غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

21

{ فلما سمعت بمكرهن } اغتيابهن وسوء قالتهن فيها ، وإنما حسن التعبير عن الاغتياب بالمكر لاشتراكهما في الإخفاء . وقيل : التمست منهن كتمان سرها فأفشينه فسمي مكراً { أرسلت إليهن } تدعوهن . وقيل : أردن بذلك أن يتوسلن إلى رؤية يوسف عليه السلام فلهذا سمي مكراً . وقيل : كن أربعين . { وأعتدت } وهيأت { لهن متكئاً } موضع اتكاء وأصله موتكئاً لأنه من توكأت أبدلت الواو تاء ثم أدغمت ، والمراد هيأت لهن نمارق يتكئن عليها كعادة المترفهات كأنها قصدت بذلك تهويل يوسف عليه السلام من مكرها إذا خرج على أربعين نسوة مجتمعات في أيديهن السكاكين توهمه أنهن يثبن عليه . وقيل : المتكأ مجلس الطعام لأنهن كانوا يتكئون للطعام والشراب والحديث على هيئة المتنعمات ، ولذلك نهى أن يأكل الرجل متكئاً . وآتتهن السكاكين ليعالجن بها ما يأكلن بها . وقيل : أراد بالمتكأ الطعام على سبيل الكناية لأن من دعوته ليطعم عندك اتخذت له متكأ . وقال مجاهد : هو طعام يحتاج الى أن يقطع بالسكين لأن القاطع متكىء على المقطوع بآلة القطع وقرىء متكاً مضموم الميم ساكن التاء مقصوراً وهو الأترج { فلما رأينه أكبرنه } أعظمنه وهبن ذلك الجمال ، وكان أحسن خلق الله إلا أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان أملح . قيل : كان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه ربه وما كان أحد يستطيع وصفه ويرى تلألؤ وجهه على الجدران وقد ورث الجمال من جدته سارّة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " مررت بيوسف الليلة التي عرج بي إلى السماء فقلت لجبرائيل : ما هذا ؟ فقال : يوسف . فقيل : يا رسول الله كيف رأيته ؟ قال : كالقمر ليلة البدر " وقال الأزهري : أكبرن بمعنى حضن والهاء للسكت . يقال : أكبرت المرأة أي دخلت في الكبر بالحيض ، ووجه حيضهن حينئذٍ بأن المرأة إذا فزعت أسقطت ولدها فحاضت ، فالمراد حضن ودهشن . وقيل : أكبرنه لما رأين عليه من نور النبوة وسيماء الرسالة وآثار الخضوع والإخبات والأخلاق الفاضلة الملكية كعدم الالتفات إلى المطعوم والمنكوح فلذلك وقعت الهيبة والرعب في قلوبهن { وقطعن أيديهن } أي جرحنها بأن لم يعرفن الفاكهة من اليد ، أو بأن لم يفرقوا بين الجانب الحاد من السكين وبين مقابله فوقع الطرف الحاد في أيديهن وكفهن وحصل الاعتماد على ذلك الطرف فجرح الكف وهذا القول شديد الملاءمة لقولهن { حاش لله } أي ننزهه عما يشينه من خصلة ذميمة { إن هذا إلا ملك كريم } في السيرة والعفة والطهارة .

/خ35