تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

الآية 78

وقوله تعالى{ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } قيل : لما استشهد{[6001]} من استشهد يوم أحد قال المنافقون : لو كان إخواننا عندنا ما ماتوا ، وما قتلوا ، قال الله- تبارك ، وتعالى - : { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } ويحتمل أن يكون جوابا لما سبق من القول قولهم : { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } يقول : من كتب عليه الموت ينزل به لا محالة ؛ قاتل ، أم لم يقاتل ، ويقول{[6002]} : { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم }( آل عمران : 154 ) .

ويحتمل أن يكون قوله تعالى : { أينما تكونوا يدرككم الموت } إذا كان الموت نازلا بكم ، لا محالة ، فالقتل{[6003]} أنفع لكم ؛ إذ تستوجبون بالقتل الثواب الجزيل ، ولا يكون{[6004]} ذلك لكم إذا متم حتف أنوفكم والله أعلم .

وقوله تعالى : { في بروج مشيدة } قال الفراء : ( المشيد والمشيد واحد ، غير أن المشيد بالتشديد في ما يكثر الفعل ، والمشيد في ما لا يكثر الفعل . وقيل المشيد هو ( المجصص ، والمشيد بالجص ){[6005]} . وقال بعضهم : { بروج مشيدة } لأي حصينة ، وقيل : قصور محصنة طوال .

وقوله تعالى : { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا من عندك } معلوم أنهم لم يردوا بالحسنة والسيئة حسنة في الدين وسيئة في دينهم ، ولكن إن ما أرادوا بالحسنة والسيئة معلوم أنهم لم يريدوا بالحسنة والسيئة حسنة في الدين وسيئة في دينهم ، ولكن إنما أرادوا بالحسنة والسيئة في الدنيا من المنافع والبلايا والشدائد ؛ ذلك أنهم ما كانوا يحزنون لما يصيبهم من السيئة في الدين ، ولا كانوا يفرحون بالحسنة والخير في الدين ، ولكن فرحهم بما كانوا يصنعون في الدنيا من الخصب والسعة ، وحزنهم بما يصيبهم من الضيق والشدة .

وكانوا يتطيرون برسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كان دأب الكفرة من قبل ؛ كانوا يتطيرون بالأنبياء عليهم السلام كقوله عز وجل إخبارا عن قوم موسى- على نبينا وعليه الصلاة والسلام- : { وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } ( الأعراف : 131 ) وكقوله تعالى : { قالوا أطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون } ( النمل : 47 ) . وقال الله عز وجل : { ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون } ( الأعراف : 131 ) .

فعلى ذلك قولهم : { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك } تطيرا{[6006]} منهم برسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال الله عز وجل : { قل كل من عند الله } أي{[6007]} بتقديره كان وقضائه فضلا كقوله تعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله } ( النحل : 53 ) . وجزاء كقوله عز وجل : { وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم } ( الشورى : 30 ) أي ما أصابكم{[6008]} بسوء صنيعكم {[6009]} برسل الله عليهم السلام وتكذيبكم{[6010]} إياهم .

وقوله تعالى : { فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا } أي لا يفقهون ما لهم وما عليهم .


[6001]:في الأصل وم: استشهده.
[6002]:في الأصل وم: وقوله.
[6003]:في الأصل وم:في القتل.
[6004]:من م. في الأصل: يكونون.
[6005]:في الأصل: التجصص والمشيد الجص. في م: المجصص والمشيد الجص.
[6006]:في الأصل وم: تطير..
[6007]:. أدرج قبلها في الأصل وم:{وإن تصيبهم سيئة يقولوا هذه من عندك}.
[6008]:في الأصل وم: أصابهم.
[6009]:في الأصل وم: صنيعهم.
[6010]:في الأصل وم:وتكذيبهم.