غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦٓ أَوۡ قَاعِدًا أَوۡ قَآئِمٗا فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّمۡ يَدۡعُنَآ إِلَىٰ ضُرّٖ مَّسَّهُۥۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡمُسۡرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (12)

11

ثم بين أنهم كاذبون في استعجال الشر ولو أصابهم ما طلبوه أظهروا العجل والطيش فقال : { وإذا مس الإنسان الضر } أي هذا الجنس { دعانا لجنبه } اللام في معنى الوقت كقولك : جئته لشهر كذا . وإن شئت قلت في موضع الحال لأن الظرف والحال متآخيان فيصح عطف أحدهما على الآخر وتأويل أحدهما بالآخر أي دعانا مضطجعاً { أو قاعداً أو قائماً } أو وقت اضطجاعه وقعوده وقيامه . والمراد أنه يدعو الله في جميع أحواله لا يفتر عن الدعاء . ثم إن خص الضر بالمرض احتمل أن يراد أنه يدعو الله حين كان مضطجعاً غير قادر على القعود أو قاعداً غير قادر على القيام ، أو قائماً لا يطيق المشي إلى أن يخف كل الخفة ويرزق الصحة بكمالها . أو يراد أن من المضرورين من هو أسوأ حالاً وهو صاحب الفراش ، ومنهم من هو أخف وهو القادر على القعود ، ومنهم المستطيع للقيام وكلهم لا يصبرون على الضراء . قال بعض المفسرين : الإنسان هاهنا هو الكافر . ومنهم من بالغ فقال : كل موضع في القرآن ورد فيه ذكر الإنسان فالمراد به الكافر . وهذا شبه تحكم لورود مثل قوله تعالى : { هل أتى على الإنسان } [ الدهر : 1 ] إلا أن يساعده نقل صحيح . والأصح عند العلماء العموم لأن الإنسان خلق ضعيفاً لا يصبر على اللأواء ولا يشكر عند النعماء إلا من عصمه الله وقليل ما هم ، وهم الذين نظرهم في جميع الأحوال على المقدر المؤجل للأمور حسب إرادته ومشيئته فلا جرم إن أصابهم السراء شكروا وإن أصابهم الضراء صبروا فأفنوا إرادتهم في إرادته ورضوا بقضائه . قال الزجاج : في الآية تقديم وتأخير والتقدير : وإذا مس الإنسان الضر لجنبه أو قاعداً أو قائماً . وضعف بأن تعديد أحوال الدعاء أبلغ من تعديد أحوال الضر لأنه إذا كان داعياً على الدوام ثم نسي ذلك في وقت الرخاء كان أعجب . ومعنى { مرّ } مضى على طريقته التي له قبل مس الضراء ومرّ عن موقف الدعاء والتضرع لا يرجع إليه . ومعنى { كأن لم يدعنا } كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن { كذلك } مثل ذلك التزيين { زين للمسرفين ما كانوا يعملون } من تتبع الشهوات . والمزين هو الله تعالى أو النفس أو الشيطان مفرع عن مسألة الجبر والقدر وقد مر مراراً . قال العلماء : سمي الكافر مسرفاً لأنه أنفق ماله من الاستعداد الشريف من القوى البدنية والأموال النفيسة في الأمور الخسيسة الزائلة من الأصنام التي هي أحقر من لا شيء ، ومن الشهوات الفانية التي لا أصل لها ولا دوام . والمسرف في اللغة هو الذي ينفق المال الكثير لأجل الغرض الخسيس فصح ما قلنا .