ينلكم الموت فتموتوا ، { ولَوْ كُنْتُمْ في بُرُوجٍ مُشَيّدَةٍ } يقول : لا تجزعوا من الموت ولا تهربوا من القتال وتضعفوا عن لقاء عدوّكم حذرا على أنفسكم من القتل والموت ، فإن الموت بإزائكم أين كنتم ، وواصل إلى أنفسكم حيث كنتم ولو تحصنتم منه بالحصون المنيعة .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيّدَةٍ } فقال بعضهم : يُعْنَى به : قصور محصنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيّدَةٍ } يقول : في قصور محصنة .

حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبو همام ، قال : حدثنا كثير أبو الفضل ، عن مجاهد ، قال : كان فيمن قبلكم امرأة ، وكان لها أجير ، فولدت جارية فقالت لأجيرها : اقتبس لنا نارا ! فخرج فوجد بالباب رجلاً ، فقال له الرجل : ما ولدت هذه المرأة ؟ قال : جارية ، قال : أما إن هذه الجارية لا تموت حتى تبغي بمائة ، ويتزوّجها أجيرها ، ويكون موتها بالعنكبوت . قال : فقال الأجير في نفسه : فأنا أريد هذه بعد أن تفجر بمائة . فأخذ شفرة فدخل ، فشقّ بطن الصبية . وعولجت فبرئت ، فشبت ، وكانت تبغي ، فأتت ساحلاً من سواحل البحر ، فأقامت عليه تبغي . ولبث الرجل ما شاء الله ، ثم قدم ذلك الساحل ومعه مال كثير ، فقال لامرأة من أهل الساحل : أبغيني امرأة من أجمل امرأة في القرية أتزوّجها ! فقالت : ههنا امرأة من أجمل الناس ، ولكنها تبغي . قال : ائتِني بها ! فأتتها فقالت : قد قدم رجل له مال كثير ، وقد قال لي كذا ، فقلت له كذا . فقالت : إني قد تركت البغاء ، ولكن إن أراد تزوّجته . قال : فتزوّجها ، فوقعت منه موقعا ، فبينا هو يوما عندها ، إذ أخبرها بأمره ، فقالت : أنا تلك الجارية وأرته الشقّ في بطنها وقد كنت أبغي ، فما أدري بمائة أو أقلّ أو أكثر¹ قال : فإنه قال لي : يكون موتها بالعنكبوت . قال : فبني لها برجا بالصحراء وشيده . فبينما هما يوما في ذلك البرج ، إذا عنكبوت في السقف فقالت : هذا يقتلني ؟ لا يقتله أحد غيري ! فحركته فسقط ، فأتته فوضعت إبهام رجلها عليه فشدخته ، وساح سمه بين ظفرها واللحم ، فاسودّت رجلها فماتت ، فنزلت هذه الاَية : { إيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيّدَةٍ } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيّدَةٍ } قال : قصور مشيدة .

وقال آخرون : معنى ذلك : قصور بأعيانها في السماء . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { إيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيّدَةٍ } وهي قصور بيض في سماء الدنيا مبنية .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال : أخبرنا أبو جعفر ، عن الربيع في قوله : { إيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيّدَةٍ } يقول : ولو كنتم في قصور في السماء .

واختلف أهل العربية في معنى المشيدة ، فقال بعض أهل البصرة منهم : المشيدة : الطويلة . قال : وأما المَشيد بالتخفيف ، فإنه المزين .

وقال آخرون منهم نحو ذلك القول ، غير أنه قال : المَشيد بالتخفيف : المعمول بالشّيد ، والشّيد : الجصّ . وقال بعض أهل الكوفة : المَشِيد والمُشيّد أصلهما واحد ، غير أن ما شدّد منه فإنما يشدّد لتردد الفعل فيه في جمع مثل قولهم : هذه ثياب مصبغة ، وغنم مذبحة ، فشدد لأنها جمع يفرّق فيها الفعل ، وكذلك مثله قصور مُشيّدة ، لأن القصور كثيرة تردّد فيها التشييد ، ولذلك قيل : بروج مشيدة ، ومنه قوله : { وَغَلّقَتِ الأبْوَابَ } وكما يقال : كسّرت العود : إذا جعلته قطعا ، أي قطعة بعد قطعة . وقد يجوز في ذلك التخفيف ، فإذا أفرد من ذلك الواحد ، فكان الفعل يتردّد فيه ويكثر تردّده في جمع منه ، جاز التشديد عندهم والتخفيف ، فيقال منه : هذا ثوب مخّرق وجلد مقطّع ، لتردّد الفعل فيه وكثرته بالقطع والخرق . وإن كان الفعل لا يكثر فيه ولا يتردّد لم يجيزوه إلا بالتخفيف ، وذلك نحو قولهم : رأيت كبشا مذبوحا ، ولا يجيزون فيه «مذبّحا » ، لأن الذبح لا يتردّد فيه تردّد التخرّق في الثوب . وقالوا : فلهذا قيل : قصر مَشيد ، لأنه واحد ، فجعل بمنزلة قولهم : كبش مذبوح . وقالوا : جائز في القصر أن يقال قصر مُشيّد بالتشديد ، لتردّد البناء فيه والتشييد ، ولا يجوز ذلك في «كبش مذبوح » لما ذكرنا .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عْنِدِكَ } .

