تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص

مكية ، عددها أربع آيات .

أحد لا شريك له ، وذلك أن عامر بن الطفيل بن صعصعة العامري ، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أما والله لئن دخلت في دينك ليدخلن من خلفي ، ولئن امتنعت ليمتنعن من خلفي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فما تريد" ؟ قال : أتبعك على أن تجعل لي الوبر ، ولك المدر ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا شرط في الإسلام" ، قال : فاجعل لي الخلافة بعدك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا نبي بعدي" ، قال : فأريد أن تفضلني على أصحابك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا ، ولكنك أخوهم ، إن أحسنت إسلامك" ، فقال : فتجعلني أخا بلال ، وخباب بن الأرت ، وسلمان الفارسي ، وجعال ، قال :" نعم" ، فغضب ، وقال : أما والله لأثيرن عليك ألف أشقر عليها ألف أمرد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ويحك تخوفني" ؟ قال له جبريل ، عليه السلام ، عن ربه : لأثيرن على كل واحد منهم ألفا من الملائكة ، طول عنق أحدهم مسيرة سنة ، وغلظها مسيرة سنة ، وكان يكفيهم واحد ، ولكن الله عز وجل أراد أن يعلمه كثرة جنوده ، فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعجب مما سمع منه ، فلقيه الأربد بن قيس السهمي ، فقال له : ما شأنك ؟ وكان خليله ، فقص عليه قصته ، وقال : إني دخلت على ابن أبي كبشة آنفا ، فسألته الوبر ، وله المدر فأبى ، ثم سألته من بعده فأبى ، ثم سألته أن يفضلني على أصحابه ، فأبى ، وقال : أنت أخوهم ، إن أحسنت إسلامك ، فقال له : أفلا قتلته ؟ قال : لم أطق ذلك ، قال : فارجع بنا إليه ، فإن شئت حدثته حتى أضرب عنقه ، فانطلقا على وجوههما ، حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقعد عامر عن يمينه والأربد عن يساره ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ما يريدان ، قال : وجاء ملك من الملائكة فعصر بطن الأربد بن قيس ، وأقبل عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع يده على فمه ، وهو يقول : يا محمد ، لقد خوفتني بأمر عظيم ، وبأقوام كثيرة فمن هؤلاء ؟ قال :" جنودي ، وهم أكثر مما ذكرت لك" ، قال : فأخبرني ما اسم ربك ؟ وما هو ؟ ومن خليله ؟ وما حيلته ؟ وكم هو ؟ وأبو من هو ؟ ومن أي حي هو ؟ ومن أخوه ؟

وكانت العرب يتخذون الأخلاء في الجاهلية ، فأنزل الله تعالى { قل } يا محمد { هو الله أحد } لقوله : ما اسمه ؟ وكم هو ؟ { الله الصمد } لقوله : ما طعامه ؟

{ الله الصمد } الذي لا يأكل ولا يشرب .

{ لم يلد } يقول : ولم يتخذ ولدا { ولم يولد } آية يقول : ليس له ولد يكتنى به ، لقوله : وابن من هو ؟

ثم قال :{ ولم يكن له كفوا أحد } آية لقوله : من خليله ؟ ويقول : ليس له نظير ، ولا شبيه ، فمن أين يتخذ الخليل ؟ فأشار بيده وبعينه إلى الأربد بن قيس ، وهو في جهد قد عصر الملك بطنه ، حتى أراد أن يخرج خلاه من فيه ، وقد أهمته نفسه ، فقال الأربد : قم بنا ، فقاما ، فقال له عامر : ويحك ما شأنك ؟ قال : وجدت عصرا شديدا في بطني ، ووجعا ، فما استطعت أن أرفع يدي .

قال : فأما الأربد بن قيس ، فخرج يومئذ من المدينة ، وكان يوما متغيما ، فأدركته صاعقة في الطريق فقتلته ، وأما عامر بن الطفيل ، فوجاه جبريل ، عليه السلام ، في عنقه ، فخرج في عنقه دبيلة ، ويقال : طاعون فمرض بالمدينة ، فلم يأوه أحد إلا امرأة مجذوبا من بني سلول ، فقال جزعا من الموت : غدة كغدة البعير ، وموت في بيت سلولية ، ابرز إلى يا موت ، فأنا قاتلك ، فأنزل الله عز وجل :{ وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال } [ الرعد :13 ] .

وأيضا :{ قل هو الله أحد } وذلك أن مشركي مكة قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انعت لنا ربك وصفه لنا ، وقال عامر بن الطفيل العامري : أخبرنا عن ربك أمن ذهب هو ، أو من فضة ، أو من حديد ، أو من صفر ؟ وقالت اليهود : عزيز ابن الله ، وقد أنزل الله عز وجل نعته في التوراة ، فأخبرنا عنه يا محمد ، فأنزل الله عز وجل في قولهم :{ قل } يا محمد { هو الله أحد } لا شريك له