فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

وقوله : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الموت } كلام مبتدأ ، وفيه حثّ لمن قعد عن القتال خشية الموت ، وبيان لفساد ما خالطه من الجن ، وخامره من الخشية ، فإن الموت إذا كان كائناً لا محالة .

فمن لم يمت بالسيف مات بغيره*** . . .

والبروج جمع برج : وهو البناء المرتفع ، والمشيدة : المرفعة من شاد القصر : إذا رفعه ، وطلاه بالشيد ، وهو الجصّ ، وجواب «لولا » محذوف لدلالة ما قبله عليه .

وقد اختلف في هذه البروج ما هي ؟ فقيل : الحصون التي في الأرض ، وقيل : هي القصور . قال الزجاج ، والقتيبي : ومعنى مشيدة مطوّلة . وقيل : معناه مطلية بالشيد ، وهو الجص ، وقيل : المراد بالبروج : بروج في سماء الدنيا مبنية ، حكاه مكيّ عن مالك ، وقال : ألا ترى إلى قوله : { والسماء ذَاتِ البروج } [ البروج : 1 ] { جَعَلَ فِى السماء بُرُوجاً } [ الفرقان : 61 ] { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السماء بُرُوجًا } [ الحجر : 16 ] وقيل : إن المراد بالبروج المشيدة هنا : قصور من حديد .

وقرأ طلحة بن سليمان : { يُدْرِككُّمُ الموت } بالرفع على تقدير الفاء ، كما في قوله :

وقال رائدهم أرسوا نزاولها*** . . .

قوله : { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } هذا ، وما بعده مختص بالمنافقين ، أي : إن تصبهم نعمة نسبوها إلى الله تعالى ، وإن تصبهم بلية ، ونقمة نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فردّ الله ذلك عليهم بقوله : { قُلْ كُلٌّ منْ عِندِ الله } ليس ، كما تزعمون ، ثم نسبهم إلى الجهل ، وعدم الفهم ، فقال : { فَمَالِ هَؤُلاء القوم لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } أي : ما بالهم هكذا .

/خ81