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { وَإنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ } : وإن ينلهم رخاء وظفر وفتح ويصيبوا غنيمة يقولوا هذه من عند الله ، يعني : من قِبَل الله ومن تقديره ، وإنْ تصبهم سيئة ، يقول : وإن تنلهم شدّة من عيش وهزيمة من عدوّ وجراح وألم ، يقولوا لك يا محمد : هذه من عندك بخطئك التدبير . وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن الذين قال فيهم لنبيه : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفّوا أيْدِيَكُمْ } .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر قالا : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : { وَإنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَإنْ تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ } قال : هذه في السرّاء والضرّاء .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَإنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَإنْ تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ } فقرأ حتى بلغ : { وأرْسَلْناكَ للنّاسِ رَسُولاً } قال : إن هذه الاَيات نزلت في شأن الحرب . فقرأ : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فانْفِرُوا ثُباتٍ أوِ انْفِرُوا جَمِيعا } فقرأ حتى بلغ : { وَإنْ تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ } من عند محمد عليه الصلاة والسلام ، أساء التدبير وأساء النظر ، ما أحسن التدبير ولا النظر .

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ كُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { قُلْ كُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ } قل يا محمد لهؤلاء القائلين إذا أصابتهم حسنة هذه من عند الله ، وإذا أصابتهم سيئة هذه من عندك : كل ذلك من عند الله دوني ودون غيري ، من عنده الرخاء والشدّة ، ومنه النصر والظفر ، ومن عنده القتل والهزيمة . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : { قُلْ كُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ } النعم والمصائب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { قُلْ كُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ } النصر والهزيمة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { قُلْ كُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثا } يقول : الحسنة والسيئة من عند الله ، أما الحسنة فأنعم بها عليك ، وأما السيئة فابتلاك بها .

القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثا } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ } فما شأن هؤلاء القوم الذين إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله ، وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ، { لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثا } يقول : لا يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به من أن كلّ ما أصابهم من خير أو شرّ أو ضرّ وشدة أو رخاء ، فمن عند الله ، لا يقدر على ذلك غيره ، ولا يصيب أحدا سيئة إلا بتقديره ، ولا ينال رخاء ونعمة إلا بمشيئته . وهذا إعلام من الله عباده أن مفاتح الأشياء كلها بيده ، لا يملك شيئا منها أحد غيره .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

{ أينما تكونوا يدرككم الموت } قرئ بالرفع على حذف الفاء كما في قوله :

من يفعل الحسنات الله يشكرها . أو على أنه كلام مبتدأ ، وأينما متصل ب{ لا تظلمون } . { ولو كنتم في بروج مشيدة } في قصور أو حصون مرتفعة ، والبروج في الأصل بيوت على أطراف القصور ، من تبرجت المرأة إذا ظهرت . وقرئ مشيدة بكسر الياء وصفا لها بوصف فاعلها كقولهم : قصيدة شاعرة ، ومشيدة من شاد القصر إذا رفعه . { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك } كما تقع الحسنة والسيئة على الطاعة والمعصية يقعان على النعمة والبلية ، وهما المراد في الآية أي : وإن تصبهم نعمة كخصب نسبوها إلى الله سبحانه وتعالى ، وإن تصبهم بلية كقحط أضافوها إليك وقالوا إن هي إلا بشؤمك كما قالت اليهود : منذ دخل محمد المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها . { قل كل من عند الله } أي يبسط ويقبض حسب إرادته . { فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا } يوعظون به ، وهو القرآن فإنهم لو فهموه وتدبروا معانية لعلموا أن الكل من عند الله سبحانه وتعالى ، أو حديثا ما كبهائم لا أفهام لها أو حادثا من صروف الزمان فيتفكرون فيه فيعلمون أن القابض والباسط هو الله سبحانه وتعالى .