غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

71

ثم بكت الفريق الخائنين بأنهم يدركهم الموت أينما كانوا ولو كانوا في حصون مرتفعة . والبروج في كلام العرب القصور والحصون وأصلها من الظهور ومنه تبرجت المرأة إذا أظهرت محاسنها . والغرض أنه لا خلاص لهم من الموت والجهاد موت مستعقب للسعادة الأبدية ، وإذا كان لا بد من الموت فوقوعه على هذا الوجه أولى . قال المفسرون : كانت المدينة مملوءة من النعم وقت مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلما ظهر عناد اليهود ونفاق المنافقين أمسك الله تعالى عنهم بعض الإمساك كما جرت عادته في جميع الأمم قال :{ وما أرسلنا في قرية من نبي إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضراء }[ الأعراف :94 ] فعند هذا قالت اليهود والمنافقون : ما رأينا أعظم شؤماً من هذا الرجل ؛ نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا منذ قدم . فقوله تعالى : { وإن تصبهم حسنة } يعني الخصب والرخص وتتابع الأمطار قالوا هذا من عند الله ، وإن تصبهم سيئة يعني الجدب وانقطاع الأمطار قالوا هذا من شؤم محمد وهذا كقوله :{ فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئة يطيروا بموسى ومن معه }[ الأعراف :131 ] . وقال قوم : الحسنة النصر على الأعداء والغنيمة ، والسيئة القتل والهزيمة . وقال أهل التحقيق : خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ وكل ما ينتفع به فهو حسنة . فإن كان منتفعاً به في الدنيا فهو الخصب والغنيمة وأمثالهما ، وإن كان منتفعاً به في الآخرة فهو الطاعة . فالحسنة تعم الحسنات ، والسيئة تعم السيئات فلا جرم أجابهم الله تعالى بقوله : { قل كل من عند الله } وكيف لا وجميع الممكنات من الأفعال والذوات والصفات لا بد من استنادها إلى الواجب بالذات ؟ ولهذا تعجب من حالهم وقال : { فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً } فنفى عنهم مقاربة الفقه والفهم فضلاً عن الفقه والفهم . قالت المعتزلة : بل هذه الآية حجة لنا لأنه لو كان حصول الفهم والمعرفة بتخليق الله تعالى لم يبق لهذا التعجب معنى ألبتة لأنه تعالى ما خلقها . والجواب : أنه تعالى لا يسأل عما يفعل . وأيضاً المعارضة بالعلم والداعي . وقالت المعتزلة أيضاً : الحديث " فعيل " بمعنى " مفعول " والمراد به الآيات المذكورة في هذه المواضع فيلزم منه كون القرآن محدثاً . والجواب بعد تسليم ما ذكروا أنه لا نزاع في حدوث العبارات إنما النزاع في الكلام النفسي .

/خ81