جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

{ أينما تكونوا يُدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة } حصون مرفوعة منيعة عالية قيل : نزلت في المنافقين الذين قالوا في قتلى أحد : لو كانوا عندنا ما ماتوا { وإن تصبهم } المنافقين واليهود { حسنة } كخصب ورزق من ثمار وأولاد { يقولوا هذه من عند الله وإن تُصبهم سيئة } كجدب ونقص من هلاك ثمار وموت أولاد { يقولوا هذه من عندك } قالوا : ما هي إلا بشؤم محمد وأصحابه { قل كلٌّ } من الحسنة والسيئة { من عند{[1069]} الله } بإرادته وقضائه يبسط ويقبض { فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا } أي : القرآن فإنه لو فهموه لعلموا أن الكل{[1070]}منه تعالى ، أو حديثا ما كبهائم لا أفهام لهم .


[1069]:وتعلق أهل القدر بظاهر هذه الآية فقالوا: نفى الله تعالى السيئة عن نفسه ونسبها إلى العبد، فقال: وما أصابك من سيئة فمن نفسك، ولا متعلق لهم فيه؛ لأنه ليس المراد من الآيات حسنات الكسب ولا سيئاته من الطاعات والمعاصي بل المراد منه ما يصيبهم من النعم والمحن، وذلك ليس من فعلهم بدليل أنه نسبها إلى غيرهم ولم ينسبها فقال: ما أصابك ولا يقال في الطاعة والمعصية أصابني إنما يقال: أصبتها ويقال في المحن: أصابني بدليل أنه لم يذكر عليه ثوابا ولا عقابا فهو كقوله تعالى: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) (الأعراف: 131)، فلما ذكر حسنات الكسب وسيئاته نسبها إليه ووعد عليها الثواب والعقاب فقال: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) (الأنعام: 160)، وقيل معنى الآية: ما أصابك من حسنة من النصر والظفر يوم بدر فمن الله أي من فضل الله، وما أصابك من سيئة من القتل والهزيمة يوم أحد فمن نفسك، أي: بذنب نفسك من مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن قيل: كيف وجه الجمع بين قوله: (قل كل من عند الله) أي: الخصب والجدب والنصر والهزيمة كلها من عند الله، وقوله: فمن نفسك أي: وما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك كما قال الله تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) (الشورى: 30)، يدل عليه ما روى مجاهد عن ابن عباس أنه قرأ (وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وأنا كتبتها عليك) وقال بعضهم: هذه الآية متصلة بما قبله والقول فيها مضمر تقديره (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) يقولون: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك، قل: كل من عند الله/12 معالم.
[1070]:أي: لا فاعل سواه تعالى ولا واسطة في البلايا سوى: أنفسهم دون النبي على ما زعموا، فتمام الرد عند قوله: (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) وبهذا اندفع ما قيل إنهم لم يجعلوا النبي فاعلا للبلايا بل واسطة كما في قوله تعالى: (يطيروا بموسى) (الأعراف: 131)، فلا يكون جعل المبدأ الفاعلي هو الله وحده ردا لمقالتهم فافهم/12 ج.