قوله سبحانه : { فِي بُرُوجٍ }[ النساء :78 ] .
الأكثرُ والأصحُّ الذي علَيْه الجمهورُ : أنه أراد ب ( البُرُوج ) : الحُصُونَ التي في الأرْضِ المبنيَّة ، لأنها غايةُ البَشَر في التحصُّن والمَنَعة ، فمَثَّل اللَّه لهم بها ، قال قتادة : المعنى في قصورٍ محصَّنة ، وقاله ابنُ جُرَيْجٍ ، والجُمْهُور ، وبَرَّجَ معناه : ظَهَر ، ومنه تبرُّج المرأة ، و{ مُّشَيَّدَةٍ } : قال الزَّجَّاج وغيره : معناه مرفُوعَة مطوَّلة ، ومنه أَشَادَ الرَّجُلُ ذِكْرَ الرَّجُل ، إذا رفَعَهُ ، وقالتْ طائفةٌ : { مُّشَيَّدَةٍ } معناه : محسَّنة بالشِّيدِ ، وهو الجَصُّ ، وروى النسائيَّ عن أبي هُرَيْرَة ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ ) ، يعني : الموتَ ، وخرَّجه ابنُ ماجه ، والترمذيُّ ، وخرَّجه أبو نُعَيْمٍ الحافظُ بإسناده من حديثِ مالكِ بْنِ أنس ، عن يَحْيَى بْنِ سعيدٍ ، عَنِ ابنِ المُسَيَّب ، عن عمرَ بْنِ الخطَّاب ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمثله ، وروى ابنُ ماجة بسَنَده ، عنِ ابن عُمَرَ ، أنَّهُ قَالَ : " كُنْتُ جَالِساً مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ المُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : ( أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً ، قَالَ : فَأَيُّ المُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ ؟ قَالَ : أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْراً ، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ استعدادا أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ ) ، وأخرجه مالك أيضاً . انتهى من «التذكرة » .
وقوله تعالى : { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ . . . } [ النساء :78 ] .
الضميرُ في { تُصِبْهُمْ } عائدٌ على { الذين قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } ، وهذا يدلُّ على أنَّهم المنافقون ، لأن المؤمنين لا تليقُ بهم هذه المقالةُ ، ولأنَّ اليهودَ لم يكُونوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ أمْرٍ ، فتصيبهم بِسَبَبِهِ أَسْوَاءٌ ، والمعنى : إنْ تُصِبْ هؤلاءِ المنافقين حَسَنَةٌ من غنيمةٍ أو غيرِ ذلك ، رَأَوْا أنَّ ذلك بالاتفاقِ مِنْ صُنْع اللَّه ، لا ببَرَكَةِ اتباعك والإيمانِ بِكَ ، { وإنْ تصبْهم سيِّئةٌ } أي : هزيمةٌ ، أو شدَّةُ جُوعٍ ، أو غيرُ ذلكَ ، قالوا : هذه بسَبَبِكَ .
وقوله : { قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ الله } إعلامٌ من اللَّه سبحانه ، أنَّ الخيْرَ والشرَّ ، والحسنَةَ والسيِّئة خَلْقٌ له ، ومِنْ عنده ، لا رَبَّ غيره ، ولا خَالِقَ ولا مُخْتَرِعَ سواه . والمعنى : قل ، يا محمَّد ، لهؤلاَءِ ، ثُمَّ وبَّخهم سبحانه بالاستفهامِ عن عِلَّةِ جهلهم ، وقلَّةِ فهمهم ، وتحصِيلِهِمْ ، لما يُخْبَرُونَ به من الحقائِقِ ، والْفِقْهُ في اللغةِ : الفَهْمُ ، وفي الشَّرْعِ : الفهمُ في أمورِ الدِّين ، ثم غَلَبَ علَيْهِ الاستعمالُ في عِلْمِ المسائِلِ الأحكاميَّة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.